الآثام المضادة لركن إقامة صلة وثيقة بالله
هذه الآثام لا تمثّل مجرد خطايا
سلوكية، بل هي اعتداء على جوهر الصلة بالله، وإفساد لمقوّمات الإيمان التفاعلي
الذي يربط الكيان الإنساني بالأسماء الحسنى. وأبرز هذه الآثام:
- الشرك
بجميع أنواعه: سواء أكان
شركًا جليًا في الاعتقاد، أو خفيًا في التعلّق القلبي، فإنّه يُناقض توحيد
الوجهة إلى الله، ويفسد شرط الانكسار والتفويض، ويحجب القلب عن استقبال نور
الأسماء.
- الغفلة
عن ذكر الله: وهي طمسٌ
تدريجيّ للإحساس بالحضور الإلهي، تجعل القلب أرضًا باردة لا تصلها تجليات
الأسماء، وتحوّل الدين إلى عادة جوفاء، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ
عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ
فُرُطًا} [الكهف:28]، {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعا
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ
تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين} [سورة الأعراف: 205]
- الإلحاد
في أسماء الله: وهو انحراف
في التصوّر أو التأويل أو التسمية، بأن يُنكَر بعض الأسماء، أو تُحمل على
معانٍ لا تليق بجلاله، وهو يُفسد التفاعل الصحيح مع الله، ويشوّه بوصلة
الإنسان الروحية، قال الله تعالى: {وَلِلّهِ
الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي
أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [سورة الأعراف: 180]
- الجهل
أو التجاهل لبعض الأسماء والسمات الإلهية: كأن يُقتصر في العلاقة مع الله على
صفات الجبروت دون الرحمة، أو على الغضب دون الودّ والحُب، فيتولّد عن ذلك
انحراف وجداني، وتشويه في بنية الصلة.
- الكفر
ببعض الأسماء أو الصفات الإلهية: وهذا من أعظم الموانع، لأنه رفضٌ
لما أراده الله من تعريف ذاته لعباده، وإبطال لأثر تلك الأسماء في التزكية
والعبودية والتوكّل.
- إيثار
الحياة الدنيا: وهو تفضيل
العاجل على الآجل، والمادة على المعنى، والدنيا على الله، فكلما تعاظم
التعلّق بالدنيا، ضعفت استجابة الكيان لأنوار الغيب، وخبت جذوة الصلة.
ورحمة بعباده ذكَّرهم الله تعالى
بالحقيقة العظمى، والتي جرت على ألسنة السحرة، وهم يتحدون فرعون من بعد أن هددهم
بالعذاب الأليم:
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى
مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ
إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا
لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)} طه
الموانع النفسية
والمعرفية والسلوكية
- الأنانية
المفرطة: حين تكون
الذات مرجعية مطلقة، تفسد العبودية، وينغلق القلب أمام مقام الربوبية، ويضعف
معنى التفويض.
- الكِبر
والتعالي: وهو من
أعظم حجب الصلة، لأنه يناقض جوهر الخضوع، ويمنع الانكسار، ويجعل الإنسان في
خصام داخلي مع الحق.
- التصوّر
المشوّه عن الله: كأن
يُتصوّر الله ككيان منتقم دائمًا، أو كوجود بعيد لا يُرجى قربه، فتغيب مشاعر
المحبة والأنس، وتُفسد العلاقة.
- الجمود
العقلي والشك المنهجي: حين تختزل
العلاقة بالله في تصوّرات ميكانيكية، بلا حياة ولا ذوق، أو حين يُساءل الغيب
بمعايير الحسّ، تضيع السكينة، ويغيب المعنى.
- الخطاب
الديني المنفّر: إذا صار
الدين وعظًا قاسيًا، بلا حبّ ولا أمل، نفر القلب من الذكر، وفقد الناس الطريق
إلى الله.
- الضغوط
المجتمعية والبيئة المنحرفة: حين تُهزّأ
الصلة بالله، أو تُحارب في الواقع، تتراكم الغفلة، ويضعف الوازع.
وبناءً على ذلك، فإنّ إزالة هذه
الموانع هو أوّل مسلك لتحقّق الصلة، وهي البداية الحقيقية للسير إلى الله. فكما لا
تستقبل المرآةُ النور إلا إذا صُقلت، كذلك لا تستقبل النفس أنوار الأسماء إلا إذا
زُكّيت وأُزيل عنها الغبار.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق