الثلاثاء، 5 أغسطس 2025

القتال دفاعًا عن الوطن: قراءة في ضوء دين الحق

 القتال دفاعًا عن الوطن: قراءة في ضوء دين الحق

القتال دفاعًا عن الوطن هو من أسمى صور الجهاد في سبيل الله، لما يمثّله الوطن للإنسان من معانٍ وجودية عميقة، تشمل الأهل، والأمن، والكرامة، والعِرض، والديار، والمال، والأصحاب.

وهذه القيم ليست مجرد مصالح دنيوية بل هي امتدادات لماهية الإنسان واحتياجاته الفطرية، فالاعتداء عليها هو من الظلم الذي يجب دفعه، والدفاع عنها دفاعٌ عن معاني الحياة الكريمة، وبهذا يكون في سبيل الله، قال تعالى:

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير} [الحج:39]

{.... قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلا مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين} [سورة البقرة: 246]

ورُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله:

"من قُتل دون ماله مظلومًا فهو شهيد، ومن قُتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون جاره فهو شهيد، ومن قُتل في جنب الله فهو شهيد".

"من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيدٌ".

وفي العصر الحديث، أصبحت الدولة هي الوحدة السياسية الجامعة، وتضم شعوبًا متعددة في الدين أو المذهب أو العرق أو اللغة. ويُؤكّد دين الحق، على ضرورة التعايش السلمي البناء المثمر داخل الوطن الواحد، ويُقدّم من القيم والسنن والآليات ما يسمح ببناء وطن عادل يحترم حقوق جميع أبنائه.

أما الدين الأعرابي الأموي العباسي الذي انتحل اسم الإسلام فقد أدّى إلى ترسيخ الظلم والجور والتناحر، واستُخدم لتبرير اضطهاد المخالفين في الدين والمذهب وانتهاك حقوقهم وازدراء كرامتهم.

وما سُمّي بـ"الفتوحات الإسلامية" لم يكن في كثير من حالاته إلا عدوانًا سافرًا تحت راية الدين، حيث سُلبت الأموال وسُبيت النساء واستعبد الغلمان، خلافًا لما يأمر به الله تعالى، الذي قال:

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [سورة البقرة: 190]

 

فالقتال المشروع لا يكون إلا دفاعيًا، في مقابل العدوان أو الإخراج من الديار أو الفتنة في الدين. أما نشر الدين فليس عن طريق القتال، بل عن طريق الدعوة السلمية، التي هي وحدها الوسيلة التي أمر الله بها رسوله، فقال:

{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [سورة البقرة: 256]

{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِين} [سورة يونس: 99]

{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ......} [الكهف:29]

ويؤكد القرءان أن مهمة الرسول كانت البلاغ والإنذار، لا السيطرة ولا الجبر:

{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر} [الغاشية:  22]

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَن يَخَافُ وَعِيد} [ق:45]

{وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل} [سورة الأنعام:  107]

{إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِير} [فاطر:23]

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ .....} [الشورى:48]

ومن هنا، فإن من يدعو إلى الإكراه أو يروّج للعنف بدعوى نشر الدين، فقد كفر ببعض الكتاب، وحاول أن يفرَّق بين الله ورسله، والله تعالى يقول:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [النساء:150]

{أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء:151]

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} [سورة البقرة: 85]

 

ومن يكفر ببعض الكتاب فقد كفر به كله، وحقّ عليه عذاب الخزي.

أما القول بنسخ الآيات السلمية وتبرير العدوان تحت راية الجهاد فهو تزوير للدين وردّة عن قيمه، لا يجوز نسبتها للرسالة النبوية. فالله غنيّ عن العالمين، ولا يحتاج إلى من يكرهون الناس على الإيمان به، إذ لو شاء لجعلهم مؤمنين جميعًا، ولكنه خلقهم أحرارًا، وأراد منهم الإيمان الحر الواعي.

ويؤكد القرءان على التمييز بين من يقاتلون المسلمين في الدين ويخرجونهم من ديارهم، وبين من يعيشون بسلام معهم:

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} الممتحنة

فالأصل هو السلم، والحرب لا تُشرع إلا للضرورة، وعند انتهائها يجب السعي للعودة إلى السلم فورًا، لأن السلم هو الحالة الطبيعية التي توافق فطرة الإنسان، ورسالة الدين.

وبهذا، فإن القتال دفاعًا عن الوطن، حين يتعرض أهله وأرضه ومقدساته ومقدراته للعدوان، هو في أرقى مراتب الجهاد، وأشرف من كل ما جرى من فتوحات توسعية غير مشروعة باسم الدين. وهو واجب إنساني وديني لا ينقضه إلا من كفر بمقاصد الوحي وبكليات الدين.

 

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق