الأربعاء، 6 أغسطس 2025

ملة إبراهيم عليه السلام

 ملة إبراهيم عليه السلام

الدين عند الله واحد، هو الإسلام، فالدين الذي أراده الله منذ البدء واحد في جوهره، وقد تعددت أطواره وتجلياته بحسب حاجات الزمان والإنسان، هذا الدين بدأ طورا جديدا مع نوح عليه السلام، ولذلك يتقدم ذكره في بعض الآيات، ويُفرد بطريقةٍ ما عن غيره، ثم كانت رسالة إبراهيم عليه السلام طفرة كبرى، وأدت إلى ترسيخ التوحيد وعبادة الإله الواحد، وكان من آمنوا برسالته أول من لُقِّبوا بالمسلمين.

ثم كانت رسالة موسى عليه السلام، وتضمنت الوصايا العشر والشريعة التي تحقق العدل.

ثم كانت رسالة المسيح عليه السلام تأكيدًا لقيمة الرحمة وللجانب الباطني الروحاني من الدين.

ومع خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بلغ الدين كماله وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وتضمَّن مقتضيات الأسماء الإلهية الحسنى من القيم والسنن ومكارم الأخلاق اللازمة للإنسان ليبلغ كماله ويحقق مقاصد الدين، وهو بذلك يتضمن كل ما سبقه ويضيف إليه ويتفوق عليه.

وهو بذلك يتضمن بصفة خاصة ملة إبراهيم عليه السلام، وهي التي تلقاها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وحيا وتعلمها الناس منه ونقلوها إلى الآخرين بالسلوك العملي

والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان منوطا به مهام عديدة بالنسبة لقومه، وهي ثابتة بنصوص آيات القرءان الكريم، فهو كان يعلِّم قومه ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ويبشر وينذر ويدعو إلى الله ويحكم بينهم ويبين لهم ما غمض عليهم، وقد كان منوطا به أن يحقق فيهم وبهم المقصد الدين الأعظم بأن يجعل منهم الأمة الخيرة الفائقة، وقد كان بلا ريب وليّ أمر هذه الأمة، وقد كان بالفعل يتولى كافة أمورهم، فلابد أنه فعل أفعالا وقال أقوالا بمقتضى كل ذلك، وكان كل ذلك لازما له ليتحقق بكماله المنشود وليبلغ درجته الرفيعة.
وقد كان يعلمهم القولَ القرءاني في كل مسألة باعتبار أنه الأعلم بما نزل منه وأنه أعلمُ الخلق به وبمنهجه في إيراد الحقائق، فالقرءانُ بالفعل مبين ومبيِّن وتبيانٌ لكل شيء لمن كان على درجة عالية من العلم والرقي الذهني والوجداني، وكان الأرقى في كل ذلك هو الرسول، هذا فضلا عن أن حفظة كل ما أُنزل من القرءان كانوا دائما قليلين، لكل ذلك لابد أن الرسول كان يبيِّن لهم القرءان بالقرءان ويوضح لهم ما غمض عليهم.
وثمة أمر قرءاني موجه إلى الرسول والمؤمنين باتباع ملة إبراهيم، وكان الرسول يعمل بمقتضى ذلك، وأعماله وأقواله كانت مبينة لهذه الملة، وتفصيلها لم يرد في القرءان بحكم أنها كانت معلومة لهم، وهو بالتأكيد الذي طهرها مما لحق بها بهديٍ من ربه.

وملة إبراهيم تتضمن كل الأوامر الإلهية الموجهة إلى إبراهيم عليه السلام في القرءان، أو ما ذكره الله تعالى في إطار الحديث عنه، فهي الإسلام من حيث إنه دين الفطرة.

ودين الفطرة الطبيعي(The natural religion)  هو الذي بُعث به كل الأنبياء ودعوا أقوامَهم إليه، وهو الدين الذي قال الله تعالى فيه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [الروم:30]، وهذا لا يعني أن الإنسان مبرمج عليه ويمكن أن يهتدي بنفسه إليه، ولكنه يعني أنه الدين المتناغم والمتوافق تماما مع الكيان الإنساني السوي؛ يلبي له كافة احتياجاته، ويحقق له كماله المنشود على كافة المستويات، فمثله بالنسبة للكيان الجوهري للإنسان كمثل الغذاء الصحي الكامل اللازم لسلام بنيان الجسم وإكسابه المناعة ضد الأمراض، وهو أيضًا الدين الواحد عند الله تعالى الذي ورد فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...}آل عمران19، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}البقرة132، وهو يتضمنُ الإيمانَ بالله والإيمانَ باليوم الآخر وعبادةَ الله وحدَه والانقيادَ له والإخلاص له والإخبات له والتسبيحَ له والتسبيح بحمده وإقامةَ الصلاة وإيتاء الزكاة والصيامَ والحجَ والركوعَ لله والسجود له والعمل الصالح وفعل الخيرات والتزكي بالتحلي بمكارم الأخلاق والتطهر من الصفات الذميمة والإحسان إلى الوالدين والامتناع عن قتل الأبناء خشية الإملاق والوفاء بالكيل والميزان والقيام بالقسط والحكم بالعدل والوفاء بالعهد واجتنابَ الفواحش والانتهاءَ عن كبائر الإثم والأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر...، وهذا هو القدْر الأصلي المشترك بين كل الأديان، وهو الذي كان ينمو ويزداد كلما بُعِث رسولٌ جديد، فالدين كان ينمو مواكبًا للتطور الإنساني ودافعا له وحافزا عليه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق