يجب على كل مسلم ألا يتبع إلا دين الحق الماثل في القرءان الكريم وما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول؛ دين الحق الذي مصدره الأوحد في الأمور الكبرى هو كتاب الله، وهو مصدره الأعلى في الأمور الثانوية، والميزان في القرءان، ويجب أن يبرأ إلى الله سبحانه من كافة المذاهب التي حلت محله بكافة تفريعاتها وأنواعها ومسمياتها، ويجب أن يطلب من كل من وصلته هذه الشهادة أن يؤديها من تلقاء نفسه عنه أمام الله تعالى، والشهادة متضمنة في نصوص قرءانية:
إِنِّي
أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ،
وأَنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
أما
من حاجه في ذلك وخوَّفه من فعله فليقل له:
أَتُحَاجُّونِّي
فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا
تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ
أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ
آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ
وَهُمْ مُهْتَدُونَ.
وليذكره
بقول الله تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ
كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيم} [الشورى:21]
{إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}
[الأنعام:159]
*******
يجب
على المسلم أن يتبع دين الحق وحده، وأن تكون أسوته هي في الرسول، فهو الأسوة
الكاملة التامة، ومن بعده في الإمام عليٍّ فقط! فهو من بعد الرسول الشخصية الدينية
الوحيدة، أما مَنْ هم دون ذلك من الناس فهم شخصيات تاريخية، لهم ما لهم وعليهم ما
عليهم! ويجب ألا تكون للمسلم أي علاقة بأي مذهب من المذاهب التي حلت محل دين الحق،
وكلها أيضا لها ما لها وعليها ما عليها!
وفي دين
الحق المصدر الأوحد لكل الأمور الدينية الكبرى هو القرءان الكريم، وهو أيضا المصدر
الأعلى لكل الأمور الثانوية! وكل عنصر من عناصره أو منظومة من منظوماته مبرهن
عليها بآيات القرءان الكريم وبالمنطق القرءاني القويم وليس بأقوال سلف أو خلف.
*******
دين الحق يهدف إلى بناء الأمة المؤمنة الواحدة،
و"الأمة" تختلف عن "المجتمع" في أن لها بنية Structure؛ أي توجد
شبكة من الصلات بين أفرادها ومكوناتها، هذه الصلات تجد دائمًا ما يصونها وما
يجددها وما يزكيها.
وهذه الأمة يمكن الآن أن توجد داخل أي كيان، فمن أول
الأركان الملزمة للمؤمنين في أي كيان أن يكونوا أمة واحدة، ويمكن أن يتجسد ذلك
الآن في وجود منظمات مجتمع مدني يمكن من خلالها أن يساعد الغنيُ الفقيرَ والقويُ
الضعيفَ والمتعلمُ الجاهلَ، هذه الأمة تتولى الدفاع عن مصالح أفرادها المؤمنين
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
وهذه الأمة تقوم بما هو منوط بها من مهام، وعلى رأسها
أركان الدين الملزمة للأمة بقدر الوسع، وليس من مهام الأمة أن تصطدم بالكيان
الأكبر الذي يحتويها، فهي ليست مكلفة إلا بما هو في وسعها، والأمر أشبه بالمثال
التالي:
إيتاء الزكاة هو ركن ملزم لكل مسلم لديه النصاب الذي
يحدده أولو الأمر، أما من ليس لديه هذا النصاب فهو غير مطالب بإيتاء الزكاة، كما
أنه ليس مطالبا بأن يعمل بالذات لكي يكون لديه من المال ما يجعله ملزما بأداء
الزكاة، فهو غير مطالب في وقتٍ ما إلا بما هو في وسعه في ذلك الوقت.
وكذلك الأمر بالنسبة للأمة، فالأمة غير مطالبة إلا بما
هو في وسعها في زمنها ومكانها، فأمة المسلمين في أمريكا مثلا ليست مطالبة بمقاتلة
الدولة التي تعيش في كنفها لكي تلزمها بأن تجلد من يقترفون الزنى، ولكن لها أن
تجاهد جهادًا سلميا لإقناع الناس بأن اقتراف الزنى هو بالفعل آفة خطيرة، تهدد كيان
الأسرة والمجتمع.
فلها أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تدعو إلى
الخير دون أن تصطدم صداما دمويا بكيان الدولة التي تحيا فيها، ويجب أولا أن تلتزم
هذه الأمة فيما بينها بالإسلام الذي يلزمها بأن تكون أمة واحدة؛ أي جسدًا واحدا،
كما يجب أن يقوم كل فردٍ فيها بكل أركان الدين الملزمة له كفردٍ مسلم، ويجب أن
يسعى لتحقيق المقصد الديني الأعظم الخاص به كفرد، وبذلك يقدم بنفسه المثل للناس،
ويكون لهم بشخصيته وسلوكه ونجاحه خير داعٍ إلى الإسلام.
وليس من مقاصد الإسلام إلزام الناس بإنشاء كيان سياسي
تحت أي مسمَّى من المسميات، ومن التدليس والنفاق تلقيب الدكتاتور أو الإمبراطور أو
الملك أو الرئيس بالخليفة، فكلمة خليفة هي مصطلح قرءاني يحدد مهام الإنسان في هذه
الأرض، فكل إنسان لمجرد كونه إنسانًا هو خليفة في الأرض وحامل للأمانة.
وكذلك يخدع نفسه ويضلل غيره من تصور أن استعمال أسماء
ذات مدلول ديني يغير من حقيقة الأمر شيئا، تستطيع أن تسمي شيطانا خليفة، ولكنك
بذلك لن تجعله خليفة، وإنما أنت الذي ستعاقب على كذبك وستعذب بقدر من ضلوا بسببك.
وهناك بالطبع خلافة خاصة في الأرض عن أمر الله تعالى،
وممن تولاها داود ثم سليمان عليهما السلام، قال تعالى:
{يا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ
بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ
الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا
يَوْمَ الْحِسَاب} [ص:26]
وكما
هو واضح، لم يعطه ذلك أي عصمة خاصة، وإنما تلقى بسببه تحذيرًا شديدًا، فالخليفة
ليس إلهًا مؤقتًا كما تزعم بعض الطوائف لأئمتهم.
وقد أُطلق هذا اللقب على أبي بكر بالقول بأنه خليفة
الرسول، مما سبب من بعد لبسًا، والحق هو أنه ليس للرسول خليفة بالمعنى الاصطلاحي،
وكان من الأفضل أن يبحثوا عن لقب آخر، وعندما تولى عمر بن الخطاب عدل عنه إلى لقب
أمير المؤمنين، ولقب أمير المؤمنين كان لقبًا يحمله قادة السرايا في العهد النبوي،
وهو يعني من له حق الطاعة في الأمر على أي مجموعة من المؤمنين، فليس له علاقة
بالمفهوم الغربي لكلمة Prince.
ومن العار أن يلصقوا بالإسلام سلاطين الأمويين
والعباسيين والعثمانيين بزعم أنهم خلفاء من بعد أن استقر في عرف الناس أن الخلافة
بالمعنى المحرَّف مصطلح ديني، فالمشكلة هي أنهم جهلوا المقصود من لقب خليفة، بل
جعلوا المتسلط الدنيوي خليفة عن الله تعالى نفسه، وكان أول من سجل ذلك من الشعراء
الأخطل النصراني عندا قال مادحا عبد الملك بن مروان:
إلى امرئٍ لا تعدّينا نوافلهُ***أظفرهُ اللهُ، فليهنا
لهُ الظفرُ
ألخائضِ الغَمْرَ، والمَيْمونِ طائِرُهُ***خَليفَة ِ
اللَّهِ يُسْتَسْقى بهِ المطَرُ
أما جماعات الإجرام السياسي فتؤمن بإله آخر غير الإله
الذي له الأسماء الحسنى والذي أنزل القرءان، وهي تعتنق دينا آخر يقلب الأمور رأسًا
على عقب، ويجعل السلطة السياسية هي محور الوجود والإله المعبود، ويجعلون مقصده
الأعظم هو استيلاؤهم هم عليها، وبذلك سيظلون حربًا على الإسلام والمسلمين قبل أن
يكونوا حربا على غيرهم وسيتحالفون مع إبليس ضد الإسلام والمسلمين الآخرين، أولئك
مجرد نعال حقيرة في أقدام الشياطين.
وهم يظنون أنه بمجرد استيلائهم هم على السلطة ستنصلح
الأمور من تلقاء ذاتها، وسيمكنهم الانتقام من كل القوى الشيطانية التي ساعدتهم
للاستيلاء على السلطة، والحق أن من تحالف مع الشيطان ضد الناس ظانًّا أن سيصلح
الأمور من بعد عندما (يتمكن) لن يكون إلا ألعوبة بيد الشيطان.
إنه
يجب على المسلم أن يتبع دين الحق وحده وأن يتبرأ من كل المذاهب التي حلت محله،
وألا يتهاون في بيان ذلك، وأن تكون حياته وفق دين الحق وله، وعليه ألا يعبأ بما
يقذفه به أتباع المذاهب الشركية الضالة من اتهامات.
ومن
القيم الراسخة في دين الحق حرية الإيمان، فلكل إنسان الحرية في أن يختار عقيدته
ومذهبه كيف يشاء، ولكنه لا يجوز أن يقصِّر في التصدي للمذاهب العدوانية الإقصائية
الشرسة التي تشكل خطورة شديدة على الإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء، فذلك هو نوع
من الجهاد الملزم بقدر الوسع، وعليه أن يتجنب الدخول بقدر الإمكان في أي جدل
مذهبي، وعليه أن يعتصم بدين الحق الذي يتسم بأن كل عنصر من عناصره منصوص عليه في
القرءان الكريم أو يمكن استخلاصه منه وفق منهج قرءاني منطقي صارم.
ولا
يجوز القبول بأن يجعل بعض الأشخاص أو أتباع أحد المذاهب الضالة من أنفسهم محاكم
تفتيش يسألون الناس عن عقائدهم ويفتشون في ضمائرهم، وكان من الأولى بهم أن يداروا
عارهم أو أن يخجلوا من أنفسهم ومن جهلهم وانحطاطهم وتخلفهم، ولا شك أنه بالتطور
البشري والرقي الحضاري وانقشاع ظلمات الجهل ستختفي لا محالة هذه النفايات البهيمية،
أما البلد الذي سيسمح باستنباتها فسيتسببون في تدميره تدميرا!
*******
إن استخلاص عناصر ومنظومات دين الحق لا يستلزم النظر
فيما هو موجود من مذاهب ولا في مسيرة هذه الأمة التاريخية ولا النظر في
شيءٍ من التراث،
فلا يلزم شيء من ذلك أبدا، فكل عنصر من عناصر هذا الدين يمكن استخلاصه من القرءان
الكريم ومكانه الصحيح فيه ووزنه ثابت بالقرءان الكريم.
فعندما نقول مثلا إن الأسماء: "رب
العالمين"، "السميع العليم"، "التواب الرحيم" من الأسماء
الحسنى يمكننا إثبات ذلك وفق منطق قرءاني صارم، وعندما نقول: "إن ذكر الله
مقدم على إقامة الصلاة وعلى صيام رمضان والحج" أو نقول "إن التقوى أهم
من صيام رمضان" فيمكننا كذلك إثبات ذلك وفق منطق قرءاني صارم يعلو فوق الأمور
التاريخية والمذهبية، وكذلك الأمر عندما نقول "إن أداء الأمانات إلى أهلها
والحكم بالعدل والقيام بالقسط أهم بكثير من موضوع الملابس وغض البصر".
دين الحق علمٌ مثله مثل الفيزياء مثلا،
له مسلماته وبديهياته وبيناته ومنهجه ونظرياته وأسسه ونتائجه، ويمكن العلم به بدون
ذكر تاريخ أو أسماء أشخاص من سلف أو خلف مثلما يمكن دراسة الفيزياء بدون علم
بتاريخها.
فمن حيث دين الحق لا ضرورة للتعرض للأمور
التاريخية المذهبية، ولا جدوى من ذلك أيضًا إلا من حيث دين الحق، ومن الممكن
بالطبع تبيين كيف بدأ الانحراف وكيف توارى دين الحق خلف هذه المذاهب المتناحرة،
ولكن لا يمكن ذلك دون التعرض لما ألفى الناس عليه آباءهم من المذاهب، وعندها
سيوَلّي أكثرهم عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا، فلن يطلب الحق للحق إلا قلة قليلة
من الناس، ولابد من التدافع بين الحق وبين الباطل!
*******
مفهوم الإسلام وحرية الدين ومعنى النهي عن التفريق
بين الرسل
تبدأ
سورة "الكافرون" بالآية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} [الكافرون:1]،
وتنتهي بالآية: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين} [الكافرون:6].
وهذا
يبين أنه حتى الكافرين لهم دينهم، والآية 6 تقرر حرية الدين كحق من حقوقهم، وتؤكد
هذه الحرية آيات أخرى منها: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}
[البقرة:256]، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي
الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ
مُؤْمِنِين} [يونس:99].
ولكن
ليس معنى ذلك أن دينهم صحيح، بل هو باطل لكونهم كافرين، فإقرار حرية الدين لا تعني
أن كل الأديان صحيحة، ولا أن الفلاح هو بمجرد اتباع أي واحدٍ منها، هناك دين واحد
هو دين الحق الظاهر على ما عداه من الأديان بأنه الحق، ومن يبتغ غيره هو خاسر إلا
إذا كان لم يبلغه البلاغ المبين، قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون} [التوبة:33]
{وَمَن يَبْتَغِ
غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِين} [آل عمران:85]
{قُلْ
أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقرءان
لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ
آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي
بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون} [الأنعام:19]
*******
من
يرتد عن دين الإسلام المعلوم للناس من هو رسوله وما هي رسالته فهو لا محالة من أهل
النار، تلك حقيقة قرءانية راسخة، والمسلم ملزم بالدعوة إلى الإسلام، وفق إمكاناته
ووسعه، ولكن لا توجد عقوبة دنيوية على الردة، فلا يحق لأحد قتل المرتد، ولا إنزال
أي عقوبة به، فلاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، ولكن يمكن دعوته إلى التوبة بالحكمة
والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
والقانون
الإلهي {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هو قانون عامّ شامل، بمعنى أنه يشمل كل عناصر
الدين، فلا توجد أية عقوبات دنيوية على كبائر الإثم إلا ما يتعلق بحقوق البشر
الآخرين، ومن كبائر الإثم المهلكة على المستوى الجوهري، ولكن لا توجد عليها عقوبات
دنيوية:
الكفر
بأي عنصر من عناصر دين الحق، الشرك، النفاق، الردة، عقوق الوالدين، الربا،
الامتناع عن القيام بأركان دينية، .... الخ.
وكل
ما يمكن عمله هو دعوة من اقترف شيئا من ذلك إلى التوبة بالحكمة والموعظة الحسنة
والجدال بالتي هي أحسن.
وبالطبع
يمكن منع وتجريم أمور مثل الربا بقانون وضعي باعتباره يتضمن ظلمًا للآخرين.
ولكن
ليس من حق أحد أن يستدعي شخصًا آخر لاستجوابه بسبب امتناعه -مثلا- عن إقامة الصلاة
وكأنها (جريمة قانونية) مثلا بهدف إثبات التهمة عليه وقتله (حدًّا) كما يقول سدنة
الدين الأعرابي الأموي الإجرامي الدموي، ولا يجوز وجود سلطة لتفعل هذا أصلا،
فوجودها ضد قيم الإسلام وأسسه.
وبعض
المضلين يحاولون الترويج لمفهوم عن دين الإسلام يتسع لما يحلو لهم ويوافق أهواءهم من
سائر الأديان، هؤلاء بالطبع لا يمكن أن يكونوا مسلمين وفق مفهوم الإسلام الحقيقي،
وهم أحرار فيما اختاروه لأنفسهم، ولكن يجب الحذر منهم وكشف ضلالهم للناس ولأنفسهم.
ونحن
نرفض رفضًا باتًّا أي محاولة لتمييع أو اختزال الفروق الهائلة بين دين الحق وبين
غيره من الأديان بما فيها تلك الأديان التي حلَّت محله، هذه المحاولات لن تكون إلا
لحساب الشيطان، ولا حاجة لدين الحق بها، ولا يمكن مثلا أن يكون مفهوم الإله في دين
الحق هو نفسه مفهوم الثالوث أو مفهوم إله إسرائيل العنصري أو مفهوم إله الدين
السلفي.
وفي
كل الأحوال فمن أسس دين الحق حرية الدين والإيمان وتقديس حقوق الإنسان ووجوب
التعايش السلمي المثمر مع الآخرين.
أما
المضلون من المحسوبين ظلما على الإسلام الذين يدلسون على الناس ويضلونهم بضلالهم
فهم يخلطون بين المفاهيم، فليس معنى الإيمان بكل الرسل أن تقر بصحة الأديان الضالة
التي تتضمن شركا بالله وكفرا بما ذكره عن نفسه، وهؤلاء بالطبع لن يجرؤوا على
مطالبة أتباع الديان الأخرى بالإيمان بالقرءان وبخاتم النبيين، وإنما سيدعون
المسلمين -فقط- إلى الكفر بأهم أسس دينهم!
والإسلام
دين واحد، ولكنه كان ينمو ويتكامل بكل رسالة جديدة، والرسالة الخاتمة كانت هي
القرءان، وفيها أعلن الله تعالى أنه أكمل للناس الدين، ورضي لهم الإسلام دينا.
ومنذ
إعلان اكتمال الدين لم يعد من حق أحد أن يكفر بالرسالة الخاتمة، ولا يستوي عند
الله تعالى من آمن بالقرءان ومن كفر به، ولكن المضلين يخلطون بين حالتين:
1.
من آمنوا
بالرسول من قومه في عصره، ومن ظلوا متمسكين بالرسالات الأصلية، وهم مسلمون.
2.
من يزعم الآن
انتسابه إلى هؤلاء الرسل، ولكنه يكفر بالقرءان وبخاتم النبيين، وهو بذلك غير مسلم.
والنهي
عن التفريق بين الرسل يعني وجوب الإيمان بهم جميعًا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ
وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ
يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ
يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)} النساء
وهذا
يعني وجوب أن يؤمن أهل الكتاب بخاتم النبيين وبما أنزل الله معه كما يؤمنون
بأنبيائهم وبأسفارهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ
وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا
أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولا} [النساء:47]، {قَالَ
عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ
بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ
آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ
مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} الأعراف
ولكن
(القرءانيين) وأكثر (المجتهدين الجدد) يزعمون -باختصار- أن النهي عن التفريق بين
الرسل يعني أن يتطاولوا على خاتم النبيين وأن يهونوا من قدره العظيم وأن ينكروا
عليه فضله ومكانته، وأن أهل الكتاب مسلمون رغم أنهم لا يؤمنون به، ولا برسالته!!
أما
المصير في الدار الآخرة فهو وفق ما ذكره الله تعالى في كتابه:
1.
الذين آمنوا بِاللّهِ
وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر وفق المفاهيم القرءانية وعملوا
الصالحات هم مبشرون بالجنة.
2.
الذين كفروا بما
سبق رغم البلاغ المبين، وأتبعوا كفرهم بأعمال مصدقة له هم في النار.
3.
من لم يتحقق
بالنسبة لهم شرط البلاغ المبين، كما هو الحال الآن، فأمرهم مفوَّض إلى ربهم.
وشرط
البلاغ المبين غير متحقق الآن لأن الموجود والسائد هو الأديان التي حلَّت محل
الإسلام والتي تزعم لنفسها اسمه، وكذلك أتباعها، وأكثرهم جهلة همج متخلفون، وهم
مجرد أدوات بيد الشيطان لصدّ الناس عن سبيل الرحمن، أما الحالة الحسنة لبعضهم
فليست إلا بسبب بعدهم عن هذه الأديان، وهي تتناسب مع مقدار هذا البعد.
ويجب
الإيمان بأن الله هو الحق المبين، وأنه يحكم بالحق، وأنه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ، ولاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُون.
وقد
تشيع أقوال حتى تصبح عند الناس من المسلمات لمجرد انتشارها وشيوعها، ومن ذلك قولهم
"رسالات الأنبياء واحدة"، والحق أنه توجد أمور مشتركة بين الرسالات،
ولكن هناك اختلافات أيضًا، وذلك لما يلي:
1.
كانت الرسائل
قديمًا محلية لصعوبة الاتصالات بين الشعوب.
2.
تسبب ذلك في
تركيز كل رسالة على الأمور الخاصة بقوم كل رسول، بالإضافة إلى الأمور الثابتة
والمشتركة بالطبع.
3.
كانت الرسائل
تنمو وتتطور مواكبة لتطور الإنسان، وحافزا عليه، هذا التطور يمكن أن يراه بكل وضوح
من يقرأ التوراة ثم أسفار الأنبياء ثم الإنجيل ثم القرءان.
4.
كانت الرسائل
تتطور في اتجاه الشمول والعالمية، وقد بلغ هذا الأمر ذروته وكماله في القرءان.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق