الخميس، 29 يناير 2015

سورة النحل من 98 إلى 105

سورة النحل من 98 إلى 105

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقرءان فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
كان أهل الكتاب يظنون أن كتابهم هو آية الله التي لا يمكن أن تُنسخ أو تُبدل، وأن أي نبي جديد يجب أن يلتزم تماماً به، لذلك زعموا -وتابعهم في ذلك المشركون المتمسكون ببقايا ملة إبراهيم بعد أن تم تحريف الكثير منها على مدى التاريخ- أن الرسول قد افترى القرءان فتولى الله تعالى الرد عليهم في هذه الآيات، والسياق كله يتحدث عن القرءان.
والمسلم مأمور بأن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم عندما يقرأ القرءان الكريم، ذلك لأن القرءان ليس كتابا محايدا، فهو إما أن يكون لك، وإما أن يكون عليك، وهو لا يكون عليك إلا لنقص في نفسك مترتب عليه آثار في قلبك، فهو كتاب مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِين، وهُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى، وهُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا، ولا يكاد يخلو إنسان من شيء من الفسق أو الكفر أو الظلم، ومن الظلم الشرك، والشيطان هو الأداة التي تستغل ما في الإنسان من هذه الأمراض ضده، وبالاستعاذة بالله تعالى منه عند قراءة القرءان فإنه يقي الإنسان شر كل ذلك.
ومن الواضح والجليّ والبيِّن أن الضمير في قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} إنما يعود على القرءان، لذلك فالآية الجديدة هي القرءان كله وهي التي استبدل بها الآية القديمة (ما كان لدى أهل الكتاب)، فآية القرءان قد أخذت مكان آية الكتاب السابق، وضمائر الغيب تعود على القرءان ككل واحد في الأفعال "نَزَّلَهُ، يُعَلِّمُهُ"، فالآيات وردت لتأكيد أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لم يفترِ القرءان وأنه ليس من عنده ولم يتعلمه الرسول من أحد، وكل هذه الأقوال قد افتراها أهل الكتاب لتبرير عدم إيمانهم بخاتم النبيين الذي كانوا يتوقعون أن يكون منهم، فلما ظهر الرسول وانتصر استمروا في الكيد لرسالته، ولقد تمكنوا من استغلال بعض المغفلين الفضوليين من السلف الذين عصوا الله ورسوله وذهبوا ليتتلمذوا على أحبارهم وألقوا إليهم بالتفسير الذي يطعن في القرءان ويشكك فيه ويزعم أن الآية القرءانية كانت تنزل وبعدها بفترة يستبدل بها آية قرءانية أخرى، بل لقد أوهموهم أن ذلك من آيات ومآثر الشريعة الإسلامية!!!  
وكذلك استغرب المشركون تغير الأحكام وتبدلها أثناء التدرج في التشريع فرد عليهم الله تعالى بنفس آيات سورة النحل، فالقرءان يتميز بثراء ووفرة معانيه، وهذا من مقتضيات سمة التشابه الخاصة به.
ويجب العلم بأن كلمة آية لها معانيها العديدة في القرءان ولا تعني بالضرورة جملة قرءانية، بل إن كلمة آية المفردة لم ترد في القرءان أبداً بمعنى جملة أو عبارة أو فقرة قرءانية وإنما وردت كلمة آيات للدلالة على الجمل والعبارات القرءانية بصفة عامة، أما المفردة "آية" فمن معانيها في القرءان البرهان المبين والمعجزة الحسية والإنجاز المادي المعجز والأمر غير المألوف والدليل والكتاب السماوي وحكم من أحكام الشريعة.......الخ.
=======
قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} النحل101، إن اللفظ المفرد "آية" لم يأت في القرءان أبداً للدلالة على العبارة القرءانية الماثلة بين نجمتين، كما أنه لم يرد ما يدل على أن المقصود هو حكم الآية، ومع ذلك فقد تمادوا في الضلال وأصبح النسخ يعني عملياً نسخ حكم جزء من آية، وإني أقول لك مسبقاً:  إنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بآية من القرءان يقولون إنها كلها منسوخة لما استطاعوا
وإنه من الواضح أن أهل الكتاب كانوا يلقنون كفار قريش الحجج ليجادلوا المسلمين، ومن ذلك أنهم كانوا يقولون لهم إذا كان إلهنا وإلههم واحد كما يقولون فما الداعي لتبديل الرسالة؟ فنزلت الآيات: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{104} إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ{105} النحل.
فالضمير في قوله تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} إنما يعود على القرءان كله.
وكان أهل الكتاب يلقنون المشركين الحجج ليجادلوا المسلمين، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة تولى أهل الكتاب بأنفسهم أمر الجدال؛ ولذلك نزلت مجموعات كبيرة من آيات سورة البقرة للرد عليهم ودحض براهينهم وتفنيد حججهم، ومن تلك المجموعات المجموعة التي ورد في سياقها آية النسخ المعلومة، وهذه المجموعة تبين أن الملك لله سبحانه وأن له التصرف المطلق في مملكته وتكشف للمسلمين حقيقة مشاعر أهل الكتاب الذين عز عليهم أن تنسخ شريعتهم وأن يستبدل الله بهم قوماً غيرهم.
*******
يحتج عبيد النسخ بالآية: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} (النحل) فيقولون إن التبديل يتألف من رفع الأصل وإثبات البدل (سواء أكان المرفوع تلاوة أو حكما)، وإذا ما سلم المرء بزعمهم بأن الآية هنا هي الآية القرءانية المعلومة -وهو أمر كان عليهم إثباته، ولم يتمكنوا ولن يتمكنوا- فإن الأصل كان ينبغي ألا يكون موجودا في الكتاب لأن البدل قد حل محله وأخذ مكانه، ذلك لأن المبدَّل بنص الآية التي يحتجون بها هو الآية نفسها وليس حكمها وليس جزءا منها، ولقد قال سبحانه بعد الآية المذكورة: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} (النحل)، فمن الواضح والجلي أن الحديث هو عن القرءان ككل واحد فهو الآية التي أخذت مكان ما كان قبلها، فمن أراد دين الحق الآن فحسبه القرءان؛ فهو ليس بحاجة إلى الكتب التي بُدِّلت، ولا يمكن أن توجد في القرءان الذي جمع وحفظ للناس آية قد استبدل بها غيرها، ولقد صاغ الله كتابه بحيث لا توجد فيه آية منسوخة أو منسوخ حكمها (ذلك لأن القول بوجود آية منسوخة أي غير موجودة هو التهافت الفادح).
ويجب العلم بأن كل كتاب منزل هو آية من عند الله، وكذلك الأمر بالنسبة لقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} النحل101، إن اللفظ المفرد "آية" لم يأت في القرءان أبداً للدلالة على العبارة القرءانية الماثلة بين نجمتين.
وكما هو واضح فالكتاب العزيز يستخدم كلمة آية مفردة بمعني الدليل أو البرهان أو الحجة أو العلامة أو الأمر المعجز أو الإنجاز المادي المبهر أو العظة أو العبرة أو الظاهرة الطبيعية أو الكائنات الحية أو الأمر المثير للتفكير والتأمل والتدبر، والآية تستعمل أيضا للدلالة على الكتاب المنزل ككل واحد كالقرءان أو التوراة، أما العبارات القرءانية فيشار إليها في القرءان بكلمة "آيات" والتي تدل أيضا علي المعاني التي تشير إليها العبارات، والتي يمكن أن يصل الإنسان إلي معرفتها بإعمال ملكاته فيها باتباع السبل والمناهج القرءانية.
*******
قال تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} النحل
إن الآيات وردت في سياق الحديث عن القرءان ككيان كلى واحد، فالقرءان هو تلك الآية التي نزَّلها روح القدس لتثبيت الذين آمنوا ولتكون هدى وبشرى مسلمين، وهو الذي أُمِر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ  بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءته، وهو الذي زعم كفار قريش أن الذي يعلمه بشر أعجمي، فالقرءان هو الآية التي استبدلت بآية الكتاب السابق، والمقصود بالكتاب المستبدَل هو ذلك الذي نُسب إليه أهل الكتاب، فالقرءان هو الآية التي حلت محل ما كان قبله من الكتاب، ولقد زعم الكفار ومن مالأهم أنه افتراه، فالأمر لا يتعلق بنسخ أحكام وإنما يتعلق بالقرءان ككل، فالكفار لا يعنيهم خصوصيات المسلمين ولم يكونوا يعلمون الكثير عنها وإنما كانوا يقاومون الأمر جملة وكأمر مبدئي، أما النسخ المزعوم فهو بحسب اصطلاحهم متعلق بالأحكام وكلها نزلت في المدينة وسورة النحل هي سورة مكية، والقرءان المكي يتضمن أسس العقيدة ومجالات الإيمان وأنبــاء الرسل السابقين مع أممهم وأوصاف اليوم الآخر وكلها أخبار وأنباء ولا مجال فيها للنسخ أصلا، لكل ذلك فليس من حق رجال الكهنوت ليّ عنق الآيتين ليفتروا على القرءان كذبا وليستخدموه لنسخ نفسه ولعدم إلزام الناس بكل آياته ولإفساح المجال لكهنوتهم لينمو وليستفحل علي حساب كتاب الله وليفرض نفسه علي الناس، إن الشيطان في واقع الأمر يستخدم رجال الكهنوت لإنجاز ما عجز عنه كفار قريش من قبل.
والآيات تنص على أن من مقاصد تنزيل القرءان بالصورة التي تمت هو تثبيت الذين آمنوا وليس إثارة الحيرة والبلبلة فيما بينهم مثلما أحدثه أولئك الذين أهلكوا الأمة بأسطورة الناسخ والمنسوخ.
=======
قال تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103}.
إنه يجب أولا العلم بأن الدين عند الله واحد، هو الإسلام، وأن الدين الذي شرعه الله للناس واحد، ولقد أخذ ينمو ويكتمل مع تطور البشرية وكانت الرسالة اللاحقة تنسخ بعض احكام الرسالة السابقة، فأما من ظل متمسكا بما نسخ من الأحكام السابقة فقد اختلفت شرعته ومنهاجه عمن آمن بالرسالة اللاحقة، فأصبح مطالباً بالوفاء بها، فالسنة الإلهية اقتضت أن من ألزم نفسه بأمور يظن أنه تقربه إلى الله تعالى حتى وإن لم تكن مكتوبة عليه أصلا فإنه سيطالب بها، لذلك تعددت الشرائع.
وأتباع الشريعة اللاحقة لذلك مطالبون بالإيمان بالشريعة السابقة ما لم تنسخ، ولما كان بنو إسرائيل يعلمون أن الدين واحد، وهذا ما أكده القرءان، وكان لديهم يقين بأن كتاب موسى ليس بقابل للنسخ، فقد تعجبوا أن ينزل القرءان بأحكام مختلفة عما لديهم واتهموا الرسول بافتراء القرءان، وأعلموا المشركين بذلك ولقنوهم الحجج، ولقد كان بنو إسرائيل يقيدون ربهم بتصوراتهم ويشبهونه بخلقه ويحسبون أنهم يمكنهم إملاء إرادتهم عليه، ولقد نزلت آيات سورة البقرة لتبين لهم الحقيقة التي أبوا دائما الاستماع إليها والإقرار بها، أن الكتاب الخاتم سينزل على أمة أخرى، والواقع هو أن وجود بنو إسرائيل في الحجاز واليمن هو حجة على تاريخ بني إسرائيل كما دونوه هم.
أما بالنسبة لهذه الأمة فإنهم ملزمون بالإيمان بالكتب السابقة، وهم ملزمون بأداء الشعائر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج كما ورد فيها، ولذلك كان الأمر يرد بإقامة ومراعاة هذه المشاعر كما ولو أنها معلومة لديهم، وكان القرءان ينزل بالأمر المعدل أو المخفف لما هو معلوم لديهم مسبقا دون أن توجد آية تقرهم أو تفصل لهم ما هو معلوم لديهم، فلقد كانوا يتوجهون في صلاتهم إلى قبلة أهل الكتاب دون أن يرد أمر قرءاني بذلك، وإنما ورد الأمر المعدل والناسخ للأمر القديم.
لكل ذلك كان لابد من بيان موقف هذه الأمة من الكتب السابقة؛ فهم ملزمون بالإيمان بها، ولولا آيات البقرة والنحل المذكورة هاهنا لكانوا ملزمين أيضاً بالأحكام التفصيلية التي وردت فيها، فمن الناحية التفصيلية فإن أحكام الكتب السابقة إما أنها قد نُسخت أو أصبحت في حكم المنساة بالنسبة لهذه الأمة، ومن الناحية الإجمالية فإن آية القرءان حلت محل آية أي كتاب سابق، فالضمائر في آيات النحل تعود على القرءان ككل واحد كما هو بيِّن وجلي.
=======
إن آيات سورة النحل تقول: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقرءان فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{98} إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{99} إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ{100} وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{104} إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ{105}
فمن الواضح الجليّ تماماً من السياق أن الحديث هو عن القرءان ككيان واحد، فهو الآية المنزلة وهو الذي نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ، وهو الذي يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ وهو الذي يجب على من يريد أن يقرأه أن يستعيذ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وهو الذي قال الناس بسببه للرسول: إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ، وهذا المعنى تكرر في آيات أخرى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}يونس38، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }هود13، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ }هود35، {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ}الأنبياء5، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً }الفرقان4، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }السجدة3، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الأحقاف8.
فلقد اتفقت كلمة أهل الكتاب والمشركين على أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد افترى القرءان، وهم لم يكن يعنيهم دقائق وتفاصيل الآيات بعد هذا الموقف الكلي الشامل، ويلاحظ أن كل هذه الآيات مكية، أما أهل الكتاب فقد كان محل عجبهم وإنكارهم أن ينزل كتاب من بعد موسى عليه السلام يحل محل كتابه، وهذا هو ما حكاه الله عنهم ورد عليهم ودحض حجتهم في هذه الآيات: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{102} النحل.
أما مشركو قريش فقد ذكر الله تعالى قولهم ودحضه أيضاً: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ{103} النحل.
وهكذا لا يوجد دليل قرءاني لمحدثي إفك النسخ، ولا وجود لمصدر أعلى من القرءان ليقرر ويثبت أمرا خطيراً كهذا، ولا يجوز تحكيم آراء وأهواء الناس في كتاب الله تعالى.
وبعد كل هذا فإنهم لم يستطيعوا أبدا أن يأتوا بآية قرءانية تكون كلها منسوخة، فإذا أرادوا بمنسوخة مزالة فذلك يصبح المستحيل بعينه، إذ كيف تكون الآية مزالة وموجودة في المصحف في نفس الوقت؟ أما إذا أرادوا ما هو في الآية من أحكام، فهذا أيضاً ما لم يستطيعوا إثباته، وهم إنما أرادوا حكم جزء من آية، فهذا في الحقيقة ما يقصدونه وإن لم يعلموا أو لم يجرؤوا على التصريح به فإنهم لا يجدون دليلا عليه أصلا، فالآية التي أساءوا تفسيرها وألحدوا فيها تتحدث عن نسخ أو إنساء "آية" وليس "حكم جزء من آية"، وبافتراض جدلا أن لديهم ولو حجة واهية فإن من يحكم بأن حكما قرءانيا قد بطل العمل به إنما يكون قد افترى على الله كذباً وألحد في آيات الله تعالى وكفر بها وحكم برأيه الشخصي على آيات ربه، ولو كان لديه ولو مقدار ذرة من تقوى لما جرؤ على ذلك، فهو إما جاهل وإما لا يدرك خطورة ما أقدم عليه، إن المسلم الحقيقي هو الذي إذا تليت عليه آيات الرحمن خشع قلبه وسجد عقله وحاول أن يفقهها بدلا من أن يحاول تلمس اختلافات فيها.
وهناك من يقول إن نسخ الآية هو إثباتها، وهذا قول باطل أيضا، فكيف تكون الآية مثبتة ويأتي خير منها مثلها مثل الآية المنساة؟
=======
إنه لا يوجد أدنى مسوغ لتفسير هذه الآيات من سورة النحل لتوائم كلامهم في الناسخ والمنسوخ، ومن تلاعب الشيطان بهم أن جعلهم يستعملون الآيات التي تعلي من شأن القرءان كوسيلة لطعنه والنيل منه!!


*******

هناك 5 تعليقات:

  1. يوم جيد شعبي في المملكة العربية السعودية

    شهادة على كيف حصلت على قرض لشراء منزل من شركة حقيقية وديعة حقيقية دعا شركة القرض ألباكر. أنا سعيد جدا اليوم و الله صلى الله خوسيه لويس قرض الشركة.
    ،
    اسمي عبد الله أنا من مدينة الرياض لقد تم البحث عن شركة قرض حقيقية على مدى 5 أشهر، لشراء منزل
    كل ما حصلت عليه كان حفنة من الحيل الذي جعلني أن أثق بهم وفي النهاية
    من اليوم، أخذوا أموالي دون إعطاء أي شيء في المقابل، كل شيء
    فقدت أملي، وحصلت على الخلط والإحباط، وأنا لم أكن أريد أن يكون أي علاقة مع شركات القروض على شبكة الإنترنت، لذلك ذهبت إلى اقتراض بعض المال من
    صديق، قلت لها كل ما حدث وقالت انها يمكن أن تساعدني، ذلك
    أنها تعرف شركة القرض التي يمكن أن تساعدني مع أي مبلغ من القروض
    التي يحتاجها لي مع معدل فائدة منخفض جدا من 2٪، أنها حصلت للتو
    قرض من لهم، وقالت انها وجهت لي على كيفية التقدم بطلب للحصول على القرض، فعلت
    تماما كما قالت لي، وأنا تقدمت معهم على البريد الإلكتروني: (albakerloanfirm@gmail.com) لم أكن أعتقد ولكن حاولت وأنا
    أعظم مفاجأة حصلت على القرض في غضون 24 ساعة، لم أستطع أن أصدق،
    أنا سعيد وغني مرة أخرى وأنا أشكر الله أن هذا القرض
    شركات مثل هذا لا تزال موجودة على هذه الحيل في جميع أنحاء الأماكن،
    يرجى أنصح الجميع هناك الذين هم في حاجة إلى قرض للذهاب
    (albakerloanfirm@gmail.com) أنها لن تفشل لك، و
    يجب أن تتغير حياتك كما فعلت الألغام. الاتصال بسرعة (albakerloanfirm@gmail.com) اليوم والحصول على القرض الخاص بك منهم، بارك الله شركة ألباكر قرض للحصول على عرض قرض حقيقي.
     تأكد من الاتصال شركة ألبكر قرض للحصول على القرض الخاص بك لأنني حصلت على قرض بلدي بنجاح من هذه الشركة دون إجهاد.

    ردحذف
  2. مقالة ثرية جدا. شكرا لحضرتك.

    ردحذف
  3. تفسير ازهلنى.ورد ..رد مفحم على الهمج

    ردحذف