الخميس، 14 أغسطس 2025

1. من كتابنا رقم 83، نظرات في السلفية 1، 2016

 الباب الأول

تعريف الدين السلفي

 

إن الانتقادات الوارد في ثنايا كتبنا ومقالاتنا لشتَّى المذاهب التي تفرق إليها الدين لا يعني أنها الباطل المحض، ذلك لأنه لابد في كل مذهب منها من قدر من الحق قد يكفي لزحزحة معتنقه عن النار وإدخاله الجنة إذا ما صلح عمله وحسن خلقه وصدق عزمه علي اتباع الحق واجتناب الباطل كلما تبين له الأمر، ورغم أنه لا يكاد يخلو مذهب من المذاهب التي حلت محلّ الإسلام من قدرٍ من الكفر والشرك إلا إنه لا يجوز تكفير معتنقي المذاهب، بل إنهم بالتأكيد من الكفر فروا، ولابد أن الخير هو في هذه الأمة، ولكن المقصد هو بيان خطورة التمذهب وخطورة المذاهب الشرسة العدوانية الإقصائية الاستئصالية وخطورة اندثار دين الحق والجهل به، ويجب ألا يرتاب أحد في أن الدافع إلى كل ذلك هو ولاء مطلق للإسلام وحب له ورغبة في ظهوره على الدين كله وفي أن تهتدي البشرية جمعاء بنوره وأن تسعد باتباع نهجه.

ومن المعلوم أن المذاهب الإجرامية الدموية الإقصائية هي التي تحظى بأكثر هجومنا على المذاهب، وذلك لأنها الأخطر على الإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء، ولا يجوز الانشغال عن الخطر الماثل الداهم بخطرٍ بعيدٍ متوهم، ولا يمكن أن تجتمع البشرية على دين واحد، ولا أن يجتمع المسمون بالمسلمين على دين الحق ولا على مذهب واحد، ولذلك فلا مفر من إقرار مبدأ التعايش السلمي بين كافة أتباع المذاهب والتصدي بقوة لأتباع المذاهب الدموية الإجرامية، والنظام العلماني الصارم هو النظام الوحيد الذي يمكن أن يرقى بالهمج المذهبيين من مستوى "أضل من الأنعام" إلى مستوى "الأنعام"، أما الرقي إلى المستوى الإنساني فهو حلم بعيد المنال.

والإنسان في العالم المحسوب على الإسلام بصفة عامة لا يرقى إلا بمقدار بعده عن المذاهب وتمسكه بجوهر الدين والمبادئ الإنسانية العامة وتكيفه مع الحضارة الحديثة، ومن الجدير بالذكر أن أكثر الناس في مصر مثلا لا يكادون يعرفون شيئا عن حقيقة المذاهب التي من المفترض أنهم يتبعونها، وذلك هو السبب في ازدياد الوعي والحس الحضاري لديهم.

والمقصود بالدين هنا الدين في مفهومه العام؛ أي هو مجموعة من المقولات والمفاهيم والتصورات والعقائد المتعلقة بعالم الغيب والإلهيات وبالغاية من الحياة والكون وسنن السلوك والعلاقات مع الآخرين، فكل دين هو مبني بالضرورة على مجموعة من العقائد هي مسلمات هذا الدين، والكافرون والمشركون لهم بذلك دينهم، فالكافر مثلا يدين بإنكار الإلهيات كليا أو جزئيا، ولكنه يستبدل بها مفاهيم وتصورات أخرى، ولابد أن لديه مفاهيم وتصورات متعلقة بنفس الأمور التي هي مجال الدين.

أما الدين عند الله فهو الدين الذي يتضمن المسلمات المذكورة في القرءان ولا يُحدِث أو يختلق مسلمات أخرى من عنده، وكل مذهب محسوب على الإسلام قد أحدث لنفسه عقائد لا أصل لها في القرءان وأعطاها مكانة هائلة في بنيانه، فهو بذلك على المستوى الحقيقي الجوهري دين آخر، فمن يدين بالسلفية مثلا لا يدين بما يدين به متبع دين الحق في صورته الغضة النقية، ذلك لأن فيه مجموعة من العقائد المحدثة التي لا أصل لها في دين الحق يعطيها وزنا كبيرا، أو يخصها بالوزن الأكبر، ومع ذلك يبقى هذا الدين مذهبا إسلاميا بقدر الأمور التي يتفق فيها مع دين الحق، ويبقى من المذاهب المحسوبة على الإسلام، أما من الناحية الشكلية الرسمية فهو مذهب إسلامي، فلا يجوز من هذه الناحية الحكم على أتباعه بأنهم خارجون على الأمة.

*****

أمور لازمة للحكم على أي مذهب

يجب عند بحث أمر أي مذهب محسوب على الإسلام النظر فيما يلي:

1.   مدى اتساق المذهب مع الرسالة الحقيقية والأساسية للإسلام، وهي القرءان الكريم.

2.   المصادر الحقيقية للمذهب، والوزن الحقيقي الذي يعطونه لكل مصدر.

3.   عقيدته الحقيقية في الإلهيات؛ أي ما لديه من مفهوم عن الإله.

4.   عقائده ومسلماته الحقيقية التي يعطيها الوزن الأكبر.

5.   حقيقة مقولاته وليس ما يقوله سدنته ومتبعوه عنه.

6.   مدى الاتساق في عقائده ومقولاته.

7.   تاريخه الحقيقي وعلاقات متبعيه بالآخرين.

8.   حقيقة منتجاته، بمعنى أنه يجب النظر في المستوى الحقيقي للأفراد والشعوب التي تعتنقه، فمدى نجاح كل مذهب هو الحالة الحقيقية لمتبعيه.

والعبرة إنما هي بالعقائد الراسخة في الدين أو المذهب، وليس فقط بما يضمنونه كتبهم أو ما يتشدقون به أو ما يتمشدقون به أو ما يتفيقهون به.

 

من العقائد الراسخة في الدين السلفي

من العقائد الراسخة في الدين السلفي:

1.        أتباع الدين السلفي هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة والشعب المختار، فمن خالفهم من المسلمين الآخرين هو أكفر من الكفر ويجب محوهم من الوجود، أما أهل الكتاب فيمكن الإبقاء عليهم على أن يعطوا الجزية وأن يعيشوا أذلة صاغرين مهانين

2.        عقيدتهم فيمن يسمونهم بالصحابة وخاصة معاوية وحزبه ومن ناصره ومهَّد له، فالصحابة عندهم هم الرب الحقيقي الأعلى، الإيمان بهم لا يضر معه معصية، والكفر بهم لا تنفع معه طاعة، من ينتقد شيئا من أفعال بعضهم أو يذكر شيئا من أفعالهم ولو كان ثابتا بالقرءان الكريم هو عندهم أكفر من الكفر ولو كان صديقا وليا، ومن آمن بهم وشغل نفسه بالتسبيح بحمدهم والتقديس لهم يصبح سلفيا نقيا ومن الفرقة الناجية المنصورة ولو كان فاجرا شقيا.

3.        لا قيمة لأركان الإيمان مقارنة بالعقيدة في الصحابة.

4.        الرسول نفسه لا أهمية له إلا لنسبة الصحابة إليه، ثم يتمّ الاستغناء عنه والتشبث بما يؤذيه وينال منه مما ورد في كتب المرويات، وتكفير كل من ينتقد هذه المرويات.

5.        (السنة) وهي عندهم أساسا المرويات الآحادية حاكمة على كتاب الله وقاضية عليه وناسخة له عند التعارض، وهي المصدر الحقيقي الأعلى للدين.

6.        وظيفة القرءان أن يحيلهم إلى كتب المرويات، وهم لا يأخذون من القرءان إلا ما يتوافق معها.   

7.        كبائر الإثم وسفك الدماء والإفساد في الأرض تصبح اجتهادات مأجورة إذا اقترفها من يقولون إنه صحابي.

8.        القول المنسوب إلى الرسول عن طريق (صحابي) هو نص ديني ملزم له التقدم على آيات القرءان الكريم.

9.        يجب الغطرشة على الموبقات والجرائم التي قد يكون قد اقترفها بعض من يقولون إنه صحابي.

10.    يجب عدم العمل بالأمر القرءاني بالنظر في عواقب من خلوا للحفاظ على صورة وكرامة (الصحابة).

11.    النجاح في قهر الناس والتوسع العسكري هو مقياس النجاح وصحة الدين أو المذهب.

12.    "النقل قبل العقل"، فهم يدينون بالعداء المرير للملكات الإنسانية القلبية وخاصة الذهنية منها والمعروف جماعها بالعقل، وهم لا يبالون بالملكات القلبية، الوجدانية، وربما يزدرونها، وكل ذلك يتمثل في أوامر جهلوتية ملزمة.

13.    تأليه السلف وما يُنسب إليهم، فالسلف وما يُنسب إليهم هو الحق المطلق، أما ما لم يرد له ذكر فيما هو منسوب إليهم فهو الباطل المطلق أو محض العدم

14.    الخضوع المطلق للمتسلط على الأمر مهما طغا أو بغى أو فجر طالما لم يعطل أداء الصلاة.

فمن عقائدهم الكبرى وجوب تجاهل الأوامر القرءانية المؤكدة تأكيدا شديدا والتي توجب على المسلم استعمال ملكاته الذهنية في آيات الله الكتابية والكونية، وإلزام الناس بدلا من ذلك بالإيمان بما يسمونه بفهم (الصحابة) أو السلف دون أن يقدموا أي آية تأمرهم بذلك، وهم بذلك لا يتخذون (الصحابة) أربابا مشرعين في الدين فحسب وإنما يوثنون أيضًا ما هو منسوب إليهم بالحق أو بالباطل!

إن حقيقة الدين السلفي باختصار شديد هي تأليه السلف وما يُنسب إليهم، فالسلف وما يُنسب إليهم هو الحق المطلق، أما ما لم يرد له ذكر فيما هو منسوب إليهم فهو الباطل المطلق أو محض العدم.

والدين السلفي هو الصورة الحديثة والمتدهورة للدين الأثري الذي يمثل الاتجاه الأعرابي القرشي، وقد بدأت صياغته عمليا في العصر الأموي واكتمل بنيانه وصياغته النظرية في العصر العباسي، وهو الدين الذي صيغ أساسا لشرعنة تسلط أهل البغي والمنقلبين على الأعقاب وجعل أفعالهم جزءا من الدين أو للتعايش معهم بأقل قدر من الخسائر.

فالدين السلفي تكون من تيارين رئيسين، تيار يخدم المتسلطين ليفوز بقطعة من دنياهم، وتيار آثر التعايش معهم بأقل قدر ممكن من الخسائر، وضمَّن تعاليمه ما يلزم لذلك، ومن ذلك أنه جعل بعض أحكام الاضطرار أحكاما دائمة ملزمة.

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق