الاثنين، 26 يناير 2015

سورة البقرة من 105 إلى 112

سورة البقرة من 105 إلى 112

{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{105} مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{106} أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{107} أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{108} وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{109} وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{110} وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{111} بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{112}} البقرة.
بداية فإن اللفظ آية في القرءان الكريم لا يعني بالضرورة العبارة القرءانية الواردة بين فاصلتين، بل إن اللفظ "آية" المفرد لم يرد أبدا في القرءان ليدل على مثل هذه العبارة، إن الكتاب العزيز يستعمل كلمة "آية" مفردة بمعني الدليل أو البرهان أو الحجة أو العلامة أو الأمر المعجز أو الإنجاز المادي المبهر أو الأمر المثير للتفكير والتدبر والاعتبار أو ما تتضمنه وتشير إليه الظاهرة الكونية أو الواقعة التاريخية، فكل ظاهرة طبيعية مألوفة للناس هي بالضرورة آية إلهية، أما العبارات القرءانية فيشير إليها بكلمة "آيات" والتي تدل أيضا على المعاني التي تشير إليها العبارات، والتي يمكن أن يصل الإنسان إلى معرفتها بإعمال ملكاته فيها باتباع السبل والمناهج القرءانية.
قال تعالى:
{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون}[الأنعام:37]، {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}البقرة118{وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِين}[يونس:20] {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِين} [المائدة:114]
فمن الواضح هنا أنه ليس المراد بالآية العبارة القرءانية، ذلك لأن الرسول قد أُنزل عليه الكثير منها وجاءهم بالكثير منها، وإنما طلبوا أن يأتيهم أمر باهر معجز غير مألوف فصَّلته آيات القرءان الأخرى مثل: {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين} [الأنعام:35]
وقال: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} البقرة211
ومن البديهي أنه لم ينزل على بني إسرائيل عبارات قرءانية، وإنما المراد ما رأوه بأعينهم مما حاق بفرعون وآله ومما رأوه من موسى عليه السلام.
ومن الآيات القرءانية التي تبيَّن أنه ليس المراد بكلمة "آية" عبارة قرءانية:
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}البقرة248، {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة259، {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ}آل عمران13، {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}آل عمران41، {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}آل عمران49،{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[الأعراف:73]، {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)} الأعراف، {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون}[يونس:92] {وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيب}[هود:64]، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد}[الرعد:7]، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَاب}[الرعد:27]، {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}[النحل:11]، {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُون}[النحل:13]، {وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُون}[النحل:65]، {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون}[النحل:67]، {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}[النحل:69]، {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا}[الإسراء:12] {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا}[مريم:21]، {فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}[طه:47]، {وَقَالُوا لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى}[طه:133]، {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِين}[الأنبياء:91]، {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين}[المؤمنون:50]، {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفرقان:37]، {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُون}[الشعراء:128]، {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِين}[الشعراء:158]، {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل}[الشعراء:197]، {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِين}[العنكبوت:15]، {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِين}[العنكبوت:44]، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور}[سبأ:15]، {وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُون}[يس:33]، {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُون}[يس:37]، {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُون}[يس:41]، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)} الزخرف.
ولكل ذلك فإن كلمة "آية" في الآيات القرءانية لا تعني بالضرورة عبارة قرءانية، وإنما السياق هو الذي يحدد معناها كما هو بيِّن وواضح في الآيات السابقة، وكذلك الأمر في آيات سورة البقرة المذكورة.
فسياق الآيات يبيِّـن أن الله سبحانه قد اختص تلك الأمة برحمته طبقا لقوانينه وسننه إذ رأى أنها أصلح الأمم لحمل رسالة الحق عندما حان أوانها، ولقد كان القرن الإسلامي الأول عند حسن ظنه بهم وحملوا الرسالة إلى العالمين.
والآية رقم 106 من سورة البقرة التي يحتج بها القائلون بالنسخ وردت في سياق حديث موجه إلي المؤمنين يندد بالذين كفروا من أهل الكتاب ويحمل عليهم ويكشف للمؤمنين حقيقة موقفهم منهم ومما أنزل عليهم وحقيقة دوافعهم ويحذرهم من أن يكونوا مثلهم، فلقد عزّ علي هؤلاء أن ينزل كتاب علي الأميين يحل محل ما لديهم من أحكام وينسخها أمام أعينهم، فكل آية من آيات القرءان تتضمن حكماً شرعياً قد نسخت نظيرتها مما لديهم، والقرءان هو الآية التي نسخت ما كان قد أُنزل عليهم وأغنت عنه، وثمة شرائع أخرى لم يقصصها الله على رسوله واندثرت آثارها فبذلك أُنسيت، والآية رقم 106 تبين أن ما أنزله الله علي عباده لن يضيع أبدا، فلابد من آية تحل محل ما نُسِخ أو أنسي مما سبق نزوله، ولابد أن تكون الآية الجديدة أفضل أو علي الأقل مثل ما نُسخ أو أُنسي.
فالآية رقم 106 تبيِّن إذًا اتجاه تطور الشرائع، فلقد كان اتجاها صاعدا موجبا، ومن المعلوم أن الدين العام المنزل قد اكتمل بالإسلام، وأن الإسلام قد أخذ ينمو أيضاً أثناء البعثة النبوية إلى أن اكتمل وأُنزلت آية تنص على ذلك، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة3، وكل هذا يدحض مزاعم أعداء القرءان الذين يقولون إن المراد بالآية في الآية المذكورة هو الآية القرءانية دون أن يقدموا بين يدي زعمهم هذا أدنى دليل.
فالآية تتضمن شرطين ممكنين وجواب واحد للشرطين كما يلي:
1.     الشرط الأول هو نسخ آية بمعنى إزالتها ومحوها وإبطالها، والجواب هو أن يأتي الله تعالى بخيرٍ منها أو مثلها، والآية هي من آيات الكتب السابقة أو أحكامها فقد كان المسلمون ملزمون باتباع ملة إبراهيم وكانوا يعرفون منها أمورا وكذلك كانوا يأخذون ببعض أحكام أهل الكتاب مثلما هو الحال في موضوع القبلة وكذلك كانوا لا يقربون نساءهم في ليالي الصيام مثلما التزم بذلك الذين من قبلهم، فأتاهم الله تعالى بخيرٍ من ذلك في القرءان، والخيرية هي في اتجاه التيسير أو الاستجابة لأمانيهم وما يرضونه مثلما حدث في موضوع القبلة، ولا مجال للقول بأن النسخ يعني الإثبات أبدا أو بمعنى النقل من عند أهل الكتاب وإثباته، فهذا ما نفاه الله تعالى عن كتابه، وهو يتناقض مع جواب الشرط والذي يستلزم إذهاب عين الآية التي تعرضت للنسخ، فإذا كان النسخ هو نقل آية من الكتب السابقة وتثبيتها في القرءان فلماذا يأتي بخير منها أو مثلها؟
2.     الشرط الثاني هو إنساء آية، والجواب هو أن يأتي الله تعالى بخيرٍ منها أو مثلها، والإنساء الذي يستقيم معناه مع جواب الشرط هو ذهاب عين الآية التي تعرضت للنسخ حتى تحل محلها آية قرءانية خير منها أو مثلها، وهذا ما حدث مع الأحكام والآيات المنزلة التي اندثر العلم بها، ذلك لأن الله تعالى لم يتكفل بحفظها.
والآيات المذكورة من سورة البقرة وردت في إطار سياق عام هو السورة نفسها والتي من مقاصدها بيان كيف أن الله تعالى قد اصطفى بني إسرائيل لحمل رسالته إلى العالمين ففشلوا في ذلك وأن الأمة الإسلامية أصبح هي المنوط بها ذلك، وأن من لوازم ذلك أن يكون لديهم كتاب مهيمن على ما كان قبله وناسخا له عند التعارض وأن تكون لهم قبلة ظاهرية جديدة، وأن تكون لهم قبلة حقيقية هي وجه الله تعالى:
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} البقرة.
ويجب العلم بأنه ليس لدى عبيد النسخ من نص يقطع بأن المراد بالآية المنسوخة هنا هو الآية القرءانية، ولقد استعمل المصطلح (آية) في القرءان –كما سبق القول- للدلالة علي أمور عديدة، فاللفظ المفرد "آية" لم يرد أبداً في القرءان كإشارة للعبارة القرءانية بين نجمتين!!!، وإنما ورد بمعنى العلامة أو الدليل أو الأمر المادي المعجز أو الأعجوبة أو الإنجاز المادي الهائل أو الظاهرة الطبيعية أو العظة أو العبرة أو الحكم المنزل أو ما أُنزل بصفة عامة....الخ، والمراد بالمصطلح (آية) هاهنا هو ما كان لدى أهل الكتاب من كتابهم السابق وما كان لدى أتباع ملة إبراهيم عليه السلام من آثار هذه الملة مثل مناسك الحج مثلا.
-------
 إنه يجب العلم بأن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم، وهو آية ناسخة لما قبلها أي لما بين يديه من آية الكتاب الماضي إذ حل محلها وأخذ مكانها وتضمن من الآيات ما هو خير مما نسخ أو ما هو مثلها، كما حلَّ محلَّ ما اندثر من الآيات التي تلقاها الأنبياء قبل ختم النبوة، ولقد جاءت الآية {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة106 في سياق الرد على أهل الكتاب الذين عزّ عليهم أن يروا آية كتابهم تنسخ أمام أعينهم ويستبدل بها غيرها وهو آية القرءان، فاستبشعوا ذلك وغاظهم إذ كانوا ومازالوا يظنون أن الإله خاص بهم وحدهم وأن شريعتهم لا يمكن أن تنسخ وأنها خاصة بهم وحدهم ليتعالوا بها على الناس، وذلك هو سبب إنكارهم للنسخ، فالقرءان هو الآية المنزلة التي لم يكن أهل الكتاب ولا المشركون يودون نزولها، فهي الخير الذي يحسدونهم عليه، هذا هو التفسير المتسق مع السياق والذي يقتضيه السياق، وبالطبع فأهل الكتاب والمشركون لا يعنيهم في شيء الأمور الجزئية داخل الكتاب الذي يرفضونه أصلا. 
ولا يدرى أحد كيف استساغ بعض السلف استخدام هذه الآية لإثبات أن الكتاب به آيات منسوخة إما بواسطة آيات أخرى أو بالمرويات الظنية أو بالإجماع!! ألم يقرؤوا آيات الكتاب المنذرة: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{40} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42} مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ{43} وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قرءاناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ{44} وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{45} مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{46} فصِّلت
-------
إن هذه الآيات تحذر المؤمنين تحذيراً شديداً من الذين كفروا من أهل الكتاب وتكشف عن حقيقة مشاعرهم تجاههم بعد أن رأوا شريعتهم تنسخ أمام أعينهم وبعد أن تأكدوا أن النبي المنتظر لم يكن منهم، ومن العجب أن ينتزع بعض المحسوبين على المسلمين جزءا من آية من سياق هذه الآيات ليتخذوها حجة للقول بأن القرءان ينسخ بعضه بعضا، ومن بعد أن استمرأ الناس هذا الإفك ولم يعودوا يستبشعونه زعموا لهم أن المرويات الظنية ثم الإجماع يمكن أيضاً أن ينسخ الآيات القرءانية!!! وهكذا أعطى هؤلاء الضالون لأنفسهم الحق ليضربوا القرءان بالقرءان وبغير القرءان وليلقوا بظلال من الشك والريبة حول آياته، لذلك بدلاً من أن يقرأ المسلم القرءان ليتدبر آياته فإنه يضطر إلى الوقوف عند كثير من آياته ليتساءل عن حالتها من حيث مسألة النسخ، وقد يُعجب المرء إعجاباً خاصاً بآية معينة ويخشع قلبه لما فيها من سموّ المعاني ثم يتلقى الصدمة الهائلة عندما يعلم أنها منسوخة!!! هذا فضلاً عن التحريف الهائل الذي لحق بالدين كنتيجة لفرض المفهوم الاصطلاحي للنسخ عليه ولجعل المسلمين بحاجة إلى كهنوت ليفتيهم في أمر النسخ، إن مفهوم النسخ قد حرفه شياطين الإنس والجن عمداً ليفتكوا بالرسالة الخاتمة وليعطوا لأعداء الدين سلاحاً ليطعنوه به.
-------
إن الآية رقم 106 من سورة البقرة وردت في سياق آيات تكشف حقيقة مواقف ومشاعر أهل الكتاب تجاه المسلمين، وهذه المجموعة المذكورة من الآيات وردت كذلك في سياق مجموعة أكبر من الآيات لها نفس المقصد، ومن المعلوم أن من المقاصد الرئيسة لسورة البقرة إعلان بني إسرائيل بالحكم النهائي الصادر عليهم وأن دورهم كحملة للرسالة قد انتهى وأنه قد استبدل بهم غيرهم، ولقد اقتضى ذلك نسخ أحكام رسالتهم بالرسالة الجديدة، فالآية هاهنا هي جماع ما لديهم من الأحكام الشرعية، ولقد قال الله في مطلع سورة النور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{1} ثم أخذ يذكر أحكاماً شرعية في آيات عديدة اختتمها بقوله: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18}، ثم شرع في بيان أحكام أخرى اختتمها أيضاً بقوله: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ{34}، فالأحكام الشرعية وكذلك العبر والمواعظ هي آيات للناس؛ ذلك لأن من المعاني الأصلية للمفردة آية العلامة، والآيات علامات على الصراط المستقيم، فبالأحكام الشرعية يتعرف الناس على الصراط المستقيم، بل إن تلك الأحكام هي التي تحدده وتعينه وترسمه.
إن الآية 106 من سورة البقرة وردت في سياق كشف نوايا ومقاصد أهل الكتاب بعد ما تبيَّن لهم أن القرءان قد جاء ناسخاً لما عندهم وكانوا يظنون ومازالوا إلى الآن يعتقدون أن كتابهم لا يمكن أن ينسخ، فالقرءان هو آية الله التي جاءت ناسخة لما عندهم، والآية تبين سنة إلهية وهي أن الآية الناسخة هي أفضل بصفة عامة مما نُسخ أو أُنسى، فالقرءان خير مما لديهم فهو ناسخ لما عندهم منسٍ لما لديهم، ولقد استمرت الآيات من بعد تكشف أمر أهل الكتاب.
وهي أيضاً تبيِّن للمشركين من أهل مكة الذين كانوا يظنون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام أن الآية القرءانية التي تنزل على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي أفضل مما لديهم، وبالتالي فإنه من الخير لهم اتباع القرءان، والآية حجة على الضالين من أهل اللاسنة الذين يؤمنون إيماناً راسخا بأن المرويات الظنية يمكن أن تنسخ آيات القرءان، وقد يستبشع المسلم الباقي على أصل الفطرة هذا القول ولا يصدقه، ولكن للأسف هذا هو الواقع المرير، وباختلاقهم إفك القول بالنسخ فإنهم زعزعوا الثقة بالقرءان كمصدر أوحد لأمور الدين الكبرى وأحلوا المرويات محله، وبالتالي أحلوا مذاهبهم محلّ دين الحق.
فتلك الآية بريئة مما افتعلوه من مفهوم للنسخ، ولقد كان النسخ كما اصطلحوا عليه من أبرز وأخطر الإلقاءات الشيطانية التي ساهمت في انهيار الأمة والقضاء عليها وفى تحريف الدين، وهو إلي الآن العقبة الكئود في سبيل تطهير الدين وإنقاذ الأمة، ولقد حاول القائلون بالنسخ ليّ عنق الآية لتلائم ما زعموه فقالوا إن نسخ الآية يعنى نسخ حكمها مع بقاء رسمها في الكتاب ليتعبد به، مع أن النص هنا يتكلم عن نسخ الآية ذاتها وليس عن نسخ حكمها فهم بذلك يزعمون أن النص الحقيقي للآية يقول: ما ننسخ من حكم آية أو ننسه نأت بخير منه أو مثله، وهم بذلك يستدركون على ربهم ويحرفون معنى النص ودلالاته، كما أن التعبد بآية تتضمن حكما إنما يكون بإنفاذ هذا الحكم وليس بمجرد النظر إلي رسمها أو التكرار الببغائي لها أو بالتغني بها علي الناس ليتصايحوا إعجابا ويجودوا بدريهماتهم ثم ينصرفوا إلي حال سبيلهم.
ومن كل هذا يتضح أن الآية ليست بقطعية الدلالة على المعنى الذي أرادوه مع خطورة الزعم الذي افتعلوه، وبالتالي يصبح زعمهم لا قيمة له أصلا، إنهم بزعمهم هذا يجعلون الكتاب المبين غير مبين بل يجعلونه مصدر حيرة وتخبط ولبس، وهو يصبح بالضرورة بحاجة إلى ما يبينه رغم النص فيه على أنه مبين وتبيان لكل شيء، هذا مع العلم بأن القول بأنه توجد آيات ناسخة وآيات منسوخة يتضمن تفريقاً بين الآيات والتسليم بوجود اختلافات وتناقضات فيما بينها.
والدليل التاريخي واضح وضوح الشمس، فما إن ظهر هذا الزعم في أواخر القرن الثاني الهجري إلا وأخذ رجال الكهنوت يتنافسون في استعراض عضلاتهم اللافقهية واللغوية أو بالأحرى جهالاتهم لاكتشاف الآيات المنسوخة حتى أوصلها بعضهم إلى مئات الآيات ثم تمادوا حتى تفوق بعضهم على نفسه واكتشف أن نفس الآية قد تحتوى على أجزاء منسوخة وأجزاء غير منسوخة أو قد ينسخ آخرها أولها أو أن الآية السابقة تنسخ اللاحقة ثم تمادوا إلى أن زعموا بأن المرويات الظنية تنسخ الآيات المحكمة، ثم تمادوا إلى أن زعموا أن إجماعهم يمكن أن ينسخ الآيات!!، وهكذا أصبح القول بالنسخ هو أول ما يبادر إليه كل من تخيل اختلافاً في القرءان بل وأصبح هو الحل الأهون والأسهل لكل من وجد آية تناقض ما فقهه هو من آية أخرى أو تناقض ما عليه مذهبه، وكل ذلك وعلماء الأمة ومعها باقي الأمة في غمرة ساهون وقد تركوا رجال الكهنوت يصدون الناس عن كتاب ربهم ويحولون بينه وبينهم.
وإلى الكهنوت والنفايات البشرية وعبيد النسخ هذه الأسئلة: كيف يكون مجرد رسم بعض الكلمات وصيغتها اللفظية آية يتحدى بها الله تعالي الإنس والجن؟ أم كيف يمكن أن يتعبد الإنسان بترديد عبارة ينكر أن يكون لها أي حكم أو مضمون أو مدلول بالنسبة إليه؟ وهل لديهم من نص قطعي الورود والدلالة يستندون إليه في زعمهم بأن المرويات يمكن أن تنسخ الآيات؟ أم كيف تُحكَّم المرويات الظنية أو إجماعهم المزعوم في كتاب الله تعالي الذي يؤمنون هم بأنه قديم غير مخلوق؟ ألا يتضمن مسلكهم هذا كفراً بالآيات أو على الأقل تكذيباً لها؟ إن أمثال هؤلاء قد حقّ عليهم القول: (رُبَّ قارئ للقرءان والقرءان يلعنه)، ولقد أوقع الزعم بالنسخ تلك الأمة في الظلمات والمهالك ودفعها إلى إهمال العمل بكثير من الآيات التي تعتبر مفخرة لهذا الدين وهى أسمى ما يمكن أن يحكم الحضارة الإنسانية مثل تلك الآيات التي تتضمن حرية الاعتقاد والتسامح والإخاء الإنساني والتعايش السلمي وحرية الإرادة والاختيار والدعوة إلى الله تعالى بالوسائل السلمية الشريفة السامية مثل الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وتجعل القتال مشروعا فقط لرد العدوان ومقامة الاضطهاد الديني ولاسترداد الديار المنهوبة، ولقد ضرب الكهنوت بكل تلك الآيات عرض الحائط بالزعم بأنها منسوخة بآية السيف التي اختلفوا هم فيها، وهكذا قسموا العالم إلى دارين لا ثالث لهما دار إسلام ودار حرب، وأعطوا المبرر لطواغيتهم ليسلوا السيوف على كل من جاورهم من الأمم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إعداد الدعاة وإرسالهم إلى تلك الأمم التي كانت متعطشة إلى اعتناق رسالة سماوية، وفى حين أن هؤلاء الطواغيت كانوا يحاربون الإسلام في البلاد التي ابتليت بتسلطهم وينكلون بالعباد المخلصين ولا يعملون علي الدعوة إليه بين الشعوب التي أخضعوها فإنهم شنوا على العالم كله حروبا باسم الإسلام فألَّبوا الأمم عليه وصدوهم ببغيهم عنه، ولقد دفع المسلمون وهم الآن يدفعون من كرامتهم ودمائهم ثمن أخطاء أسلافهم.
-------
إن كثيراً من آيات القرءان يكتسب معاني جديدة بالنظر إلى ما سبق تلك الآيات من آيات وبالنظر إلى ما لحقها بالإضافة إلى معانيها الخاصة بها، ولذا فبالنظر إلى الآية: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{108} البقرة، فإنه يتبين أن قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يلحون دائما عليه في أن يأتيهم بآية مادية حسية أي بأمر خارق للعادة والمألوف يكون برهانا على صدق رسالته، ولقد فصَّل القرءان بعض ما كانوا يطلبونه، لذلك فإن الآية رقم 106 من سورة البقرة تبيِّن أيضاً أن ما نسخ هو استخدام أمثال تلك الآيات كبرهان على صدق الرسالة، ولقد صرح القرءان بذلك وفصَّله في آيات أخرى، ولا يعنى هذا بالضرورة أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن مؤيدا بالآيات المادية بل كان مؤيدا بها، ولكنه لم يقصد بها التحدي والإلزام رحمة بأمته، وإنما كانت تثبيتا لمن آمن وحلا لمشاكل عارضة وتبشيرا بحتمية انتصار الدعوة وظهور دين الحق، ولقد سكت عنها القرءان لأنه كان فاتحة عصر تمام استخلاف الإنسان في الأرض؛ عصر العقل، ووجودها في الكتاب كان سيدفع الكثيرين خاصة في هذا العصر مثلاً إلى الكفر به، فكان السكوت عنها من مقتضيات كون هذه الرسالة رحمة للعالمين.
=======
فالمنسوخ هو أحكام من الشرائع السابقة التي يمكن أن يكون المسلمون قد عملوا بها لفترةٍ ما قبل نزول الآيات القرءانية الناسخة، والناسخ هو ما أنزله الله تعالى من آيات القرءان، وهذا ما كان يؤلم الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، قال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} [البقرة:105]، ولا يمكن أن انسخ آيات القران بعضها بعضًا، ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار.

ومن الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة ثم نسخها القرءان: اتخاذ المسجد الأقصى قبلة، الرفث إلى النساء في ليالي الصيام، بعض أحكام القصاص.
*******
إن آية البقرة 106 تتضمن جوابا واحدا لشرطين مستقلين ممكنين، أما الشرطان فهما: 1. نسخ الآية، 2. جعل الآية تُنسى، أما الجواب فواحد، وهو أن يأتي الله بآية أفضل من الآية المنسوخة أو مثلها، وبالطبع لا معنى للإتيان بالآية البديلة في وجود الآية المنسوخة أو التي أنسيت.
وهذه الآية وردت في سياق حديث عن أهل الكتاب (اليهود) وأعمالهم بعد أن رأوا بأعينهم آيات شريعتهم تُنسخ بآيات القرءان، وقد كان لديهم اعتقاد راسخ –ومازال- بأن شريعتهم لا تتغير وأن كل نبي ملزم بالعمل بها وحدها، وهذا ما كان عليه أنبياؤهم بالفعل، فالآية المنسوخة هي من شريعة أهل الكتاب أو من بقايا ملة إبراهيم عليه السلام التي قد تكون قد تعرضت للتحريف، ولا يوجد أي دليل على أن المقصود هاهنا آية قرءانية، فكلمة آية لها معانيها القرءانية العديدة، واللفظ المفرد "آية" لم يرد أبداً في القرءان كإشارة للعبارة القرءانية بين نجمتين!!!، وإنما ورد بمعنى العلامة أو الدليل أو الأمر المادي المعجز أو الأعجوبة أو الإنجاز المادي الهائل أو الظاهرة الطبيعية أو العظة أو العبرة أو الحكم المنزل أو ما أُنزل بصفة عامة....الخ، والمراد بالمصطلح (آية) هاهنا هو ما كان لدى أهل الكتاب من كتابهم السابق.
والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، ولا يجوز الاستناد إلى المرويات الظنية للزعم بأن في القرءان آيات منسوخات، وكل زعم بأن آيةً ما منسوخة يمكن دحضه بسهولة متناهية، والقول بأن في القرءان آية منسوخة يتضمن الزعم بأن في القرءان اختلاف لم يجدوا من سبيل إلى دفعه إلا الزعم بوجود النسخ، وقولهم هذا يتضمن تكذيباً بما ذكره الله تعالى من أنه لا اختلاف في القرءان لأنه من عنده، كما أن هذا القول يتضمن كفرا بمعنى الآية ومعناها وحكمها، ومن كفر ببعض الكتاب يوشك أن يكفر به كله، ذلك لأنه كفر لا محالة بالمنهج القرءاني، فالقائل بأن في القرءان آيات منسوخة هو هالك هلاكاً متعدد الأبعاد.
ونسخ حكم من أحكام الشرائع السابقة التي أخذ بها المسلمون قبل نزول الحكم الناسخ هو بالطبع في اتجاه التخفيف والتيسير ورفع العنت مثل السماح بالرفث إلى النساء في ليالي الصيام أو جعل الجلد عقوبة لاقتراف الزنى بدلا من الرجم، وكذلك هو من باب رد الأمور إلى أصولها، ومن ذلك تغيير اتجاه القبلة من المسجد الأقصى إلى أول بيت وُضع للناس؛ أي المسجد الحرام.
ورغم أن هذه الآية تقول إن نسخ الآية يكون بخير منها فقد نسخ الذين كفروا بالقرءان آيات القرءان (وهي غير قابلة للنسخ أبدا) بمرويات ظنية أو بآية لا وجود لها، فهل المروية الظنية أو العدم خير من آيات القرءان؟؟!
ورغم أن كتب أهل الكتاب حافلة بالاختلافات والتناقضات حتى في العقائد فإنهم يؤمنون إيماناً لا يتزعزع أن كتبهم وحي إلهي لا نسخ فيه!!! فلم يتجرأ على القول الكفري بوجود نسخ في كلام الله إلا المحسوبون على الإسلام!!!
*******
في العربية هناك فرق بين (فعل) وبين (استفعل)، فهناك فرق بين (قلّ) و(استقلّ) مثلا، والنَّسْخ لغوياً هو إِبطال الشيء أو إزالته وإِقامة آخر مقامه، وهو غير الاستنساخ، وهو اكتتاب كتاب عن كتاب حرفاً بحرف، أو التسجيل الدقيق للقول أو الفعل، ولذلك عندما ينسخ الله تعالى آية سابقة أو ينسها (يجعلها تندثر) فإنه يأت بخير منها أو مثلها! وعندما ينسخ الله ما يلقي الشيطان فهو لا ينقل عن الشيطان إلقاءاته وإنما يمحوها بآية محكمة من عنده!
والنسخ ورد في الآيتين: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة106، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الحج52، وهو فيهما بمعنى المحو والإبطال، فلم يرد في القرءان أبدا استعمال "النسخ" بمعنى النقل أو الإثبات.
والآية "البقرة 106" تتضمن جوابا واحدا لشرطين ممكنين، فتحقق أي شرط يستلزم نفس الجواب، لا ريب في ذلك، والجواب هو أن تأتي آية بديلا لما تم نسخه أو إنساؤه، ولا بد أن تكون خيرا مما نسخ أو على الأقل مثله، فلا يمكن أن يكون معنى النسخ هو الإثبات بأي حالٍ من الأحوال أو النقل من شريعة سابقة! وبالطبع لا يمكن أن يظل النص المنسوخ مع الآية التي نسخته في نفس الكتاب!
أما الاستنساخ فقد وردت فيه الآية: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} الجاثية29، فالمراد هنا الإثبات والتسجيل الدقيق لأعمالهم.
فلم يرد الفعل "نسخ" إلا في آيتي البقرة والحج وهو فيهما بمعنى "أزال" كما هو واضح! ولم يرد أبداً في القرءان بمعنى "أثبت".
وإضافة "است" للفعل تغير معناه كما هو معلوم، لذلك فالفعل "استنسخ" والذي يعني تسجيل وعمل نسخة Copy فقد ورد مرة بصيغة الجمع المتكلم أي "نستنسخ".
*******
إن آية البقرة 106 لا علاقة لها بتعريفهم المحدث للنسخ، وهذه الآية لها تفسيرات أخرى تتفق مع سياقها، واللفظ (آية) لا يعني بالضرورة آية قرءانية، ذلك لأن له معانيه العديدة طبقاً للمصطلح القرءاني، فهي تعني حجة أو علامة أو معجزة مادية أو إنجاز باهر أو برهان مبين....، وكل كتاب منزل هو آية، وكذلك الأمر بالنسبة لقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل101، إن اللفظ المفرد "آية" لم يأت في القرءان أبداً للدلالة على العبارة القرءانية الماثلة بين نجمتين، كما أنه لم يرد ما يدل على أن المقصود هو حكم الآية، ومع ذلك فقد تمادوا في الضلال وأصبح النسخ يعني عملياً نسخ حكم جزء من آية، وإني أقول لك مسبقاً:  إنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بآية من القرءان يقولون إنها كلها منسوخة لما استطاعوا.
*******
إن الآية التي يستندون إليها في زعمهم الخاص بالنسخ تقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{106} البقرة، وهذه الآية لها تفسيرات أخرى تتفق مع سياقها، واللفظ (آية) لا يعني بالضرورة آية قرءانية، ذلك لأن له معانيه العديدة طبقاً للمصطلح القرءاني، فهي تعني حجة أو علامة أو معجزة مادية أو إنجاز باهر أو برهان مبين، أو آية من الكتب السابقة....، وكل كتاب منزل هو آية، وكذلك الأمر بالنسبة لقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}النحل101، إن اللفظ المفرد "آية" لم يأت في القرءان أبداً للدلالة على العبارة القرءانية الماثلة بين نجمتين، كما أنه لم يرد ما يدل على أن المقصود هو حكم الآية، ومع ذلك فقد تمادوا في الضلال وأصبح النسخ يعني عملياً نسخ حكم جزء من آية، وإني أقول لك مسبقاً:  إنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بآية من القرءان يقولون إنها كلها منسوخة لما استطاعوا.
*******
إن سنة التطور تقتضي أن يكون لكل لشريعة أجلها المعلوم، والذي بعد انتهائه تظهر وتسود شريعة أخرى أعظم إحاطة ومواءمة لمتطلبات العصر إلى أن يُختم الأمر بالشريعة الكاملة، قال تعالي: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(106)} (البقرة)، وذلك ردا علي بني إسرائيل الذين استبعدوا أن يُنسخ ما لديهم وأن يستبدل بهم غيرهم لحمل الرسالة الإلهية إلى الناس، لذلك فإنه يتحتم على معتنقي الشرائع والمذاهب المنسوخة أن يقروا بسنة التطور وأن يعتنقوا الشريعة الجديدة وأن يتخلوا عن الشرائع المنسوخة وإلا فإن أئمتهم يصبحون آلات بأيدي أعوان إبليس من شياطين الجن، وشيئا فشيئا يصبحون هم شياطين الإنس والدعاة الى أبواب جهنم، ولقد أخذ الله ميثاق كل النبيين علي أن يؤمنوا بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ما جاءهم ولينصرنَّه فأولي بذلك من ادعي اتباع بعض هؤلاء النبيين، ولقد اقتضي ذلك أن يكون الدين الخاتم مصاغاً بحيث يكون له عطاء دائم متجدد في كل عصر، كما اقتضت سنة التطور ألا يقدِّم رجال عصر سابق الحلول لمشاكل عصر لاحق، وهذا لا يقدح في مراتب السلف الصالح، ولذا فعبادة الأسلاف لن تجلب علي العابدين في الدنيا والآخرة إلا الخسران المبين، وستعرِّض هؤلاء الأسلاف للمساءلة من رب العالمين أمام البشر أجمعين توبيخاً لمن اتبعهم بغير برهان مبين.
*******
إنه حتى ولو افترض –وهو افتراض باطل- أن اللفظ "آية" في قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106، فإن ما نُسخ أو أنسي لم يعد له وجود لا في الكتاب المقروء ولا في الكتاب المرقوم، والمنسي لم يعد له ذكر، أما المنسوخ فلقد أزيل وإن بقي له ذكر بطريقة ما قد تتضمنه الآية الناسخة، والآية لا تعني بالضرورة الجملة أو العبارة القرءانية طبقا لنصوص القرءان ذاته، فالقرءان المحفوظ ذو الذكر لا يتضمن آية نسخت أو أنسيت وإنما يتضمن آيات ناسخة لما قبلها.
*******
إن الله تعالى قد ذكر بالفعل أنه ينسخ الآيات الكونية، وهذا هو قانون التطور، قال تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{106}} البقرة، فالآية مأخوذة بمفردها تشير إليه، ولكنها في سياقها تدل على أن المنسوخ هو ما كان لدى أهل الكتاب والأمم السابقة من أحكام وأوامر دينية، وذلك الذي أثار اليهود عندما رأوا الآيات تنزل على المؤمنين ناسخة ما لديهم، قال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{105} مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{106} أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{107} أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{108} وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{109} البقرة.
ولكن المنافقين ممن ادعى الإسلام من أحبار اليهود تمكنوا من خداع السلف واستعملوا الآية التي تنسخ ما لديهم لنسخ آيات القرءان التي نسخت ما لديهم!!!
*******
قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة 106
إنه ليس لدى أحد من نص قطعي الدلالة على أن المراد بمصطلح "آية" هو العبارة القرءانية، ذلك لأن هذا المصطلح استعمل بالفعل للدلالة على أمور كثيرة مذكورة في القرءان، وليس لدى أحد أي برهان ولو ضعيف ولا حجة ولو واهية لإثبات أن المراد بهذا المصطلح هنا هو آية قرءانية، فلماذا هذا الإصرار الغريب والعنيد على أن الآية المنسوخة أو المنساة هي آية قرءانية؟ لماذا تكون المحدثات في الدين هي الأكثر رسوخاً عند العامة حتى عند من لا يكاد يعرف شيئاً عن دينه ولا يكاد يفقه شيئاً في أي شيء؟ إن المحسوب على الإسلام الذي يمارس أبشع درجات الشرك الغليظ والذي يتصف بأسوأ درجة من سوء الخلق يؤمن إيماناً لا يتزعزع أن في القرءان آيات منسوخة، من أين أتاه كل هذا اليقين؟ هل الشيطان بارع إلى هذه الدرجة أم أن أَكْثَرَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ولا يَعْقِلُونَ ولاَ يُؤْمِنُونَ ولاَ يَعْلَمُونَ ويَجْهَلُونَ وإِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ وإِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً؟
قال تعالى متحدثاً عن قوم عاد: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ{128}}، فهل كانوا يبنون آية قرءانية؟ وقال {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة259، فهل جعله آية قرءانية؟ وقال حاكيا عن زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ }آل عمران41، ولقد بيَّن له آيته، وهي كما هو واضح ليست آية قرءانية، وقال: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }المائدة114، والمائدة ليست آية قرءانية.....
*******
لا يجوز القول بأن كل المسلمين متفقون على حدوث النسخ في القرءان، فهذا القول هو الباطل المحض، ولكم استعملت العبارة: " وقد أجمع المسلمون على ذلك" لتمرير أمور أعوزهم فيها البرهان المبين ولقد تدرج التشريع بالطبع أثناء العصر النبوي، ولكن ظلت آيات القرءان بمنأى عن التبديل والنسخ، أما آية سورة البقرة فقد وردت في سياق الحديث عن سلوك اليهود الذي صدموا عندما نزل على الأميين كتاب ينسخ ما لديهم،  وكلمة آية في القرءان الكريم لا تعني بالضرورة العبارة القرءانية وإنما لها معاني عديدة يمكن لأي قارئ للقرءان أن يستخرجها لنفسه، وهي في آية سورة البقرة:  {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة106 تعني شيئا من الوحي السابق أو الذي حدث أثناء البعثة وكان معلوما أنه حكم مؤقت، وبالطبع لا وجود لشيء من ذلك في القرءان أصلاً، وعلى سبيل المثال كان المسلمون على قبلة أخرى لا نص عليها في القرءان، ولا توجد آية في القرءان تدل عليها أو تشير إليها، فتحديد هذه القبلة كان إما اتباعاً لملة إبراهيم عليه السلام وإما بوحي سابق، وعلى العموم فالرسول ومعه المؤمنون بالطبع كانوا مأمورين باتباع ملة إبراهيم إجمالا، فالقرءان فيه الآية التي تتضمن الحكم الناسخ؛ أي الاتجاه شطر المسجد الحرام، اقرأ الآيات الآن، ومن الواضح أن الهدف كان ألا يرتاب المؤمنون من بعد في القرءان وأن يعلموا أن لكل آياته المصداقية الكاملة وألا يرون نفسهم ملزمين بالرجوع إلى كهنوت، ولقد تمكن اليهود من استغلال فترة وضع المرويات التي امتدت أكثر من قرنين كاملين ليدسوا في التراث الإسلامي كل ما يشاءون، وتمكنوا بذلك من استعمال السلاح -الذي أجهز على غرورهم واعتدادهم بأن كتابهم لا ينسخ- ضد الكتاب العزيز الناسخ لما لديهم، ومن يوم أن آمن المسلمون بأن كتابهم ينسخ بعضه بعضا وهم في تدهور مستمر، والقول بالنسخ هو أمضى سلاح يستخدمه الآن ألد أعداء الإسلام ضد الإسلام.
ولم يستطع أيٌّ من شياطين الإنس والجن مطلقاً أن يثبت أن في القرءان آية كاملة منسوخة، ولذلك زعموا الآن بلا أي دليل على أن المراد حكم الآية!!!!!!!! فمن أين جاءوا بلفظ الحكم مع أن الآية القرءانية التي استندوا إليها تقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106، فهم بذلك يستدركون على رب العالمين ويقولون إنه أراد حكم آية وليس آية، ولقد قال الله عن نفسه: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً }مريم64، {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى }طه52.
ومع ذلك فإنهم عجزوا أيضاً عن أن يأتوا بآية يكون كل ما فيها منسوخا، فأصبح النسخ يعني ضمناً ودون أي دليل نسخ حكم جزء من آية، ومن هذا يتبين أن ثمة قوى شيطانية كانت تريد أن تلصق إفك النسخ بالقرءان مهما كان الثمن، وبالطبع فإن موضوع الخمر هو أهون من ذلك بكثير، ولا يجوز أن تسمى الآيات التي ذُكِر فيها الخمر بآيات الخمر، ورغم أن الإسلام قد أكد على تحريم الخمر لأنها محرمة أصلا في ملة إبراهيم فإنه لم ينزل لمجرد تحريم الخمر وإنما لتحقيق مقاصده العظمى، وما تحريم الخمر إلا وسيلة جزئية من وسائل تحقيق المقاصد العظمى، وإلى عبيد السلف هذا التحدي: من هو أول من وضع اصطلاح النسخ بمعناه هذا؟ وما هو النص قطعي الدلالة الذي لا يمكن أن يكون فيه أدنى شك على هذا الاصطلاح؟ ائتوا بأية آية يجب القطع بأنها منسوخة بينما هي موجودة في القرءان، أو ائتوا بأية آية يكون كل حكم فيها منسوخا.
إن الذي نُسخ هو حكم كان ملزماً للناس من قبل وورد في شريعة أخرى؛ فلا نسخ في القرءان، فالمراد بما نُسخ في قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة106 هو حكم ديني في شريعة سابقة، أي أن الآية المنسوخة أو المنساة هي نص أو حكم ديني في شريعة سابقة، أما القرءان فهو يتضمن الآية الناسخة أو الحكم الناسخ.
*******
إن الآية 106 وردت في سياق حديث عن أهل الكتاب الذين ساءهم أن يروا بعض أحكام دينهم تنسخ بشريعة جديدة، وقد كانوا يظنون ولا يزالون أنها غير قابلة للنسخ، فهم الذين أثاروا اللغط الذي ستذكره الآيات.
والقرءان يتضمن آيات الأحكام الناسخة لبعض أحكام الشرائع السابقة في اتجاه التخفيف والرحمة ووضع الإصر والأغلال عن الناس (أي إزالة للإصر والأغلال عنهم) والذي ذكر ذلك هو الله تعالى نفسه في كتابه العزيز، أرجو أن تقرءوا كتاب ربكم!
*******
إن القول بالنسخ بالمعنى الكفري المحدث سبق البحث عن أدلته، فلقد قالوا بشرعية النسخ ثم بحثوا له عن شرعيته في القرءان مثلما فعلوا فيما يختص بما يسمونه بالإجماع كأصل من أصول التشريع، والآية التي يستدلون بها تقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة106، فهم قد قطعوا بأن المراد باللفظ "آية" هو آية قرءانية، وهذا مجرد رأي شخصي لا يوجد عليه أدنى دليل؛ فاللفظ المفرد "آية" المفرد لم يُستعمل في القرءان أبداً للدلالة على العبارة القرءانية الماثلة بين علامتين، ومن السهل على كل مسلم الآن أن يستخرج المراد باللفظ "آية" عندما يُذكر في القرءان، وبافتراض أن ذلك حدث فمن البديهي ألا يكون هناك وجود للعبارة القرءانية المنسوخة أو المنساة في القرءان؛ أي كان من المفترض ألا تُكتب أو تُدوَّن بعد إزالتها أو بعد أن أُنسيت، هذا بالإضافة إلى أن الآية التي ألحدوا فيها تتضمن شرطاً وجوابه ولا تقطع بأن ذلك قد حدث بالفعل مع آيات القرءان، لكل هذا فدليلهم باطل أو على الأقل قد تطرق إليه الاحتمال فبطل به الاستدلال.
وقالوا: "واختلف العلماء فقيل لا ينسخ القرءان إلا بقرءان لقوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" قالوا ولا يكون مثل القرءان وخيرا منه إلا قرءان، وقيل بل ينسخ القرءان بالسنة (المرويات) لأنها أيضا من عند الله، قال تعالى: وما ينطق عن الهوى"، ولكن الذين غلبوا على أمرهم هم من قالوا بنسخ آيات القرءان بالمرويات، وهذا مما يثبت ضلالهم المبين، فإذا كان دليلهم على وقوع النسخ هو هذه الآية، فكان يجب أن يسلموا بأن الناسخ يجب أن يكون آية أيضاً خيراً منها أو مثلها، ولكن لو اكتفوا بذلك لما كان للنسخ معنى ولا جدوى، ولكنهم تدرجوا في إفساد الأمة، فبدئوا مسعاهم الشيطاني بتوطينهم على قبول واستساغة هذا الإفك المبين، فلما استمرءوه قالوا ولماذا لا تنسخ المرويات المنسوبة إلى الرسول آيات القرءان أيضا؟ فلما قيل لهم: وهل هذه المرويات آيات؟ وهل من الممكن أن تكون خيرا من آيات الله تعالى؟ قالوا وهل كان الرسول ينطق عن الهوى؟؟ فلما قيل لهم: وماذا في حالة الاختلاف الصارخ بين آيات القرءان وبين ما يسمى بالسنة (المرويات)؟ قالوا: "أتنكر أن (السنة) هي الوحي الثاني؟ ألا ترى أن القرءان مبهم يحتاج إلى توضيح ومطلق يحتاج إلى تقييد ومدمج يحتاج إلى تفصيل وغامض يحتاج إلى تبيين؟ إن السنة هي التي ستتولى كل ذلك، ولذلك أيضا فإن القرءان هو الذي في أشد الحاجة إليها، ويجب بالتالي أن يكون لها الحكم والقضاء عليه"، فلما أراد من أصَّل نظرية نسخ الآيات بالآيات الاحتجاج على مسلكهم سلقوه بألسنة حداد وجعلوه عبرة لكل من ستسول له نفسه من بعد الاحتجاج، وهكذا أصبح من الممكن وضع مرويات تقوِّض آيات القرءان واتخذوا القرءان مهجورا.
لقد كان إفك القول بوجود آيات قرءانية منسوخة من كبائر المحدثات في الدين، قالوا به ثم حاولوا فرضه على القرءان الكريم، وقد كان قديما أمضى سلاح استعمل ضد الإسلام لحساب المذاهب التي حلَّت محله، وهو الآن أيضاً أمضى سلاح بيد أعداء الإسلام ضد الإسلام، إن الشيطان مدين بالكثير لمن هم أضل من الأنعام!

*******



هناك 4 تعليقات:

  1. افحمت و أقنعت دكتور جزاك الله عنا خيرا.

    ردحذف
  2. يوم جيد شعبي في المملكة العربية السعودية

    شهادة على كيف حصلت على قرض لشراء منزل من شركة حقيقية وديعة حقيقية دعا شركة القرض ألباكر. أنا سعيد جدا اليوم و الله صلى الله خوسيه لويس قرض الشركة.
    ،
    اسمي عبد الله أنا من مدينة الرياض لقد تم البحث عن شركة قرض حقيقية على مدى 5 أشهر، لشراء منزل
    كل ما حصلت عليه كان حفنة من الحيل الذي جعلني أن أثق بهم وفي النهاية
    من اليوم، أخذوا أموالي دون إعطاء أي شيء في المقابل، كل شيء
    فقدت أملي، وحصلت على الخلط والإحباط، وأنا لم أكن أريد أن يكون أي علاقة مع شركات القروض على شبكة الإنترنت، لذلك ذهبت إلى اقتراض بعض المال من
    صديق، قلت لها كل ما حدث وقالت انها يمكن أن تساعدني، ذلك
    أنها تعرف شركة القرض التي يمكن أن تساعدني مع أي مبلغ من القروض
    التي يحتاجها لي مع معدل فائدة منخفض جدا من 2٪، أنها حصلت للتو
    قرض من لهم، وقالت انها وجهت لي على كيفية التقدم بطلب للحصول على القرض، فعلت
    تماما كما قالت لي، وأنا تقدمت معهم على البريد الإلكتروني: (albakerloanfirm@gmail.com) لم أكن أعتقد ولكن حاولت وأنا
    أعظم مفاجأة حصلت على القرض في غضون 24 ساعة، لم أستطع أن أصدق،
    أنا سعيد وغني مرة أخرى وأنا أشكر الله أن هذا القرض
    شركات مثل هذا لا تزال موجودة على هذه الحيل في جميع أنحاء الأماكن،
    يرجى أنصح الجميع هناك الذين هم في حاجة إلى قرض للذهاب
    (albakerloanfirm@gmail.com) أنها لن تفشل لك، و
    يجب أن تتغير حياتك كما فعلت الألغام. الاتصال بسرعة (albakerloanfirm@gmail.com) اليوم والحصول على القرض الخاص بك منهم، بارك الله شركة ألباكر قرض للحصول على عرض قرض حقيقي.
     تأكد من الاتصال شركة ألبكر قرض للحصول على القرض الخاص بك لأنني حصلت على قرض بلدي بنجاح من هذه الشركة دون إجهاد.

    ردحذف