المقدمة
يقدم هذا الكتاب
خلاصة بحوثنا المتعلقة بالتقويم العربي وما يترتب عليه من الأمور مثل الأشهر الحرم
وبدايات شهر رمضان وتوقيتات الحج، وسيتم تقديم وتبيين وتفصيل أهم النتائج التي
تمَّ بفضل الله تعالى التوصل إليها.
ويختلف هذا
الكتاب عن كتبنا السابقة في أنه سيبدأ مباشرة بتقديم منهجنا وطريقتنا للتقويم في
الباب الأول، بحيث يمكن الاكتفاء به لمن لديه علم مسبق بالمسألة، ثم تقدم الأبواب
التالية المزيد من المعلومات والتفاصيل.
وقد حدثت في هذه
الطبعة إضافات عديدة وهامة، سيتم الإشارة إليها.
وموضوع التقويم هو بالأصالة موضوع علمي
تاريخي منطقي بالإضافة إلى كونه موضوعا دينيا، فالتقويم العربي كان مستعملا قبل
ظهور الإسلام، وشهر رمضان مثلا كان موجودا قبل أن يُكتب عليهم صيامه، وأشهر الحج
كنَّ معلومات، والأشهر الحرم كنَّ موجودات ومعلومات، ولم يغير القرءان شيئا من
وضعيتهن، وقد ذكر أن القتال في الشهر الحرام كبير، ونهي عن ظلم الأنفس فيهن.
فالتقويم
العربي كان يستعمله العرب على اختلاف عقائدهم، ولم يغير فيه الإسلام شيئا، وإنما
حددوا سنة الهجرة، كما قيل، ليبدأ التأريخ بها في عهد عمر بن الخطاب، فما استجد
عليه هو التأريخ، وكان ذلك منهم محض عملٍ يشري، لا شأن له بالدين.
لكل
ذلك لا يجوز لأحد أن ينظر إليه من حيث دينه أو مذهبه، والآثار تشير إلى أنه كان
موازيًا بطريقةٍ ما للتقويم العبري، وأن المواسم كانت متناظرة، حيث كان اليهود
يعيشون في المدينة وغيرها، والتقويم العبري القديم هو شمسي قمري كما هو معلوم، وقد
وردت آثار تشير إلى أن العرب تعلموا من العبرانيين الكبس للحفاظ على ارتباط الأشهر
بالفصول المناخية التي تعبر عنها أسماؤها.
والحق
أن المقصد الأساسي من أي تقويم هو معرفة مواقيت الفصول المناخية حتى يستطيع
الإنسان تنظيم أنشطته وممارسة ما يلزم لحياته وبقائه.
إن التقويم The
calendar
هو حاجة إنسانية ظاهرة وملحة، وكان بالنسبة للأقدمين أمرًا هامًا ومصيريا، فما من
حضارة نشأت إلا وكان لها تقويمها، وكان من أقدس أمورها، ويتولى أمره الملوك
والكهنة.
فوجود تقويم مرتبط بالفصول المناخية وما
يترتب عليها من أنشطة بشرية مثل الزراعة والرعي والصيد والتجارة لدى أي شعب من
الشعوب هو من الحقائق التاريخية والإنسانية الثابتة الراسخة، ولم يكن العرب بدعًا
من الشعوب، خاصة وأنهم كانوا محاطين بأقدم الحضارات البشرية في بلاد ما بين
النهرين والشام ومصر واليمن والفرس والروم، وكانوا يشتغلون بالتجارة بين هذه البلدان،
ورحلتا الشتاء والصيف معلومتان وثابتتان بالقرءان، ومجرد تسميتهما هكذا يعني وجود
تقويم مرتبط بالفصول المناخية.
وكذلك كان يتعايش معهم العبرانيون،
ولديهم أيضًا تقويمهم المرتبط بالفصول المناخية مثل الشعوب المذكورة، وتوجد آثار
تشير إلى توازي التقويمين.
فإجماع البشرية على وجوب أن تكون السنة
في التقويم مرتبطة بالفصول المناخية التي هي مرتبطة بدورها بدوران الأرض حول الشمس
هو أقوى من إجماعهم على أي أمرٍ متعلق بالأديان، بل من إجماعهم على أي دين من
الأديان، وبالأحرى فهو أقوى من إجماعهم على أي دين من الأديان التي حلت محل
الإسلام.
والعرب أضافوا إلى ذلك بأنهم لم يسموا أي
شهر من شهور تقويمهم باسم (إله) أو (رب) كانوا يعبدونه، وإنما سموا شهورهم بأسماء
تعبر عن الفصول المناخية أو عن أنشطة متعلقة بالفصول المناخية، ولا يمكن أن يكون
ذلك قد حدث اعتباطًا، وهذه حجة دامغة أخرى.
والطيور والأسماك والدواب والحشرات فُطرت
على إدراك الفصول المناخية وتنظيم أمور حياتها وفقًا لها، والإنسان مفطور على
البحث عما يتسق مع ما تهتدي إليه هذه الكائنات بفطرتها، فالتقويم الصحيح من
مقتضيات الفطرة، ودين الحق هو دين الفطرة، أما الأديان التي حلَّت محله فهي قائمة
على معاداة ومعاندة الفطرة.
ولقد اعتمد الله
تعالى نفع الناس كمقصد ودليل على استحقاق البقاء، ولا يوجد أي نفع للاتقويم
المستعمل الآن، لذلك يُضطر الناس دائمًا إلى استعمال غيره معه، وهذا أمر ثابت لا
سبيل إلى أي جدال أو مماراة فيه.
ولم يرد أي أثر
يشير إلى أن هذا التقويم العربي كان خاصًّا بالمسلمين من دون العرب والأعراب، بل
كان هو التقويم المستعمل في العصر الجاهلي، كما لم يرد أي أثر ديني يشير إلى قصره
على الأغراض التعبدية.
مما هو معلومٌ
الآن بالضرورة أن التقويم الهجري المستعمل الآن لا نفع له، ولا جدوى منه، ولا يرقى
إلى مستوى أن يكون تقويمًا حقيقيا، ولذلك لا يكاد يُستعمل الآن، وقد اقتحم عليه
التقويم الگريگوري
معاقله، وهو لا يُستعمل الآن إلا لتحديد بدايات خاطئة لشهر الصيام، وشهر ذي الحجة،
ويوم بداية السنة، فالتقويم المستعمل الآن لا يصلح إلا لتضليل الناس عن
توقيتات الصيام والحج، وعن الأشهر الحرم.
فهذا التقويم،
أو بالأحرى اللاتقويم، كما سيُسمَّى في هذا البحث لا يستحق الانشغال بأمره، ولا
إضاعة أي وقت أو تبديد أي مجهود لتفنيده، وهو بالطبع لا يمكن إصلاحه.
فلا جدوى من
محاولة إصلاح التقويم الهجري، والمطلوب الآن هو استنتاج طريقة للحساب الحقيقي
لبدايات الأشهر القمرية العربية اللازمة للصيام وللحج، فقط لا غير.
والتقويم مبني على استعمال ظواهر طبيعية
متكررة ودورية لحساب الزمان، فلابد بالطبع من ارتباط الوحدات
الزمنية الرئيسة المناسبة للإنسان (يوم-شهر-سنة) بظواهر فلكية دورية Periodical
astronomical phenomena يمكن أن يلاحظها وأن يدركها هذا الإنسان وتتناسب مع عمره المحدود
ومقاييسه الزمنية، ويمكن مع ذلك الاستناد إليها لإصلاح أي خلل ولمعالجة مشكلة
تراكم الفروق.
وكون الظواهر الفلكية
المناظرة للوحدات المعلومة مختلفة ومستقلة يجعل الحاجة إلى التقويم (بمعنى التصحيح
Correction) أمرًا هامًّا وملحا، واختلاف الطرق التي
اتبعتها الشعوب على مدى التاريخ لمعالجة هذه المشكلة هو الذي تسبب في وجود تقاويم
عدة.
فكل وحدة زمنية مناسبة للإنسان لابد من
ارتباطها بدورة فلكية حقيقية يمكن ملاحظتها ورصدها، ولكن الدورة الفلكية الطبيعية
الأكبر لا تحتوي على عدد صحيح Integers من الدورات الأصغر، فالدورات تعبر عن ظواهر
فلكية مختلفة، وهذا ما يستلزم التقويم (بمعنى التصحيح Correction) في أي تقويم The calendar، ولولا التقويم لتراكمت الفروق وخرجت
بالتقويم عن مقاصده، ولما أمكن الانتفاع به، فالمقصود أصلًا بالتقويم، بمعنى
التصحيح، هو معالجة آثار الفروق للحفاظ على مفهوم الدورية على مستوى الشهر والسنة.
فالتقويم يجب أن يتضمن آلية تسمح بتجميع هذه الفروق
لتشكل عددًا صحيحا يمكن إضافته إلى ما يراد تقويمه، فكسور اليوم مثلا ينبغي
تجميعها لتكوِّن يوما يضاف إلى الشهور وفق خوارزمية معينة، وكذلك كسور الشهر ينبغي
تجميعها لتكوِّن شهرًا يضاف إلى السنوات وفق خوارزمية معينة.
وقد كان خروج التقويم عن مقاصده لتراكم
الفروق وتأثيرها هو دائمًا الدافع وراء التقويم، فالتقويم كان دائمًا لنفع
الإنسان، وقد جُعل من أجل الإنسان ولتسهيل حياته، ولم يُجعل الإنسان من أجل
التقويم.
والتقويم العربي القديم هو تقويم طبيعي، فهو تقويم شمسي
قمري؛ ومن الثابت أنه كان كذلك في العصر الجاهلي وطوال العصر النبوي، وأن الشهور
كانت ثابتة مع الفصول المناخية الستة المعروفة للعرب: الربيع الأول وفي قولٍ آخر
الثاني (ربيع الأول، ربيع الثاني)، الصيف (جمادى الأولى، جمادى الآخرة)، القيظ
(رجب، شعبان)، الربيع الثاني وفي قولٍ آخر الأول (رمضان، شوال)، الخريف (ذو
القعدة، ذو الحجة)، الشتاء (محرم، صفر).
فالسنة تكون شمسية بمجرد مراعاة اتساق شهورها مع الفصول
المناخية، فالأمر لا يستدعي نشر إعلان بذلك في الجريدة الرسمية، السنة الشمسية
العامة هي أقل فترة زمنية تتضمن الفصول المناخية بدون تكرار، فهي يمكن أن تبدأ
مثلا بيوم الاعتدال الربيعي لتنتهي في اليوم السابق للاعتدال الربيعي التالي،
ويمكن استبدال الاعتدال الخريفي بالربيعي.
وأسماء الشهور العربية تشير إلى الفصول المناخية إما
بطريقة مباشرة عن طريق الاسم الصريح، وإما بذكر شيء مرتبط ومقترن بها.
والأشهر في التقويم العربي قمرية، وكان الشهر العربي
قديمًا يبدأ برؤية هلال لينتهي قبيل رؤية الهلال التالي بدون أي حسابات، وكان ذلك
يتضمن ببساطة إمكانية التصحيح والتقويم.
فكل شهر من الشهور القمرية يعادل المدة اللازمة لدورة
قمرية كاملة حول الأرض، وهذا هو الشهر الطبيعي.
أما الشهر الحسابي فيعادل المدة اللازمة لمتوسط دورة
قمرية كاملة مع إجراء تقويم لمعالجة مسألة الفروق المشار إليها، حيث إن الشهر
القمري لا يساوي عددًا صحيحا من الأيام، بل يساوي 29.530588 يوما، ولذلك جعلوا الأشهر 29 أو 30 يومًا بالتبادل،
وأضافوا يومًا إلى ذي الحجة في آخر السنة وفق نظام أو
خوارزمية معينة، بغض
النظر عن رؤية الهلال، لذلك فالشهر القمري الطبيعي يختلف عن الشهر القمري الحسابي.
ولابد من استعمال الشهر الحسابي لكي يمكن حساب التقويم لسنين قادمة،
وكذلك لعمل برامج التحويل بين التقويمات المختلفة.
ولكن هذا التقويم الذي يحدث على مستوى
الأشهر يتناقض مع مفهوم الشهر القمري العربي، فهذا الشهر يجب أن يبدأ برؤية
الهلال.
وطريقتنا
تأخذ بمفهوم الشهر القمري العربي الحقيقي، فهذا الشهر يبدأ برؤية الهلال، وليس
بمجرد مولده، وهذا يعني أن الشهر يبدأ برؤية الهلال باستعمال أفضل ما تيسر من
وسائل، ومنها بالطبع التليسكوب في العصر الحديث، وهذا ما يتسق مع عالمية الإسلام،
وصلاحيته لكل زمان ومكان، وهو أيضًا ما يجعل من اعتماد السلف على محض الرؤية
البصرية أمرًا مشروعًا، وما التليسكوب إلا وسيلة لمدّ نطاق هذه الرؤية.
هذه
الآلية هي الآلية الشرعية والتي تتضمن ما يلزم من تقويم وتصحيح بطريقة تلقائية،
وهي التي توفي بالأمر القرءاني بأن تكون الأهلة مواقيت للناس والحج، هذا مع العلم
بأن الهلال بالتعريف هو ما يبدو للناس من القمر في الليلة الأولى والثانية من الدورة التي
تبدأ بمولده.
فلا
مشكلة في أن يبدأ الشهر بالليلة التالية لمولده المحسوب فلكيا.
أما
مفهوم الشهر الحسابي والتقويم الشائع فهو صالح لعمل ما يلزم من تقاويم مطبوعة
ولبرامج التحويل على أن يكون معلومًا هذا الاختلاف بين مفهوم الشهر القمري العربي
وبين مفهوم الشهر الحسابي، فنتائجه صحيحة بمعدل سماحية يوم أو يومين.
ومصطلح الشهر يُطلَق على أمرين متميزين رغم أنه يعادل في
كليهما دورة قمرية كاملة؛ أحدهما هو الشهر الطبيعي الذي يمكن أن يبدأ من أي نقطة
على الدورة لينتهي عندها، والآخر هو الشهر العربي المحدد الذي يبدأ برؤية الهلال، والمفهوم
الأول لازم لمعاملات شرعية عديدة مثل حساب العدة والكفارات، أما الثاني فلازم
للصيام والحج.
والسنة الطبيعية هي بالضرورة سنة مناخية شمسية، وهي
تعادل دورة كاملة للأرض حول الشمس، فهي السنة الطبيعية التي يمكن بها معرفة مواقيت
الفصول المناخية، فتوقيتاتها ثابتة فيها، فالدورة المذكورة هي التي ينتج بمرورها
الفصول الأربعة، وهي تتضمن اعتدالين (اعتدال ربيعي واعتدال خريفي) متتاليين، وانقلابين
(انقلاب صيفي وانقلاب شتوي) متتاليين، وهي
يمكن أن تبدأ مثلا بيوم الاعتدال الخريفي أو الربيعي مثلا لتنتهي في اليوم السابق
للاعتدال المختار، ولتبدأ سنة جديدة بالاعتدال الجديد.
فالسنة الشمسية هي السنة المتسقة مع
الفصول المناخية، وفي السنة الشمسية تتناوب الفصول لتعود إلى حيث بدأت كما هو
معلوم، والسنة هي من حيث ذلك أقل فترة زمنية تتضمن كل الفصول الممكنة.
وأي تقويم يعمل على الحفاظ على الارتباط
بين شهوره وبين الفصول المناخية يستعمل بالضرورة السنة الشمسية، فلا حاجة إلى النص
على ذلك.
والتقويم بمعنى التصحيح Correction هو أمر لازم
لكل تقويم بمعنى Calendar، وهو لازم للحفاظ على مفهوم السنة.
والسنة الشمسية تتضمن بالتحديد اثني عشر شهرا قمريا
طبيعيا، ولا يمكن أن تزيد أو تنقص عن ذلك.
فالسنة الشمسية ستظل دائما تساوي اثني
عشر شهرًا قمريا طبيعيا بالمفهوم الأصلي بالإضافة إلى عدة أيام، ولا شيء في ذلك، فلا
يمكن أن تحتوي الوحدة الأكبر على عدد صحيح Integer من الوحدات الأصغر، لابد من بقاء كسور، فالشهر
القمري لا يساوي عددا صحيحا من الأيام بالضبط، وكذلك الأمر بالنسبة للسنة، فهي لا تساوي
عددا صحيحا من الشهور بالضبط، فلابد من بقاء عدد من الأيام وكسور اليوم.
وإضافة شهر التقويم لن يغير من عدة
الشهور القمرية في السنة الشمسية، وهناك تقويم يحدث بالفعل
على مستوى الأشهر حيث إن الشهر القمري لا يساوي عددا صحيحا من الأيام، ومن ذلك جعل
الأشهر 29 أو 30 يومًا بالتبادل، وإضافة يوم إلى ذي الحجة في آخر السنة وفق نظام أو خوارزمية معينة.
والتقويم
يُسمَّى تقويمًا شمسيا قمريا، إذا كان يأخذ بالشهر القمري الطبيعي، ويأخذ بالسنة
الشمسية وفقًا لمفهومها العام، والسنة الشمسية وفقًا للمفهوم العام هي أي سنة
تتضمن تقويمًا Correction بأي طريقة من الطرق بهدف
الحفاظ على العلاقة بين الشهور -مهما كان نوعها- وبين الفصول المناخية، وذلك
بمقتضى أن السنة الشمسية هي بالضرورة سنة الفصول المناخية، فالفصول المناخية ثابتة
في السنة الشمسية كما هو معلوم، لكل فصلٍ منها بدايته المحددة، فالسنة الشمسية
ليست هي بالضرورة السنة الميلادية أو الگريگورية، وهناك مثلًا تقويم هجري شمسي، يأخذ بالأبراج
الفلكية المعلومة، السنة الشمسية هي أقل وحدة زمنية تتضمن كل الفصول المناخية،
فهذه الفصول تنتج أصلا من دوران الأرض بمحورها المائل حول الشمس.
والذي كان يهم العرب بصفة أساسية هو عمل
ما يلزم لكي تظل الأشهر العربية في مواسمها المناخية الطبيعية،
بمعنى أن تظل لأسماء الأشهر معانيها، وأن يكون للتقويم فوائده المعلومة، وكانوا
يعرفون الخلل، مثلا، عندما تتأخر بداية الربيع شهرًا، أي من ربيع الأول إلى ربيع
الآخر، أو يتأخر وقت الحصاد شهرا، فكانوا يضيفون شهر تقويم لإصلاح ذلك الخلل، ومن
البديهي أن ملاحظة أية ظاهرة طبيعية أخرى تؤدي إلى نفس النتيجة، فالأمر دوري.
وحقيقة
علم العرب بالفصول المناخية هي حقيقة منطقية وتاريخية، وكذلك من الحقائق الثابتة
علمهم بارتباط الفصول المناخية بظواهر فلكية، وهذا ظاهرٌ ظهورًا بيِّنًا في
أشعارهم وفي لسانهم.
فمن الثابت أنهم كانوا يعلمون منازل القمر وحركة الشمس والأبراج،
وبعض النجوم الهامة كالشعرى اليمانية ونجم سهيل والفصول المناخية والانقلاب الصيفي
والانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي .... الخ، فقد كانت هذه
الأمور بالنسبة لهم كالتقاويم المطبوعة الآن.
العرب كانوا يعلمون الكثير عن النجوم، والقرءان قد ذكر أن الله
تعالى هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَهمُ النُّجُومَ لِيهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ، وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا
فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُون} [الأنعام:97]، {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} [النحل:16]،
وأشار إلى علمهم بمنازل القمر وبالشعرى اليمانية.
وحاصل كلام
المعاجم اللغوية هو أن الفصول عند العرب كانت ستة، يتضمن كل فصل شهرين قمريين.
ولشهر ربيع الأول ارتباط ضروري بالاعتدال الربيعي، ولشهر
رمضان ارتباط ضروري بالاعتدال الخريفي، فهو شهر الانتقال من القيظ إلى المناخ
المعتدل، ويمكن استغلال ذلك لعمل التقويم اللازم الذي يجعل الأشهر في مواسمها
المناخية الطبيعية ويحافظ للتقويم على مفهومه ومعناه.
ويقولون إن
شهر رمضانَ مأْخوذ من رَمِضَ الصائم يَرْمَضُ إذا حَرّ جوْفُه من شدّة العطش، أي
هم يتهمون ربهم بأنه اختار أن يعذب الناس بالصيام في الحرّ الشديد! وفي اللاتقويم المستعمل لا يحتكر شهر رمضان الحرّ
الشديد، فهذا الحر يدور مع الأشهر، وبالتالي فلا يوجد أي أساس لمزاعمهم، أما سوء
ظنهم بربهم فقد دفعوا، وسيظلون يدفعون، ثمنه باهظا، وإذا كان الأمر كما يزعمون
لوجب أن يكون رمضان دائمًا في الحرّ الشديد، بمعنى أنه يجب أن يأتي دائمًا في
الصيف أو في القيظ، وهذا يعني ضرورة ارتباط السنة بالفصول! والحق أن تقويمهم قد
يأتي رمضان في البرد القارس في شتاء نهاره قصير، فكلامهم بذلك متهافت منطقيا
مُقوَّض تقويضًا ذاتيا، ولم يجنوا منه إلا الخطأ في حق ربهم الذي ذكر مقاصد الصيام
في القرءان، وأعلن أنه يريد بالناس اليسر لا العسر.
والردّ على أمثال هؤلاء هو أهون شيء، شهر رمضان كان
موجودًا ومعروفًا عند العرب قبل الأمر بصيامه، بل لقد ذكر الله تعالى أن فيه أنزل
القرءان.
فلا علاقة لشهر رمضان بالقيظ أو الحرّ الشديد، فقد جاء في لسان العرب: الرَّمَضُ المطر
يأْتي قُبُلَ الخريف فيجد الأَرض حارّة محترقة، والرَّمَضِيُّ من السحاب والمطر:
ما كان في آخر القَيْظِ وأَوّلِ الخَرِيف، فالسحابُ رَمَضِيٌّ والمطر رَمَضِيٌّ،
وإِنما سمي رَمَضِيّا لأِنه يدرك سُخونة الشمس وحرّها.
أما شهرا القيظ عند العرب فهما رجب وشعبان، بينما في
اللاتقويم المستعمل يدور القيظ أيضًا مع الأشهر.
وبافتراض أن شهر رمضان يحب أن يأتي دائما في ذروة القيظ
لتعذيب الصائم فإن ذلك لا يعني إلا وجوب التقويم بحيث يتحقق ذلك دائمًا، فيعني
مثلا أن يتضمن شهر رمضان الانقلاب الصيفي، وأن يكون ذلك هو المقصد من التقويم،
وهذا يعني أن يكون التقويم شمسيا-قمريا.
والمشكلة أنه لا يمكن تعذيب كل الصائمين في نفس الوقت!
فلو كان رمضان يأتي دائمًا في الحر الشديد المقترن بالنهار الطويل في نصف الأرض
الشمالي فإنه في نفس التوقيت في نصف الأرض الجنوبي سيكون البرد شديد، والنهار
قصيرا!
ولقد ذكر البيروني أن العرب تعلموا من اليهود أن يضيفوا
شهرًا كل سنتين أو ثلاث لكي يكون الحج في
أطيب الأزمنة وأخصبها، وأن يثبت على ذلك،
وأن ذلك كان قبل الهجرة بقريب من مئتي سنة.
والحرص
على ربط شهر أو أكثر بمناخ معين يؤدي لا محالة إلى وجوب إضافة شهر كل سنتين أو
ثلاث، والسنة الناتجة هي لا محالة سنة شمسية، وإن لم يتم التصريح بذلك، فالسنة
الشمسية هي أقل وحدة زمنية تحتوي على كل الفصول المناخية، ويأتي الفصل فيها في
موضع ثابت لا يدور.
وإضافة شهر التقويم هو لإعادة الأشهر القمرية إلى
مواضعها الحقيقية، أي إلى تجنب فكّ ارتباطها بالفصول ذات الصلة بها، أما السنة
الشمسية ذاتها فلا تتأثر بذلك، بل إنه يمكن العمل بالتقويم الگريگوري المستعمل
الآن في حساب السنين باعتبار السنة فيه شمسية؛ أي إنه يوفي بما يلزم لمفهوم الحول
والدورية The
periodicity، فلا يلزم أبدًا استعمال سنوات قمرية لا وجود لها، فتتابع من 12 شهرا قمريا، والذي يُسمونه خطأً
بـ(السنة القمرية) لا يعني شيئا، فالنهاية لا تلتحم أبدًا بالبداية وفق أي معيار.
أما
الأشهر الطبيعية فهي الأشهر القمرية، لذلك يجب أن يستمر حساب الأشهر بالأهلة لتحديد مواقيت الصيام والحج، وهذا ما يوجبه
القرءان.
ومثل كل الأمم الأخرى، كان لدى العرب مجموعة مختصة بأمور
التقويم، لا ينازعها في ذلك أحد، وكانت وظيفة الناسئ أو القلمس هي تحديد السنة
التي يجب فيها إضافة شهر التقويم وإعلان ذلك على الناس يوم الحج الأكبر، وكان ذلك
هو النسيء الأصلي، فهذه الإضافة كانت تؤدي إلى فرملة وتأخير (نسء) تقدم (السنة
القمرية) للحفاظ على الهوية المناخية للشهور، أي لتتسق (السنة القمرية) مع السنة
الشمسية، وكان ذلك يعني أن يُضاف شهر قمري قبل بداية السنة الجديدة.
فالتحريم كان منصبًّا
على النسيء بالصورة التي استقر عليها قبل العصر النبوي واستمر أثناءه، لذلك تم
التنديد به، والنهي عنه، وكان المقصود بذلك أساسًا الحفاظ على هوية الأشهر الحرم،
وحمايتها من الانتهاك.
فالنسيء المذموم
لا علاقة له بمسألة التقويم، فالنسيء الذي انصبّ عليه التحريم كما أشارت الآيات،
وكما بينته الآثار، هو التلاعب بالأشهر
الحرم بالتأخير لأغراض غير قانونية مثل الاستمرار في الحرب أو الصيد، وإقدام العرب
على ذلك مع حرصهم على بقاء عدة الأشهر الحرم كان يؤدي أحيانا إلى اختلال عدد
الشهور في السنة، وكان الشهر الأساسي الذي كانت حرمته عرضة لتلاعبهم هو شهر
المحرم، فقد كان يثقل عليهم الامتناع عن الإغارة على بعضهم البعض وسفك الدماء
والإفساد في الأرض لشهر ثالث بعد شهري ذي القعدة وذي الحجة، وهما من الأشهر الحرم،
خاصة بعد أن أنفقوا أموالهم في الحج والأسواق والمهرجانات التي كانت تسبقه، فكانوا
يطلبون من الناسئ المسؤول عن التقويم تأخير حرمة المحرم إلى صفر.
والحقّ أن طلبهم
تأخير حرمة الشهر الحرام إلى الشهر التالي يشير إلى أنهم كانوا يعلمون أن لكل شهر
خصوصيته وشخصيته المستقلة المميزة التي يستمدها من أمرٍ حقاني موضوعي، وليس من
موقعه النسبي بين الشهور.
والحقّ أيضًا
أنك لو سألت أحدهم الآن عن سبب كون شهر محرم أو رجب مثلا في اللاتقويم المستعمل
الآن من الأشهر الحرم لما وجدت عنده جوابا، فلا توجد الآن
أي علامة مميزة لأي شهر! وبذلك فقد أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله، بل لم
يعد لمفهوم الشهر الحرام عندهم أي معنى، ورغم التأكيد القرءاني، والوصية النبوية،
فإن أكبر جريمة اقترفوها ضد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ نفسه كانت في شهر من الأشهر الحرم، عندما قتلوا أكثر
ذريته فيه!
كما أنهم لم يصوموا شهر رمضان، بل صاموا غيره، وذلك بمجرد
أخذهم بالتقويم المستعمل.
ومن السهل
استنتاج أن إعلان وجوب إضافة شهر التقويم كان يحدث في يوم الحج الأكبر الذي كان
يجتمع فيه ممثلون لشتى القبائل العربية ليرجعوا إلى قبائلهم بالأنباء.
ومن السهل أيضًا
استنتاج أنه تحت ضغط القبائل القوية فقد بدأ الأمر باستغلال إضافة شهر التقويم
لتأخير حرمة شهر المحرم، وعندما ظهر الإسلام كان ذلك قد أصبح عرفًا مستقرًا عند
العرب.
وفي
كل الأحوال فمجرد الحرص على الحفاظ على الارتباط بين شهرٍ معين وبين ظاهرة مناخية
ثابتة يؤدي بالضرورة إلى اكتشاف ما يلزم للتقويم، وهذا ما حدث معنا وتحققنا منه،
ومن البديهي أن تتشابه الحلول لنفس المسألة، مع وجود اختلافات في الحدود المقبولة.
وأكبر حجة ضد
التقويم المستخدم الآن أنه لا يتسق أصلا مع اسمه، فمن الخطأ أن يُسمَّى أصلًا
بالتقويم، والتسمية الأنسب له هي اللاتقويم، وهذه الأمة هي أسوأ حالًا من أعراب
العصر الجاهلي بتشبثهم به، فقد كان هؤلاء يربطون تقويمهم بظواهر فلكية طبيعية يترقبونها
ويتطلعون إليها في سمائهم الصافية، بل هم أسوأ حالًا من دواب وطيور الأرض المفطورة
على تنظيم حياتها وفق المواسم المناخية.
فلا يجوز إطلاق المصطلح "سنة" على تتابع من 12 شهرًا قمريا، فلا
توجد ظاهرة طبيعية دورية ثابتة تناظر هذه الفترة الزمنية بحيث يمكن إجراء ما يلزم
من معايرة وتقويم وتصحيح، فتتابع
من 12 شهرا قمريا لا يكوِّن سنة ولا حولا.
ولم أكن أود
أصلا الخوض في موضوع التقويم، ذلك لأنه يستلزم الرجوع إلى مراجع كثيرة في مجالات
متباعدة، وهذا ما لا أميل إليه عادة، وعندما اضطررت للبحث في مسألة التقويم كان
الهدف الوصول إلى الحقيقة وإلى حلّ عملي وسهل وقابل للتطبيق لكافة مشاكل اللاتقويم
الهجري المستعمل الآن، وكان الهدف الاستناد أساسًا إلى القرءان واستعمال أكبر قدر
ممكن من العلم والمنطق وأقل قدر من الآثار التي هي في مجملها ظنية كما هو معلوم.
وكان الذي يجب اعتباره هو
ما كان شائعا لدى العرب من المعارف الخاصة بالأمور الفلكية.
وقد بدأنا نشر
ملخص لنتائج بحثنا المتعلقة بالتقويم العربي في سنة 2013 م، وذلك في كتاب
دائرة المعارف (1)، 2013، وتوالى بعد
ذلك نشر أجزاء منه على مواقعنا الإلكترونية إلى أن نشرنا مقالة كبيرة عنه في
المدونة في إبريل 2014م.
ولم يكن لدينا
أدنى شك في أن مسألة التقويم لا علاقة لها بموضوع النسيء المذموم، ولذلك لم نشر
إلى موضوع النسيء إلا إشارة عابرة في البحث الأصلي، جاءت في هذه الفقرة:
"أما النسيء المذموم فهو التلاعب بالأشهر الحرم
بالتأخير لأغراض غير قانونية مثل الاستمرار في الحرب أو الصيد، فالنسيء يعني
ويتضمن التأخير، التأخير فقط، وليس التقديم مثلا.
ولم نفاجأ
بالهجوم الظالم من شتى طوائف وسلالات وعبيد "ما ألفوا عليه آباءهم"،
ولكن المفاجأة كانت لأن الناس كانوا على يقين من أن مسألة التقويم هي بعينها مسألة
النسيء والذي هو زيادة في الكفر بنص آية قرءانية، وقد تبيَّن أن المسؤول عن ذلك
أحد الباحثين الذي بنى بحثه على وجود خطأ في تشكيل الآية التي تنهى عن النسيء،
وسمَّى شهر التقويم بشهر النسيء! ومازال أكثر الناس يقعون في هذا الخطأ، بل إن
مسألة التقويم أصبح يُطلق عليها اسم النسيء!!
وهكذا صار لزامًا
على الناس لكي يقتنعوا بمسألة التقويم أن يرتابوا في تشكيل القرءان، وانتقل النقاش
إلى مجال آخر! وصار من محاور الجدل والنزاع مواضيع مثل: متى تمَّ تشكيل القرءان؟
وهل توجد مخطوطة أصلية للقرءان أم لا؟ هذا مع أن القرءان محفوظ بصيغته الصوتية عبر
سلاسل واصلة إلى الرسول وأن الآيات القرءانية شديدة الوضوح، فهي تتحدث عن نسيء
يؤخرون بموجبه الشهر الحرام عن موضعه المعلوم، وقد يؤدي إلى التلاعب بعدد الأشهر
في السنة.
ومع ذلك فقد
اضطررنا إلى الرجوع إلى الآثار لدراسة ما هو مفهوم النسيء عند العرب قبل الإسلام
وتحديده بالدقة اللازمة، وقد أدرجنا نتائج البحث في هذا الكتاب، وهي متفقة مع
الفقرة السابقة.
وكما
قلنا قديمًا فإن موضوع التقويم -مثله مثل سائر أبحاثنا- لم ينتج عن أي مطالعات
مطولة في المراجع أو الكتب التراثية، وإنما اعتمد أساسا على النظر في المعلومات القرءانية
والعلمية والمنطقية ذات الصلة، والحجج المقدمة هنا تتضافر ويعضد بعضها بعضا، وهي قوية
وكافية تماما، بل هي أقوى من كل ما ينفرد به أي دين من الأديان التي حلت محل
الإسلام من حجج لإثبات ما يختلف به عن غيره، ولكن بعض الناس يريدون أن يجدوا مثلا
وثائق مكتوبة تبين كل شيء بخصوصه وموقعًا عليها ممن تسببوا في هذا الخطأ
الفادح!!!! هل سيكتب المجرمون ومن اتبعوهم وثائق موقعًا عليها منهم تدينهم وتهدد
وجودهم؟ أم سيعملون على طمس أي دليل يكشف حقيقة أمرهم؟
وسدنة
كل دين من الأديان التي حلت محل الإسلام يعلمون جيدًا أن جلّ دينهم مأخوذ من تراث
بشري، ومن مرويات ظنية غير موثقة أصلا!!! وأنهم يأمرون الناس بالتعبد وفق الظن
الغالب، وأنه لا توجد أية وثيقة شرعية تتضمن المرويات التي بنوا عليها جلّ دينهم!!!!
فكل كتب المرويات والتراث لم يتم توثينها إلا في عصور متأخرة، فالتوثين الرسمي للمصادر الخاصة المميزة للدينين السني والشيعي لم يحدث إلا في العصر العثماني في إطار الحرب الضروس
بين العثمانيين السنة وبين الفرس الشيعة.
أما
في العصر المملوكي وما قبله فلم يكن هناك مشكلة في انتقاد وتمحيص الآثار، ولم يكن
سدنة الأديان والمذاهب التي حلت محلّ الإسلام قد تحولوا بعد إلى رموز أو آلهة.
ولكن
المشكلة هي أن أكثر الناس يجهلون ذلك!!
ولكنَّا
قلنا أيضًا: "ومع ذلك نحن على ثقة من أن الأدلة التراثية لإثبات نتائج بحثنا
ستتوالى"، وهذا ما حدث بالفعل، وخاصة في الفترة الأخيرة، فالأدلة تتكشف
ويتوالى ظهورها، كما يزداد العالمون ببطلان اللاتقويم المستعمل، ووجوب أن يُستبدل
به تقويم صحيح.
وطريقتنا للتقويم هي طريقة سهلة ودقيقة ومنطقية، وهي
تغني عن الغوص في التراث بكافة صوره وعن مراجعة التواريخ القديمة وعن الحسابات
الفلكية المعقدة، وهي لا تستلزم أبدًا أي تحديد لتاريخ إهمال عمل التقويم اللازم؛
أي عمل التصحيح اللازم للتقويم، كما لا تستلزم علمًا بالفلك.
فهي الطريقة التي كان من الممكن لأناس كانوا يعيشون
بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر، هذا فضلا عن أنها لا تستلزم
معرفة متى حدث الخلل في التقويم، فهي تستند إلى ظواهر طبيعية حقيقية، ويمكن لكل
فرد أن يتحقق من سهولة تطبيقها بنفسه.
وطريقتنا هي الطريقة الفطرية المرتبطة بأمور كونية، فهي
الطريقة الوحيدة المتسقة مع الدين العالمي افي صورته النقية الجوهرية النقية.
فحساباتنا
تثبت أن مراعاة بقاء أي ظاهرة فلكية في الشهر القمري المرتبط بها تؤدي تلقائيا إلى
الأخذ بالدورة الميتونية الطبيعية، وهذا اكتشاف جديد، والظاهرة التي نأخذ بها هي
وجوب أن يتضمن شهر رمضان الحقيقي الاعتدالَ الخريفي.
وقد
تبين أن نتائج الحسابات في هذه الحالة تحقق أيضًا شرط ارتباط شهر ذي الحجة
بالانقلاب الشتوي، وأن الحرص على بقاء هذا الانقلاب الشتوي في شهر ذي الحجة يؤدي
تلقائيا إلى بقاء الاعتدال الخريفي في شهر رمضان.
وبذلك
يتبين المقصود بقول النبيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع "إِنَّ
الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ" والذي يشير إلى أن لشهر ذي الحجة توقيتًا طبيعيا عاد إليه،
وأن هناك ما يتميز به هذا الشهر عن غيره.
وقد
تبين بالبحث أن العمل وفق طريقتنا يؤدي إلى الاكتشاف التلقائي للدورة الميتونية الطبيعية،
فلا حاجة إلى العلم بها، أو الالتزام المسبق بها، يكفي الحفاظ على ارتباط شهر قمري
عربي بالظاهرة الفلكية المميزة له، وعندها سيتبين أن بدايات هذا الشهر ستتكرر
بدورية متسقة مع هذه الدورة.
ففي كل الأحوال فإن الحرص على ارتباط شهر معين بحدث
مناخي أو فلكي محدد يؤدي بالضرورة إلى اكتشاف ما يلزم للتقويم، ومن البديهي أن
تتشابه الحلول الناتجة عن ذلك في الأمور الجوهرية.
وقد
اتخذ العرب من رؤية الهلال، وليس من مولده، بداية للشهر، وبذلك كان متاحًا لأي شخص
أن يحدد هذه البداية في سمائهم الصافية، بينما يتطلب العلم بمولد الهلال حسابًا لم
يكن متاحًا إلا للقلة.
إن لكل شهر في أي توقيت صحيح هويته الخاصة، ولقد
أثبت القرءان أن العرب كانوا على علم بظواهر فلكية، فكانوا يهتدون بالنجم، ويعلمون
منازل القمر، ويعلمون ويتطلعون إلى بعض النجوم.
لقد
كان السؤال الملح ما هي الظاهرة الفلكية المعلومة لدى العرب، والتي يمكن الاحتكام
إليها لتحديد هوية الشهر.
ووفقًا
لطريقتنا: شهر رمضان الحقيقي يتضمن الاعتدال الخريفي، أي هو الشهر العربي القمري
الذي يتضمن هذا الاعتدال، أي إن بداية رمضان تكون في شهر السنبلة، وهو الشهر الثاني عشر في تقويم أم
القرى الهجري الشمسي، ويبدأ شهر السنبلة عندما تكون الشمس في برج السنبلة (العذراء)
فلكيا أي عندما تدخل الشمس في برج السنبلة، وشهر
السنبل يمتد من 23 أغسطس إلى 22 سبتمبر، وينتهي
شهر رمضان والشمس في برج الميزان.
أما
معرفة العرب بأمر الاعتدال فكان يمكن عن طريق رصد مطالع نجم سهيل المعلومة جيدا
لديهم، فمنذ
القدم يهتم أبناء الجزيرة العربية بمطالع نجم سهيل، والنظر فيها ومعرفة المنازل
التي يستقر فيها، وذلك لارتباطها بحياتهم اليومية في الليل والنهار، فهم يعرفون من
خلالها تحسن الجو وانتهاء فصل الصيف، فبداية شهر رمضان تأتي عادة بعد بزوغ نجم
سهيل، وازدياد الرطوبة، وانتهاء القيظ.
ووفقًا
لطريقتنا أيضًا: شهر ذي الحجة الحقيقي هو الشهر القمري العربي الذي يتضمن الانقلاب
الشتوي، أي إن بداية شهر
ذي الحجة
تكون عادة في شهر القوس، وهو الشهر الثالث في تقويم أم القرى الهجري الشمسي.
وطريقتنا
تقوم على إضافة شهر التقويم بعد انتهاء السنة التي أصبح الانزياح ينذر بألا يتضمن
شهر رمضان التالي الاعتدالَ الخريفي، أي عندما يتبين أن بداية شهر رمضان التالي ستأتي
قبل 42 أغسطس، أي قبل أن تدخل الشمس في برج
العذراء، أي قبل بداية شهر السنبلة، وعند ذلك يجب إضافة شهر التقويم قبل شهر رمضان
هذا، وقبل شهر ربيع الأول الذي يتضمن الاعتدال الربيعي؛ وذلك للحفاظ على
الارتباطات الأخرى.
ولقد تبين أن إضافة شهر التقويم في طريقتنا للتقويم
تتم تلقائيًّا وفق تتابع دوري ثابت، يعتمد رقم البدء فيه على سنة بدء الحساب، فإذا
كانت سنة بدء الحساب هي 1996 مثلا، ستكون الدورية هي (2، 3، 3، 3، 2، 3، 3)، وذلك بمعنى أن إضافة شهر
التقويم ستكون بعد (2، 5، 8، 11، 13، 16،
19) سنة من نقطة البدء، أي من السنة صفر، أي قبل بدء السنوات (1998، 2001،
2004، 2007، 2009، 2012، 2015، 2053، 2072 ...... الخ)
فشهر رمضان له نفس البداية في السنوات
الشمسية س + (ن × 19)، حيث (ن) أي عدد صحيح؛ موجب أو سالب، وهذا
في نطاق معدل سماحية مقداره يوم واحد سببه أن برامج حساب التقويم وبرامج التحويل
تأخذ بمفهوم الشهر القمري الحسابي، وليس الشهر القمري الطبيعي.
لذلك
فلشهر رمضان في كل مجموعة من المجموعات الآتية توقيت بدء واحد:
السنوات
(1997 ،2016، 2035، 2054، 2073) لشهر رمضان فيها توقيت بداية واحد هو 2 أو 3 سبتمبر
السنوات
(2004، 2023، 2042، 2061، 2080) لشهر رمضان فيها توقيت بداية واحد هو 15 أو 16 سبتمبر.
السنوات
(2005، 2024، 2043، 2062، 2081) لشهر رمضان فيها توقيت بداية واحد هو 4 أو 5 سبتمبر.
أما
إذا كانت السنة مختلفة عن الأرقام المذكورة فسيتغير فقط رقم البدء في الدورية
المذكورة، فإذا كانت السنة هي مثلا 1998 ستكون الدةرية (3، 3، 3، 2، 3، 3، 2)، وذلك بمعنى أن إضافة شهر التقويم ستكون بعد (3، 6، 9، 11، 14، 17، 19) سنة من نقطة
البدء، أي من السنة صفر، أي قبل بدء السنوات (2001، 2004، 2007، 2009، 2012، 2015،
2017) لتكتمل بذلك دورة كاملة، وهذه
الأرقام تحقق الأرقام المستعملة للإضافة وفق الدورة الميتونية، والدورة تأخذ 19
سنة، ثم يتكرر نفس الأمر بنفس الترتيب، ويلاحظ أن مجموع أرقام الدورية هو 19.
ومن البديهي أنه بغض النظر عن سنة البدء
سيتم اكتشاف نفس التتابع الدوري، ولكن الدورة يمكن أن تأخذ أي شكل آخر، أي أن تبدأ
بأي رقم من التتابع الدوري، وذلك مثل (3، 2، 3، 3، 3، 2، 3)، (2، 3، 3، 3، 2، 3،
3) ... الخ.
وبذلك يتحقق في طريقتنا شرط الدورة
الميتونية دون الالتزام المسبق بها، بل بدون العلم بها! وإنما بالالتزام بإبقاء
الاعتدال الخريفي في شهر رمضان، أو الانقلاب الشتوي في شهر ذي الحجة.
ومن الجدير بالذكر أنه لم يرد ما يدل على
أن العرب عرفوا الدورة الميتونية، ولكن من الواضح -كما حدث معنا نحن- أن الالتزام
بمراعاة تضمُّن شهر رمضان للاعتدال الخريفي يؤدي إلى عمل التقويم وفق هذه الدورة
دون العلم بها! ذلك لأنها دورة طبيعية غير مفتعلة.
وذلك يحدث مثلا مع كل من قرروا الأخذ
بالدورة القمرية الطبيعية لتحديد الأشهر، فيمكن أن يأخذ بعضهم بلحظة مولد القمر
كبداية للشهر، بينما يأخذ آخرون بلحظة اكتمال البدر، ومن البديهي أنه يمكن دائمًا
عمل علاقات بين كافة الاختيارات الممكنة، فالظاهرة الطبيعية واحدة.
ومما سبق يتضح الأساس الطبيعي للقول بأن شهر رمضان هو
الشهر القمري الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، وأن إضافة شهر التوقيت تكون بهدف
الاستمرار في تحقيق ذلك، الأساس هو أن توقيتات الإضافة تحدث بدورية متفقة مع
الدورة الميتونية، وهذه الدورة هي دورة فلكية طبيعية.
وتتميز
طريقتنا بأن لا يلزم معرفة السنة صفر، ويمكن البدء بأي سنة للحساب، وعندها قد تكون
الدورية هي مثلا: (3، 2، 3، 3، 3، 2، 3)، وعندها سيتم إضافة شهر التقويم في
السنوات: (3، 5، 8، 11، 14، 16، 19)، كما سبق بيانه.
الشرط
الوحيد الواجب توفره في سنة بدء الحساب أن تكون سنة قد أضيف قبل بدايتها شهر
التقويم، وهذه يمكن معرفتها بسهولة كما هو مشروح في البحث.
إن الطريقة المقدمة في بحثنا هي طريقة سهلة ودقيقة
ومنطقية، وهي تغني عن الغوص في التراث بكافة صوره وعن مراجعة التواريخ القديمة وعن
الحسابات الفلكية المعقدة، فهي الطريقة التي كان من الممكن لأناس كانوا يعيشون
بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر! وبالطبع لا يمكن لعربي أو
أعرابي أن يتبع طريقة ناسا في الحساب!
ونحن دورنا هو تحديد التقويم السليم، وذلك يتضمن وجوب أن
يكون رمضان هو الشهر القمري الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، فهذا الشهر يبدأ طبقًا
لطريقتنا في الفترة من 24 أغسطس إلى 22 سبتمبر، أي أن شهر رمضان الحقيقي هو الشهر القمري العربي الذي تقع
بدايته في
برج السنبلة (العذراء)، أما حساب الوقت الدقيق
لميلاد هذا الهلال، فهو أمر علمي محض يقوم به علماء الفلك.
وبالمثل يجب أن يتضمن شهر ذي الحجة الانقلاب الشتوي،
وهذا يتحقق تلقائيا بتحقيقي الشرط الخاصّ بشهر رمضان، فتحقيق أي شرط من الشرطين
يؤدي تلقائيا إلى تحقيق الشرط الثاني.
ولأسباب
عديدة رأينا أنه من الضروري أن نؤكد عليها في هذا البحث فإننا نوصي بالأخذ
بطريقتنا فقط، فهي لا تستلزم العلم بتوقيت حدوث خطأ في التقويم، ولا تتأثر بتغير
قيمة الوحدات الزمنية وتغير مواقع الفصول على مدى القرون، ويمكن أن يبدأ الباحث
المنفرد بالعمل بها مبتدئا من أي سنة.
وفي
الحقيقة توجد مشاكل
عويصة متعلقة بمحاولات مضاهاة التقويم الهجري بالتقويم الميلادي، ولا مفرّ من حدوث
أخطاء إذا بُنِي التقويم على وجود توافقات تاريخية فيما بينهما لأسباب عديدة،
وتوجد مشاكل أخرى متعلقة بمحاولة تحديد التواريخ بافتراض سنة معينة لبدء الدورات
الميتونية، ذلك لأنهم لم يأخذوا في الاعتبار بالدقة اللازمة ترنح زاوية محور
الأرض، ولا التغير في الدورات الطبيعية الفلكية مع الزمن، كما أنهم حملوا أنفسهم
نتائج أخطاء الآخرين، لذلك فالالتزام بمراعاة ظاهرة مناخية ثابتة هو أفضل وسيلة.
فالطرق
الأخرى تحاول تحديد وقت بدء انحراف التقويم، وتبني حساباتها على ذلك، فأي خطأ في
حساب بداية التقويم لن يمكن تصحيحه، كما أنها تأخذ بمفهوم السنوات الكبيسة التي
يكون عدد الأشهر فيها ثلاثة عشر شهرا، مستبطنة التسليم بوجود سنة قمرية! وهي لا
تتسق مع المتطلبات القرءانية، بل تتضمن تشكيكا في تشكيل إحدى آياته!
والخطر الأكبر الذي يوجب استبعاد
طريقتهم، أنهم لا يمكن أن يأخذوا في الحسبان، بطريقة دقيقة، ترنح زاوية محور
الأرض، ولا التغير في الدورات الطبيعية الفلكية مع الزمن، وهذا ما تتفوق به عليهم
طريقتنا تفوقًا حاسمًا.
أما
قولهم بأن إضافة شهر التقويم تجعل السنة 13 شهرا فيعني بالضرورة أنهم يظنون أن 12
شهرا قمرا تكوِّن سنة!!! وهذا خطأ فاحش ومضحك، وهذا ما يقع فيه من يضيفون شهر
التقويم كل 32 شهرا.
ولا
يوجد شيء اسمه سنة قمرية أصلا، أما نحن فنأخذ بالسنة الشمسية الحقيقية التي تتحقق
فيها مراعاة الفصول المناخية ومواسم الزراعة الطبيعية، والتي لا يمكن أن يكون عدد
الأشهر القمرية الطبيعية فيها أكثر من 12 شهرا، والأخذ بالسنة الشمسية لا يوجب
الأخذ بأسماء الشهور المستعملة، فالسنة الشمسية هي حقٌّ للبشرية جمعاء، وساهمت في
اكتشافها شعوب عديدة، وهي ذات أصلٍ مصري كما هو معلوم.
وقد
رأينا أن نضيف بعض البيان فيما يتعلق بالمفهومين المذكورين في الطبعة الأولى للشهر
القمري.
والسنة
الشمسية تضم بالضرورة 12 شهرا قمريا طبيعيا، وإضافة شهر التقويم لن يغير من ذلك
شيئا.
ويمكن
توضيح الأمر بالمثال التالي:
افترض
أنك الآن في أول المحرم، توجد دورة للأرض حول الشمس، سيُعتبر الوضع الآن هو بداية
هذه الدورة، أي بداية السنة الشمسية الأولى مثلا.
افترض
أن 12 شهرا قمريا أقصر من السنة الشمسية بثلث شهر.
سينتهي
التتابع 1 المكون من 12 شهرا قمريا قبل أن تنتهي السنة الشمسية 1 بثلث شهر، سيبدأ
تتابع جديد في 21 ديسمبر مثلا، هو التتابع 2، ستبدأ السنة الشمسية 2 بعد مضي الثلث
الأول من محرم التتابع 2، السنة الشمسية 1 لا تحتوي إلا على 12 شهرا قمريا كما هو
واضح.
سينتهي
التتابع القمري 2 قبل أن تنتهي السنة الشمسية 2 بثلثي شهر، ستبدأ السنة الشمسية 3
بعد انتهاء ثلثين من محرم الخاص بالتتابع 3، السنة الشمسية 2 لا تحتوي إلا على 12
شهرا قمريا كما هو واضح.
سينتهي
التتابع القمري 3 قبل أن تنتهي السنة الشمسية 3 بشهر، من المفترض أن تبدأ السنة
الشمسية 3 بانتهاء شهر محرم الخاص بالتتابع 4 ومع بداية الشهر التالي صفر، سيتم
إضافة شهر قبل صفر هذا، وليكن اسمه صفر الأول، وبذلك تكون قد انقضت ثلاث سنوات،
ويبدأ التتابع القمري الرابع والسنة الشمسية الرابعة معًا، ويتكرر الأمر.
والسنة
الشمسية رقم 3 لا تحتوي إلا على 12 شهرا قمريا كما هو واضح، أما التتابع القمري 3
فقد انتهى قبل السنة الشمسية رقم 3 بشهر قمري كامل، ولكن إضافة شهر قمري كامل إليه
قبل بدء التتابع الجديد جعل السنة الشمسية الرابعة والتتابع القمري الرابع يبدآن
معًا، هذه السنة تحتوي على صفَرين، وكأن أولهما، وهو شهر التقويم سيلعب دور محرم
في السنة الشمسية الرابعة.
واسم
هذا الشهر لا يهم، ولكن وردت آثار تشير إلى أن اسمه هو صفر الأول، ومن الواضح أنهم
لم يسموه بالمحرم لأسباب واضحة.
وقد
وردت بالفعل إشارات إلى وجود صفَرين، أحدهما هو شهر التقويم صفر الأول.
لذلك
فالسنة الشمسية لا تتضمن إلا 12 شهرا قمريا بمثل ما أن الشهر القمري لا يتضمن إلا
29 يوما، أو بمثل ما أن الشهر لا يتضمن إلا أربعة أسابيع.
ومن
المثير للتعجب أنهم يأخذون بالفعل بالتقويم المحدث للشهر القمري دون أن يثير أحدهم
أي ضجيج، فهم يجعلون الشهور القمرية 29 أو 30 يومًا بالتبادل، ويضيفون يومًا إلى
شهر ذي الحجة طبقًا لخوارزمية محددة، وتلك أمور لا مفرّ منها لتقويم التقويم، وهي
أيضًا أمور لم يكن يلجأ إليها العرب!! فهي من المحدثات الصارخة! وهذا يعني ببساطة
أنه لا يمكن أن تبدأ كل شهور السنة برؤية الهلال!! وهذا ما يسبب الاختلاف التقليدي
بين الواقع العملي وبين التقويم المطبوع.
فالتقويم
المحدث والمتبع بطريقة رسمية يجعل شهورا عديدة لا تبدأ، برؤية الهلال، والحق أن
تقويم الأشهر يحتم ألا تبدأ بعض الشهور برؤية الهلال!
ولا
معنى للرقم 12 الذي هو عدة الشهور إلا أنه عدد الأشهر القمرية الطبيعية الذي يمكن
أن تستوعبه السنة الشمسية المناخية، التي هي السنة الطبيعية، أما في اللاتقويم
المستعمل فلا يوجد أي حدّ طبيعي لعدد الأشهر، ذلك لأنه لا يرتبط بأي ظاهرة فلكية
طبيعية.
إن
المقصد من إضافة شهر التقويم هو معالجة انزياح الأشهر القمرية عن مواضعها الفصلية،
فبإضافته تعود الأشهر إلى مواسمها التي أعطتها أسماءها، فيبدأ الربيع في فصل ربيع
الأول، وأشهر الحج تكون في فصل الخريف وبداية الشتاء، وهو الفصل الأفضل بالنسبة
لمناخ مكة الصحراوي ليكون موسما للحج وفتح الأسواق فيها حيث يكون الطقس رائعا
والحرارة معتدلة، وليحدث التبادل التجاري والثقافي، وليشهد الناس منافع لهم، وليس
ليقتلهم الحر القائظ أو ضربات الشمس المروعة! وكذلك يمكن لقريش أن تقوم برحلتي
الشتاء والصيف في أشهر محددة معلومة.
ومن
المعلوم أن شهر صفر هو شهر رحلة الشتاء الرئيس، وأن شهر رجب هو شهر رحلة الصيف
الرئيس.
ومن
البديهي أن هاتين الرحلتين مرتبطتان بالمواسم الزراعية وأوقات الحصاد في الشمال
والجنوب، فما هي قيمة تقويم لا يلبي للناس حاجات بيئتهم المعيشية في عصور لم تكن
تتوفر فيها وسائل الاتصالات الحديثة؟ وهذه حجج بالغة وبراهين مبينة ساطعة للباحث
عن الحق غير العابد لتراث الأسلاف وما ألفى عليه آباءه.
ولقد
أكد القرءان على أن الشمس والقمر لازمان للعلم بعدد السنين والحساب، وهذا أيضًا هو
الثابت تاريخيا، فلزوم كل من الشمس والقمر للعلم بعدد السنين والحساب حقيقة
قرءانية وتاريخية راسخة، لا يحقّ لأحد أن يماري فيها، ولا يمكن استبعاد الشمس من
ذلك أبدًا.
وقد
أكدنا أن التقويم الصحيح لا يتنافى مع كون الأهلة مواقيت للناس ولا مع كون الصيام
يجب لرؤية هلال رمضان، فالشهر القمري هو هو في الحالتين، وهو الفترة الزمنية التي
تبدأ بظهور القمر هلالا في الأفق الغربي بعد الغروب مباشرة، ليختفي في اليوم
التاسع والعشرين ليظهر بعدها معلنا بدء شهر قمري جديد، أما منازل القمر فهي مواضعه
في الأبراج بانتقاله وازدياد حجمه إلى أن يصبح بدرا في اليوم الرابع عشر والذي من
بعده يبدأ في التضاؤل التدريجي ليصبح شكله كالعرجون القديم كما ورد في القرءان
الكريم.
ويقدم الكتاب المفهوم الصحيح لأشهر الحج المعلومات
وأيامه المعدودات والمعلومات، وقد تطلب هذا تقديم مفهوم اليوم في القرءان، ويوضح
الكتاب العلاقة بين أشهر الحج والأشهر الحرم، كما يقدم نظرات جديدة في الآيات ذات
الصلة بهذه الأمور.
فأشهر
الحج هي الأشهر الحرم المتصلة، وهي (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم)، وهي تعادل
تقريبا: (نوڤمبر، ديسمبر، يناير).
ويمكن
أداء الحج في أي شهرٍ منها، والحج أيام معدودات معلومات، كل يومٍ منها يُنسب إلى
ما يتم فيه من شعائر الحج.
أما
الأشهر الحرم فتتضمن بالإضافة إليها شهر رجب، ولا يوجد أي مبرر للقول بأشهر حرم
غير المذكورة في خطبة حجة الوداع.
إنه
يجب على كل مسلم أن يلتزم بالتقويم السليم ليتمكن من أداء ركني الصيام والحج في
التوقيتات السليمة، ولكن يجب أن يكون ذلك في حدود وسعه واستطاعته، فهو ليس مكلفًا
بما ليس في وسعه، كما أنه يجب دائمًا الحرص على وحدة الأمة وتجنب إثارة الفتنة.
*******
ملحوظة:
نعتذر مقدمًا عن وجود بعض التكرار في الكتاب، وذلك لأن الكتاب يتضمن مقالات وأبحاث
أُريد لها أصلًا أن تكون كاملة ووافية بمقاصدها، أو لورود أسئلة واستفسارات متكررة،
والتكرار على كل حال يزيد الأمور إيضاحا.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق