الجمعة، 22 أغسطس 2025

من كتابنا من الرسائــل المنشــورة على شبكـة المعلومـات (ب)، 2017

 

الشفاعة

الشفاعة المنسوبة إلى الله إنما تتم بإذن الله، فهي تتم بمقتضى السنن الإلهية، ولا ينتفع بها إلا من هو أهل لها، وهي تجل عن مفهوم الناس للشفاعة، فلا محاباة فيها.

والشفاعة المحمدية من مظاهر الرحمة الإلهية ومن مقتضيات كون النبي رحمة للعالمين ولا ينكرها إلا خاسر، فمن علامات الشقاء إنكارها، وللحصول عليها لابد من توثيق الصلة بالرسول عن طريق الإكثار من الصلاة عليه والتسليم.

ويوجد شفاعة بالإذن الإلهي.

ومفهوم الشفاعة لا علاقة له بالمفهوم الدارج عنها ولا يتعارض مع الحق بل هو من مظاهر الحق، فهي فعل إلهي من مقتضى سنن إلهية حقانية، وله تجلياته في المظاهر الخلقية، ولا يجوز لأحد محاولة ضرب الآيات ببعضها اتباعًا لأهوائه.

*******

القانون

القانون الخاص بالإنسان من حيث أنه كائن مخير هو قاعدة من القواعد التي تهدف إلى تنظيم علاقة الفرد مع غيره وضبط سلوكه معه، فمن القوانين:

1.      القانون الذي ينظم علاقة الإنسان بربه وكيفية قيامه بحقه، وهو يرتب على مدى ونوعية استجابة الإنسان للأمر الإلهي الأثر المناسب.

2.       القانون الذي يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع وقد يكون مصحوبا بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف عند الاقتضاء.

وهناك القانون العلمي وهو التعبير عن العلاقات الثابتة أو الارتباطات القائمة بين ظواهر معينة، وذلك للتوصيف الدقيق وربما الكمي لهذه الظواهر، أو هو بالأحرى العلاقات بين المفاهيم البشرية المستخلصة من الطبيعة عن هذه الظواهر، فارتباط الأرض بالشمس مثلا يمكن التعبير عنه كعلاقة بين مفاهيم الكتلة (الخاصة بكل من الشمس والأرض) والقوة والمسافة، كما يمكن التعبير عنه بدلالة الانحناء في الزمكان رباعي الأبعاد نتيجةً لوجود كتلة الشمس والذي يحدد بذلك مسارا للأرض في هذا الزمكان.

فالقانون إما أن يعبر عن تنظيم السلوك وإما أن يعبر عن ارتباطات بين الظواهر بحيث يكون بعضها أسبابا وبعضها الآخر نتائجا

ولا يمكن أن يكون القرءان خاليا من القوانين بكافة أنواعها، فما هي الكلمة التي تؤدي معنى قانون في القرءان؟ إنها كلمة "السنة"، ولها معانٍ قرءانية أخرى، ولكن تعريفات السلف وما أحدثوه في الدين أضل الناس عن ذلك!

******* 

عندما يكون الإنسان مريضا ضعيفا ويريد أن يُشفى من أراضه وأن يقوي جسمه وأن يجعله كبيرا ضخما متناسقا فإنه يلجأ إلى الطبيب المتخصص فيقول له مثلا "اشرب هذا الدواء ثلاث مرات يوميا" ويحدد له الجرعة اللازمة، أما مدرب كمال الأجسام فيحدد له أيضا التمارين الرياضية التي يجب أن يؤديها وثقل الحديد الذي يجب أن يستعمله أثناء بعض التمارين، وكل ذلك حتى يكون نمو أجزاء جسمه وجسمه بصفة عامة متوازنا، كما سيحدد له قوائم طعام تتضمن تزويد الجسم بكل العناصر اللازمة لنموه، وفي كل الأحوال سيلتزم هذا الإنسان بما حدده له كل من الطبيب والمدرب لثقته بعلمهما وإمكاناتهما، فهو لن يقول للطبيب مثلا: لماذا حددت لي الجرعة بنصف كوب مع أنني أطيق أكثر من ذلك وأريد الشفاء بسرعة؟ ولن يقول للمدرب: لماذا حددت لي ثقل الحديد المستعمل في هذا التمرين بأربعة كيلوجرامات مع أنني أطيق أكثر من ذلك وأريد أن أرى عضلاتي ضخمة وبسرعة!

وكذلك الأمر بالنسبة للكيان الإنساني الجوهري؛ النفس ومركزها؛ أي القلب، لقد بيَّن الله تعالى للناس ما يلزمهم لإعداد وتزكية وتنمية كياناتهم الجوهرية، فهو الذي خلقهم، وهو الأعلم بما يصلحهم، فلابد من الالتزام بالقيام بكل الأوامر الدينية التي ذكرها في كتابه العزيز، ولقد قضوا بمروية "بُني الإسلام على خمس" على دين الحق وأحلوا محله دينا لا مكان فيه للأمور الجوهرية ولا للأمور الكبرى ولا للقيم العليا، ولذلك ترى كل الأمم الأخرى أكرم أخلاقا وأكثر قياما بالقسط وحكما بالعدل وإتقانا للعمل من المحسوبين ظلما على الإسلام.

*******

القرءان حافل بالأوامر الدينية الكبرى التي تتفوق على الأركان المعروفة في الوزن والمكانة، تم إلغاؤها كلها عمليا بالاستناد إلى مروية "بُني الإسلام على خمس"، وهكذا فالمسلم المتحمس لم يعد يجد إلا الشعائر كالصلاة والصيام والحج ليجوِّد فيها ويظهر حسن إسلامه، ولما كان الصيام شهرا في السنة والحج مرة في العمر لمن استطاع إلى ذلك سبيلا لم يعد الناس يجدون إلا أداء الصلاة كوسيلة للتعمق والتفنن في الدين، ولما كان أكثر الناس لا علاقة لهم بالأمور الوجدانية (غير المنضبطة كما يقول اللافقهاء) فلم يبق لهم إلا الأمور الشكلية في الصلاة، لذلك غلوا في أمرها، فاشتد الطلب على معرفة كل ما يتعلق بهذه الشكليات، فصال في ذلك اللامحدثون واللافقهاء وجالوا، ولما كان المتسلطون المجرمون الظلمة الأمويون والعباسيون لا يريدون من الناس العودة إلى التفكير في أركان الدين العظمى التي تدينهم وتوجب خلعهم فقد جعل لهم اللافقهاء الصلاة كمعيار وحيد للعلاقة بينهم وبين (الرعية)، فأوجبوا على الناس الطاعة المطلقة لمن تسلط عليهم طالما لم يعطل إقامة الصلاة!!!!!!!!!!!!!!! وهكذا تم توثين الصلاة!

وهكذا ترى الداعية الفضائي وقد تلقى سؤالا من أحد المتابعين يريد منه أن يعرف كيف كان يصلي الرسول بالضبط ودون أي تحريف، فتنفرج أسارير الكائن الفضائي ويتحول وجهه إلى ابتسامة عريضة تملأ الشاشة وتتجلى فيها خيبة هذه الأمة وتتلخص فيها أسباب تخلفها ويعد السائل أن يخصص لهذا الحدث الجلل عدة حلقات كاملة ويضمن هو لنفسه بضعة آلاف من الدولارات من ممولي المحطة!

*******

دين الحق يهدف إلى بناء الأمة المؤمنة الواحدة، وهي تختلف عن المجتمع في أن لها بنية؛ أي توجد شبكة من الصلات بين أفرادها ومكوناتها، وهذه الأمة يمكن الآن أن توجد داخل أي كيان، فمن أول الأركان الملزمة للمؤمنين في أي كيان أن يكونوا أمة واحدة، ويمكن أن يتجسد ذلك الآن في وجود منظمات مجتمع مدني يمكن من خلالها أن يساعد الغنيُ الفقيرَ والقويُ الضعيفَ والمتعلمُ الجاهلَ، هذه الأمة تتولى الدفاع عن مصالح أفرادها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير وتتعايش سلميا مع غيرها من الأمم.

وهذه الأمة تقوم بما هو منوط بها من مهام وعلى رأسها أركان الدين الملزمة للأمة بقدر الوسع، وليس من مهام الأمة أن تصطدم بالكيان الأكبر الذي يحتويها، والأمر أشبه بالمثال التالي:

إيتاء الزكاة هو ركن ملزم لكل مسلم لديه النصاب الذي يحدده أولو الأمر، أما من ليس لديه هذا النصاب فهو غير مطالب بإيتاء الزكاة، كما أنه ليس مطالبا بأن يعمل بالذات لكي يكون لديه من المال ما يجعله ملزما بأداء الزكاة، فهو غير مطالب في وقتٍ ما إلا بما هو في وسعه في ذلك الوقت.

وكذلك الأمر بالنسبة للأمة، فالأمة غير مطالبة إلا بما هو في وسعها في زمنها ومكانها، فأمة المسلمين في أمريكا مثلا ليست مطالبة بمقاتلة الدولة التي تعيش في كنفها لكي تلزمها بأن تطبق نظام العقوبات الإسلامي مثلا، ولكن لها أن تجاهد جهادا سلميا لإقناع الناس بحقانية وفعالية هذا النظام، ولكنها ليست مكلفة بما ليس في وسعها، فلها أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر بالوسلئل السلمية المتاحة دون أن تصطم صداما دمويا بكيان الدولة التي تحيا فيها، يجب أولا أن تلتزم هذه الأمة فيما بينها بالإسلام الذي يلزمها بأن تكون أمة واحدة؛ أي جسدا واحدا.

وليس من مقاصد الإسلام إلزام الناس بإنشاء كيان سياسي تحت أي مسمى من المسميات، ومن التدليس تلقيب الدكتاتور أو الإمبراطور أو الملك أو الرئيس بالخليفة، فكلمة خليفة هي مصطلح قرءاني يحدد مهام الإنسان في هذه الأرض، فكل إنسان لمجرد كونه إنساناً هو خليفة في الأرض وحامل للأمانة، وقد أُطلق هذا اللقب على أبي بكر بزعم أنه خليفة الرسول، مما سبب من بعد لبسا، والحق هو أنه ليس للرسول خليفة بالمعنى الاصطلاحي، وكان من الأفضل أن يبحثوا عن لقب آخر.

ومن العار أن يلصقوا بالإسلام سلاطين الأمويين والعباسيين بزعم أنهم خلفاء بعد أن استقر في عرف الناس أن الخلافة بالمعنى المحرف مصطلح ديني.

أما جماعات الإجرام السياسي فتعتنق دينا آخر يقلب الأمور رأسًا على عقب ويجعل السلطة السياسية هي محور الوجود ومقصده الأعظم هو استيلاؤهم هم عليها، وبذلك سيظلون حربا على الإسلام والمسلمين قبل أن يكونوا حربا على غيرهم وسيتحالفون مع إبليس ضد الإسلام والمسلمين الآخرين، أولئك مجرد نعال حقيرة في أقدام الشياطين.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق