الجمعة، 8 أغسطس 2025

تصحيح التصورات المغلوطة حول موقع الرسول ﷺ من الحكم والسياسة

 تصحيح التصورات المغلوطة حول موقع الرسول ﷺ من الحكم والسياسة

إن من أعظم المشكلات الفكرية في التاريخ الإسلامي ما وقع فيه أتباع الأديان الشركية التي انتحلت اسم الإسلام، حين ظنوا أن الرسول ﷺ كان ملكًا أو إمبراطورًا على مملكة أو إمبراطورية.
لقد تبنَّوا بذلك ذات الاتهام الذي قذفه به أعداؤه الأوائل، والذي نفاه عنه ربُّه سبحانه وبرّأه منه نصًّا في القرءان. فالرسول ﷺ لم يكن عليهم حفيظًا، ولا مُسيطرًا، ولا جبّارًا، ولا وكيلًا، ولا ملكًا أو إمبراطورًا، بل كان نبيًا رسولًا، مؤسسًا لأمة لها ولي أمر ديني، وقد استخلف الإمام عليًّا رضي الله عنه في ولاية الأمر على هذه الأمة، لا ليكون حاكمًا مطلقًا، ولا ليؤسس ملكية بالحق الإلهي، ولا ليقيم حكومة دينية بالمعنى السلطوي المعروف.

ولو كان يريد تأسيس أسرة حاكمة أو سلطة ملكية، لقبل بالعرض القرشي في مكة، ولما خاض هو وأصحابه سنوات طويلة من الحروب والمعاناة.

 

سياسات الرسول ﷺ مع غير العرب

كان منهجه ﷺ في التعامل مع الملوك والأمم الأخرى قائمًا على السلم والمخاطبة بالحجة. فقد بعث إليهم رسلًا يحملون خطابات دعوة إلى الإسلام، فإن أجابوا، كان يشهدهم على إسلام أمته، ويحملهم المسؤولية عن شعوبهم، دون فرض سلطان سياسي عليهم.
وهذا يؤكد أن الرسول ﷺ لم يكن يُنشئ إمبراطورية، بل يبلّغ رسالة عالمية.

 

موقعه من الأمة بعد وفاته

ترك النبي ﷺ أمته تدبّر شؤونها بنفسها بعد أن علّمها وزكّاها، ولم يكن أباهم بالمعنى الذي يقتضي أن يورّثهم أو يعيّن لهم وريثًا سياسيًا. فلم يكن ذلك من مهامه أصلًا، إذ لم يكن ملكًا حتى يورّث الأمة لأحد من بعده.
كانت له حق الطاعة كنبي مرسل، ورفض طاعته كان ولا يزال إثمًا دينيًا كبيرًا. أما السلطة التي مارسها فهي داخل إطار الرسالة فقط.

 

القرءان ينفي صفة الملكية والسيطرة

لو كان النبي ﷺ ملكًا أو رئيس دولة بالمعنى السياسي، لما احتاج القرءان إلى حشد كبير من الآيات الآمرة بطاعته، بل لاكتفى بنصّ واحد يثبت ملكه.
لكن القرءان أوضح أن مهامه محددة بعناية، وليس منها تأسيس دولة، وهو ما ينسجم تمامًا مع طبيعة الإسلام كدين عالمي خاتم لا يجمّد ما هو بطبيعته سيّال متطور.

 

طبيعة مهمته ﷺ

كانت مهمته إعداد أمة مؤمنة عبر الدعوة والتعليم والتزكية، وهو بنصّ القرءان لم يكن وكيلًا أو حفيظًا أو مسيطرًا أو جبّارًا.
قال تعالى:

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلا} [النساء:84]

وهذا النص ينفي تمامًا أية سلطة إلزامية له خارج نطاق الرسالة، فحتى في أمر القتال، لم يُعطَ إلا سلطة التحريض والحثّ، لا الإلزام القهري، مع أنهم مؤمنون.

 

الموقف من السقيفة

بما أن رسالته ﷺ عالمية وخاتمة، لم يكن من مهامه تأسيس دولة، ولا تحمّل تبعات ما وقع في السقيفة، والذي كان ضد وصيته.
فهو لم يأمر بإنشاء دولة قرشية تتداولها بطون قريش، ولو أراد ذلك لما اختلفوا، ولما وقع النزاع، ولما رفض أكثر الناس مخرجاتها.
بل لو كان يريد أن يتولى الأمر أبو بكر أو عمر، لما أرسلهما في مرضه – وهو يعلم قرب أجله – إلى خارج المدينة كجنديين تحت إمرة الشاب أسامة بن زيد، ولما شدّد على إنفاذ جيشه، ولما لعن من تخلف عنه.
أما عودتهما إلى المدينة رغم ذلك، فلا تفسير له إلا أنهما تسللا من المعسكر.

وهنا يُطرح السؤال المنطقي:
كيف يعهد إليهما بقيادة الأمة، وهو لم يأتمنهما على قيادة جيش؟

 

حكمة موقفه من الحكم

النبي ﷺ لم يأمر بما يعلم أنه سيؤدي إلى تسلّط قرشيين لا يراعون في أهل بيته إلا ولا ذمّة، وقد أقامت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها الحجة على الأمة، وكشفت لهم الحقائق، ولو أطاعوها لكان خيرًا لهم.

الدين الخاتم لا يمكن أن يجمد ما هو بحكم طبيعته سيال ومتطور، أما المخالفة عن قيمه فقد نتج عنها منذ السقيفة سفك بحور من الدماء والإفساد في الأرض واستعباد الناس، ومازالت تلك المخالفة تؤتي أكلها حينًا من بعد حين، وتضرب الأمة بما ينتج من شياطين ومجرمين سيكوباتيين مولعين بسفك الدماء وطغاة مستبدين مفترسين.

 

التفريق بين الأمة والكيان السياسي

  • الأمة: جماعة يجمعها وحدة القصد ومنظومة قيم، وهي الباقية في التاريخ، وقد يكون لها كيان سياسي أو تتعايش سلميًا مع غيرها.
  • الكيان السياسي: متغير بطبيعته، متطور، يختلف شكله من أمة إلى أخرى، ولا يمكن دمج شعوب متعددة في كيان واحد إلا بحروب مهلكة، حتى إن اتحدوا في الدين أو المذهب أو اللغة.

 

خطورة مقولة "الإسلام دين ودولة"

كل من رفع شعار أن الإسلام دين ودولة، هم:

  • إما مجرمون سفاكون للدماء مفسدون في الأرض بالفعل.
  • أو هم كذلك بالقوة والاستعداد.

الإسلام دين ملزم فقط لمن يعتنقه، ولا يعطي المعتنق سلطانًا على غيره، لكنه يفتح له باب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، مع تقديم الأسوة الحسنة.

 

خاتمة

إن الأديان التي انتحلت اسم الإسلام وأقامت دولًا على غير قيمه، كان شرّها مستطيرًا على الناس، وخصوصًا على المسلمين أنفسهم. ولن تعرف الأرض السلام إلا بزوال آخر أتباع تلك الأديان الباطلة.

 

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق