مقدمة
المقصد
من هذا الكتاب تقديم وتبيين مكانة خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ في دين الحق،
وما يقتضيه ذلك من المسلم على المستويات الإيمانية والنظرية والعملية، وجماع كل
ذلك يتضمنه الركن الديني السادس من أركان الدين الكبرى.
والشهادة لسيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بأنه رسول الله
هي مفتاح لدخول الإسلام، كما أنه من أوامر الدين الكبرى الإيمان بكل ما ذكره الله
تعالى عنه في كتابه والصلاة عليه بالعمل على إقامة صلة وثيقة به وتلاوة وتدبر
الآيات القرءانية التي يثني عليه فيها ربه وترديد صيغ الصلاة عليه، كذلك يجب
التسليم عليه وفق المعاني الموضحة في هذا الكتاب.
إنه لا يحق لمسلم التقصير في
القيام بحقوق الرسول الكريم عليه، ومن المؤسف أن جلّ المطالبين بالإصلاح الديني
يجهلون ويتجاهلون المكانة التي يستحقها خاتم النبيين في الدين، ولا يكتفون بذلك بل
ويهاجمون كل من يحاول أن يبين للناس الطريق القويم، ويمكن القول هاهنا بأنه على
المستوى الفردي الجوهري فإن مثل هذا المسلك هو من علامات سوء الخاتمة، أما على
المستوى العام فإن ذلك الاتجاه بعيد بالضرورة عن دين الحق وعن الصراط المستقيم.
*******
الركن الديني السادس
الإيمان بأن محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هو رسولُ الله إلى
الناس كافة وخاتمُ النبيين والمرسلُ رحمة للعالمين والعمل على إقامة صلة وثيقة به
والقيام
بما يقتضيه ذلك من
تعظيم قدره والصلاةِ والتسليمِ عليه وطاعتِه والتأسِّي به والتمسكِ برسالته وسنته.
إن من أركان دين الحق العمل على إقامة صلة وثيقة
بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله
وسَلَّمَ وهذا يقتضي الإيمان بأنه خاتم النبيين ورسول الله
إلى الناس كافة والمرسل رحمة للعالمين وتعظيم قدره وتوقيره والصلاة والتسليم عليه
وطاعته والتأسِّي به وكذلك الإيمان بأنه جاء بالرسالة الكاملة التامة المتممة وبدين الحق والعمل
بمقتضى ذلك.
*******
إن هذا الركن يتضمن الإيمان بأن محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله
وسَلَّمَ هو خاتم النبيين ورسول الله إلى الناس كافة وأنه
المرسل رحمة إلى العالمين وأن الله تعالى قد عظَّم قدره ورفع له ذكره وأَرْسَله
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وجعله دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ
وَسِرَاجًا مُّنِيرًا، كما يتضمن العمل بمقتضى ذلك، فيجب الإيمان بكل ما ذكره
القرءان عنه ومن ذلك أنه الشهيد على تلك الأمة وعلى شهداء الأمم، وهذا يستلزم
توقيره وتعظيم قدره والصلاة والتسليم عليه والتمسك بسنته الحقيقية والتأسي به، ومن
لوازم ذلك التمسك بآل بيته الحقيقيين وهم أهل الله أي أهل القرءان الحقيقيين.
ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن محاولة النيل من
قدره أو التهوين من شأنه أو الاتصاف بما يترتب على هذا الجهل، أو العمل بمقتضاه.
والحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن أن يلتزم المسلم بالصلاة
والتسليم على الرسول وعلى آله كلما استطاع إلى ذلك سبيلا وأن يوقره.
إن من أركان الدين الإيمان بكل ما أورده القرءان عن
الرسول، ومن ذلك أنه الشهيد على تلك الأمة وعلى شهداء الأمم، وبأن الله قد أَرْسَله
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وجعله دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ
وَسِرَاجًا مُّنِيرًا، وبأنه على خلق عظيم وبأنه حريص على المؤمنين، وبهم رؤوف
رحيم، وبأن الله قد رفع له ذكره وأعلى قدره وجعل طاعته من طاعته وجعله دائمًا
تاليا له حتى ليكاد ينزله منزلة نفسه، وكل هذا يستلزم توقيره وتعظيم قدره والصلاة
والتسليم عليه والتمسك بسنته الحقيقية والتأسي به.
ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن محاولة إيذائه أو
النيل من قدره أو التهوين من شأنه أو الجهل الجسيم بقدره أو الاتصاف أو العمل
بمقتضيات هذا الجهل، والحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن أن يلتزم المسلم
بالصلاة والتسليم عليه وعلى آله كلما استطاع إلى ذلك سبيلا وأن يوقره.
وصلاة المؤمنين على النبي تتضمن كل سعي منهم لإقامة
صلة به ويترتب عليها استمدادهم منه، ولقد كان السماح بها فضلا إلهيا على هذه
الأمة، وهي تقوم بهذا الواجب بالنيابة عن البشرية جمعاء.
والأمر بالصلاة على النبي يعني
الأمر بالعمل على إقامة صلة به، وهذا يتضمن دعمه وتأييده ومناصرته هو والرسالة
التي حملها من ربه إلى الناس كافة، والتوجه إلى الله تعالى ليصلي عليه هو من لوازم
هذا الركن الديني الملزم.
أما الأمر بالتسليم للرسول فهو
يقتضي من المسلم القبول به وبالرسالة التي أتي بها بامتنان وعرفان وإقرار بالفضل
وعدم منازعته في أي شيء يتعلق بها وإعطاءه السلام من نفسه، وذلك أيضا من لوازم
القيام بهذا الركن.
ومن لوازم إقامة وتوطيد الصلة به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ تبرئته
من أهل البغي والمنافقين ومن المتسلطين المجرمين الذين أفسدوا في الأرض واعتدوا
على الناس وسفكوا الدماء واستولوا على الأموال والأطفال والنساء، واعتبروا ديار
الآخرين ديار حرب أعطوا لأنفسهم حق الاعتداء عليها بزعم نشر دينه والدعوة إليه،
فكانت إساءتهم إليه مضاعفة متضاعفة، ومن لوازم ذلك أيضًا تبرئته من الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ
شِيَعًا كما برَّأه ربه منهم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ
وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون} [الأنعام:159].
أما صلاة الناس على النبي
فهي سعيهم لإقامة صلة وثيقة به باتخاذه إمامًا، وبالتأسِّي به والعمل بسنته التي
هي العمل بمقتضى الأوامر الإلهية المذكورة في القرءان، والصلاة اللفظية على النبي
مع حضور الذهن هي وسيلة لتذكير الكيان الإنساني الجوهري بذلك، وكذلك هي وسيلة
لترسيخ الصلة به.
ولا يجوز ان يرتاب مؤمن في
أن النبي حيّ وشهيد على أمته وعلى سائر الأمم، فهو أولى الشهداء بأن يكون حيًّا عند
ربه يُرزق، والحق هو أن كل الأنبياء والشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، والمقتولون
في سبيل الله تعالى يُلحقون بالشهداء بدون اشتراط أن يكونوا قد وصلوا إلى تلك
المرتبة بأعمالهم.
إن الصلاة على النبي هي أمر قرءاني
كبير وهام، وهي تعني العمل على إقامة صلة وثيقة به، والمداومة على الصلاة عليه
بأية صيغة من الصيغ هي من وسائل زيادة الإحساس به وبحضوره، فهو حي لأنه شهيد على
أمته وعلى شهداء الأمم.
وللمسلم أن يستعمل أية صيغة من صيغ
الصلاة على الرسول، والتوجه إلى الله تعالى بأن يصلي عليه هي استجابة للأمر
الإلهي، وليس مخالفة عنه!
وأفضل الصلوات عليه أن يقرأ ويتلو
الإنسان الآيات القرءانية التي يثني فيها ربه عليه ويعلن فيها للناس مهامه
وأعماله.
وللأسف، يعتبر (القرءانيون) والمجتهدون الجدد من
فتوحاتهم الكبرى إبطالهم ما دأب عليه المسلمون من الصلاة والتسليم على الرسول
بالصيغ اللفظية المعلومة، ومنها مثلا الصلاة الإبراهيمية، ويقولون ما معناه:
"إن الله يأمرك بالصلاة على النبي وليس بأن تطلب أنت منه أن يصلي عليه خاصة
وأنه يصلي عليه بالفعل"، وهم يقصدون أنه لا معنى لصيغ الصلاة اللفظية وأنها
تحصيل حاصل، وللصلاة بالفعل معان جليلة، ولكن لا حرج على المسلم في أن يسأل الله
أن يصلي على النبي، وذلك منه تفويض إلى الله أن يقوم عنه بما هو أعجز عن القيام
به، فهو عبادة متضاعفة، وكل صيغ الذكر هي في الحقيقة تحصيل حاصل، وهي لن تنفع الله
في شيء، وهي لن تنفع الرسول في شيء، وإنما المنتفع هو الذاكر نفسه، أمثلة:
1. من يقول "لا إله إلا الله"، لن يغير شيئا من
الحقيقة، فقوله تحصيل حاصل، فهو لم يجعل آلهة متعددة إلها واحدا، وإنما هو يطهر
نفسه من توهم ذلك، ويبرمج نفسه وكياناته على تلك الحقيقة فيتصرف بمقتضاها، والأمر
أشبه بمن يردد قانونا علميا ليحفظه، فهو بذلك لن يجعل القانون العلمي حقا، وإنما
هو الذي سيجد القانون حاضرا كلما احتاجه.
2. من يقول "الله أكبر" استجابة للأمر القرءاني:
{وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيرًا} لن يغير شيئا في الذات الإلهية، وإنما هو يبرمج نفسه وقلبه على حقيقة
أن الله أكبر من كل مخلوقاته ومن كل تصوراتهم أو مفاهيمهم عنه، فتكون له بذلك
المكانة الكبرى في قلبه، فلا يقصد بأعماله إلا وجهه.
ويقول (القرءانيون) والمجتهدون
الجدد: "وكيف تطلب من الله أن يسلِّم للرسول؟" والحق أن المسلم يسأل ربه
أن يسلم على الرسول وليس أن يسلم له، والله تعالى بالفعل يسلم على المصطفين من
عباده، قال تعالى:
{وَسَلَامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ}الصافات181، {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ
الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}النمل59، وهو الذي أمرنا
كما تبين الآية بالتسليم عليهم، فالقول: "سَلِّمَ" عليهم يعني اتباع سنة إلهية؛ أي هو محاكاة للفعل الإلهي وتذكره، فهو الذي يسلم
على عباده الذين اصطفى، وهو عملٌ بأمر إلهي ودعوة مستجابة في حق الرسل، أما
المنتفع بالتسليم على المرسلين فهو المسلِّم نفسه، وهو لذلك ملزم أيضًا بإعطائهم
السلام من نفسه، فيجب أن يتجنب الشقاق والمنازعة معهم وأن يكف عنهم شر نفسه الذي
لن يضر غيره.
و(القرءانيون) والمجتهدون
الجدد بموقفهم هذا هم أسوأ من السلفية الذين لا يعرفون له قدره، ولكنهم يصلون
ويسلمون عليه.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق