الخميس، 7 أغسطس 2025

نقاط الالتقاء بين دين الحق والعلمانية العقلانية

 نقاط الالتقاء بين دين الحق والعلمانية العقلانية

 

رغم ما يبدو ظاهريًا من اختلافات جوهرية بين الدين والعلمانية، فإن الإسلام الخالص – دين الحق – يحتوي على مبادئ كثيرة تلتقي مع الجوانب الإيجابية والعقلانية في المنظومة العلمانية، لا سيما عندما تكون هذه العلمانية منضبطة بعدم التعدي على خصوصيات الدين، وتقوم على العقلانية ورفض التسلط الكهنوتي، والاحتكام إلى العقل والتجربة.

 

التمييز بين الدين والدولة والأمة

من أسس الإسلام الراسخة:

  • أن الإسلام هو دين، وليس نظام حكم سلطوي باسم الدين.
  • أن وظيفته الأساسية إعداد الإنسان الرباني الصالح والأمة الخيرة التي تقيم الحق وتنشر العدل وتتعايش تعايشا سلميا بناءً مثمرًا مع الآخرين
  • أنه يميّز بين مفهوم الدين، ومفهوم الأمة، ومفهوم الدولة، على عكس ما تفترضه بعض الأنظمة التي تدمج هذه المفاهيم دمجًا ينتج الاستبداد.

 العلمانية الحديثة تلتقي مع الإسلام هنا، إذ تفصل بين الدين كمصدر للمعنى والأخلاق، والدولة كأداة تنظيمية ومؤسسية، ما يفتح بابًا لفهم أوسع للدين بعيدًا عن التوظيف السياسي.

 

الإسلام دين تعايش سلمي وتفاعل حضاري

  • الإسلام يُقرّ التعددية الدينية ويُجيز التعايش مع الآخر المختلف في العقيدة على قاعدة العدل والبر. والإقساط

وهذا ينسجم مع المبدأ العلماني الذي يفصل الدين عن الإكراه، ويضمن حرية الاعتقاد وحرية الضمير كحق إنساني أصيل.

 

 لا كهنوت في الإسلام

  • الإسلام لا يعترف بوجود طبقة كهنوتية تمتلك سلطة روحية أو سياسية نيابة عن الله.
  • العلماء في الإسلام ليسوا سلطة تُشرّع، بل مرشدون، يبلّغون ويجتهدون.
  • لا أحد – مهما بلغ – يستطيع أن يزعم إدخال الناس الجنة أو حرمانهم منها، فذلك حق لله وحده، ومدار النجاة هو العقيدة الخالصة والعمل الصالح.

 العلمانية ترفض "الكهنوتية" وادعاء امتلاك "الحقيقة المطلقة" من قبل طبقة رجال دين، وهو أمر يتفق مع ما جاء في الإسلام الخالص الذي لا يمنح أي شخص حق التدخل في المصائر الأخروية للبشر.

 

السيادة للقانون وليس للأشخاص

  • في الإسلام، السيادة لله، وهذا يعني أن المرجعية هي للشرع الإلهي، المتمثل في القيم العليا: العدل، الرحمة، الشورى، الحرية، الكرامة الإنسانية.
  • لا أحد معصوم من الخطأ بعد النبي ﷺ، فلا يوجد بشر فوق النقد أو المحاسبة.
  • الحُكم مردود إلى الله والرسول عند الاختلاف، أو إلى اجتهاد أهل الحل والعقد من ذوي العلم والرأي.
  • لا أسر حاكمة مقدسة ولا أفراد يمثلون "الله على الأرض".

 هذا يتوافق مع الأساس العلماني الحديث الذي يجعل السيادة للقانون الذي يشارك في وضعه الشعب، وترفض منح القداسة أو الحصانة لأي فرد أو جهة باسم الدين.

 

 لا رهبانية ولا انقطاع عن الحياة

  • الإسلام رفض الرهبانية التي تُعطل مصالح الحياة.
  • العمل والإنتاج والسعي في الأرض من أركان التدين الحق.
  • العبادة في الإسلام لا تعني الانعزال، بل تشمل إعمار الأرض، وخدمة الإنسان، وإقامة العدل.

 العلمانية العقلانية ترفض الانغلاق الديني والانقطاع عن العالم، وهو ما يتفق مع روح الإسلام النشطة العاملة في الحياة.

 

 الإسلام يُلزم الناس باستخدام العقل

  • الإسلام يأمر بالنظر والتفكر والتعقل:
    "
    أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟"، "لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ"، "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ".
  • استعمال العقل في فهم النصوص والكون والسنن فريضة دينية.
  • ليس في عقائد الإسلام خرافة أو وهم أو استغفال للعقل.
  • ويُدين التقليد الأعمى واتباع الأسلاف بلا وعي:

 وهذا يتلاقى مع العقلانية العلمانية التي تعتبر العقل مرجعًا أوليًا في التعامل مع الواقع.

 

الإسلام يقدّس العلم ويجعله مناط التفاضل

  • الإسلام رفع مكانة العلم، وقرر أنه سبب في رفعة الإنسان في الدنيا والآخرة:
    {.... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [المجادلة:11]
  • دعوة الإسلام للنظر في الطبيعة والتاريخ والمجتمع لفهم السنن والعلل، لاختبار ما هو نافع وترك ما هو ضار.
  • العلم في الإسلام ليس حكرًا، بل واجب جماعي ومسؤولية حضارية.

 والعلمانية، في بعدها الإيجابي، تُشجع على التراكم المعرفي، والمنهج العلمي، ومقاومة الجهل والخرافة، وهي قيم يتبناها الإسلام من منطلق ديني.

 

 الإسلام دين تجديد وتطوير وتجاوز للجمود

  • الإسلام دين تقدمي وتفاعلي، يرفض الجمود والتقليد الأعمى.
  • يقرر بعثة مجددين على رأس كل قرن:
    "
    إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (حديث حسن).
  • يرفض إحياء الباطل تحت مسمى "السلف"، وينهى عن اتباع الهوى والظنون.
  • يُشجع على النظر النقدي والبحث والاستدلال، وليس الحفظ والتكرار فقط.

 التقدمية العلمانية تؤمن بإمكانية تحسين الواقع وتجاوز الماضي نحو مستقبل أفضل، وهذا يوافق المشروع الإسلامي الحضاري المبني على الاجتهاد.

 

رفض التسلط باسم الدين

  • من أبرز سمات العلمانية رفض تسلط "رجال الدين" على مفاصل الدولة والمجتمع.
  • الإسلام يرفض تمامًا استبداد المؤسسات الدينية أو احتكارها للحق أو السلطة.
  • الأمر في الإسلام شورى بين الناس، لا هيمنة لجهة دون محاسبة.
  • وظيفة المؤسسات الدينية هي البلاغ والتعليم والإرشاد، لا الفرض والتسلط.

 هذا المفهوم في الإسلام يتناغم مع جوهر العلمانية التي نشأت تاريخيًا كرد فعل على تسلط الكهنوت الكنسي في أوروبا.

 

الخلاصة

إن الإسلام الحقاني، وليس الأديان التي تنتحل اسمه، يلتقي مع العلمانية العقلانية في كثير من النقاط، منها:

  • تقديس العقل والعلم.
  • رفض التسلط باسم الدين.
  • التعايش مع المختلف.
  • الفصل بين السلطة الدينية والحكم.
  • تشجيع التفكير والتجديد.
  • مقاومة الخرافة والجمود.
  • اعتماد القوانين بالتشاور لا الوصاية.
  • احترام حرية المعتقد وعدم الإكراه.

 إن النظام العلماني هو النظام الذي يمكن أن تتواجد فيه أمة مؤمنة بدين الحق وأن تتعايش فيه مع الآخرين، وأن تمارس فيه أسمى القيم ومكارم الأخلاق.

أما النظم التي يسود فيها دين من الأديان التي حلت محل الإسلام وانتحلت اسمه فهي جهنم الكوكب الأرضي.


*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق