سورة الحاقة

سورة الحاقة

{ الْحَاقَّةُ{1} مَا الْحَاقَّةُ{2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ{3}}الحاقة

إنه الأمر العظيم والحدث الرهيب، إنها الساعة، وهي أمر حق صادق لا ريب فيه، لا يخطر ببال مخلوق مدى هول هذا اليوم! ففيه تتسارع الأحداث الكبرى والوقائع العظمى ويحق القول ويتبين للكل صدق الوعد، لذلك على كل إنسان أن يهيئ نفسه لاستقبال هذا اليوم، فالتفكر ولو قليلا فيه يقي الإنسان الكثير من أهواله ويخفف عنه بعضاً من وطأة مفاجآته، ولكونها الأمر الجلل فإنه يكفي ذكر صفة من صفاتها وتكرارها واستعمالها كعلم عليها، أما المكذب بها فسيجني على نفسه وسيتحمل وزر من اتبعه.

فالحاقة هي حق لا ريب فيه، وهي التي ستحيق بكل إنسان، فلا مفر له منها ولا من تحمل تبعاتها، وهي اليوم الذي يشيب لهوله الطفل الوليد.

فالإيمان باليوم الآخر وما يتضمنه هو ركن ركين من أركان الدين، وهو من الموازين الكبرى الصادقة لتمييز واستخلاص المؤمنين الحقيقيين.

فالساعة هي الحاقة وهي القارعة لأن فيها تُضرب الأشياء بالأشياء وتُجلد الأرض بالجبال.

إنه يجب الإيمان بأن الله هو مبدئ البرايا ومعيدها بعد فنائها بقدرته وأنه لابد من يوم تبرز فيه الخلائق لدعوته من مخافته، وأنه لابد من الحساب ثم الجزاء.

-------

كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ{4}

للتكذيب بيوم القيامة عواقبه الوخيمة، فهو يؤدي إلى العتو عن الأوامر الإلهية والتمادي في الظلم والكفر والطغيان، ولهذه الأمور آثارها مهلكة خاصة إذا كانت الأمة أو القبيلة مجمعة عليها وتمارسها بكل كبر وتحد، عند ذلك وطبقاً للسنن الإلهية الكونية قد يصل الأمر إلى إصدار حكم بالهلاك العاجل لهذا الكيان الإنساني، وعندها يتم إهلاكهم بوسيلة من الوسائل المتاحة في بيئتهم إمعاناً في التنكيل بهم وحتى يعتبر بهم غيرهم.

وكذلك لا ينبغي أن يستهين قوم بنذيرهم وبما حذرهم به من القوارع التي يمكن أن تصيبهم إذا ما تمادوا في ضلالهم وغيهم.

الحاقة:  13-18

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(13)وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(14)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(15)وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(16)وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(17)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ(18)

انظر إلى روعة التصوير الذي لا يصدر إلا عمن أحاط علماً بالأمر كله بل هو ماثل عنده الآن كما سيحدث للإنسان بعد موت وبعث وبعد أحقاب متطاولة من الزمان، انظر إلى الجلال والسطوة والاقتدار، هي نفخة واحدة ودكة واحدة وينهار العالم المادي المشهود بما يحتويه مما لا يتناهى عدده من المجرات والنجوم ليستبدل به عالم جديد يستلزم ثمانية لحمل عرشه بعد أن كان الأمر يستلزم من قبل أربعة فقط في العالم القديم، ثم يعرض الإنسان مكشوفا للعيان فيطالعه الكل ظاهرا وباطنا فلا يستطيع إخفاء شيء من أمر نفسه، ذلك لأن نتائج أعماله مكشوفة له ومحيطة به، بل إن نفسه تكون هي الكيان الظاهر للناس كافة فيعلم كل الناس حقيقته، ولا يستطيع الآن ادعاء شجاعة أو علو أو زعامة أو شرف، وكل ما يجول بخاطره من أفكار وما يعتوره من أحاسيس سيكون ظاهرا للكل لا يملك الآن ترف إخفائه، فطوبي لمن لا يجول في باطنه إلا الأفكار والمعاني السامية.

والآيات تبين أن البعث سيسبق انهيار العالم المادي المألوف وأن بنيان الإنسان المبعوث سيكون بحيث يتحمل هذا الانهيار المروع والانتقال إلى عالم آخر.

ويجب العلم بأن انتهاء الوجود البشري بزلزلة الساعة سيسبق عملية البعث والانهيار التام للعالم المادي الطبيعي.

-------

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ{40} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ{41} وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ{42} تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{43} وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ{44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ{46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ{47} وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ{48} وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ{49} وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ{50} وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ{51}

الحديث في الآيات هو عن القرءان، وضمير الغائب في قوله سبحانه {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ{48}} لا يعود على مذكور في الآيات السابقة، لذلك فهو يعود على القرءان، وهذه قاعدة قرءانية عامة، وهذا ما سيبينه السياق، والقرءان ليس بقول شاعر ولا كاهن، بل هو قول رسول كريم، فالرسول الكريم هنا أمين الوحي، والرسول الكريم هو في الوقت ذاته النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، فلا تناقض! ولذلك أخذ سياق الآيات يتحدث عنه، وليس المراد بأنه قوله إنه أتى به من عند نفسه، ولكن المقصود أنه هو الذي يتحدث به لهم ويقول به، فهو عندما يقوله لهم يكون هو قوله في عين كونه كلام ربه، فما يدركونه بحواسهم هو قوله، والمقصود من الآيات هو الدفاع عن النبي الخاتم ضد افتراءاتهم.

ولكون النبي الخاتم هو فرد الوجود وأقرب الخلق إلى العزيز الحميد كان هو العبد المحض، وكان عليه أن يتلقى القرءان وآياته المنذرة المزلزلة، فالأقرب إلى الله تعالى هو الأقدر على تحمل الصدمات الجلالية المذكورة في الآيات والتي تتوعد وتنذر وتهدد.

والآيات توضح بعض سمات القرءان الفريدة؛ فهو َتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَهُو حَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، فلا يجوز أن يكون الإنسان محايدا تجاهه، بل يجب الانحياز إليه والتأدب بين يديه والإيمان بيقين أنه حق اليقين، وبذلك يرقى به الإنسان في مدارج التقوى والكمال ويمضي قدما إلى الرحمن معلم القرءان.

وهذا القرءان هو حَقُّ الْيَقِينِ، لذلك يجب أن يؤمن المسلم بكل ما هو فيه وأن يتخذ ما يقدمه من علوم كآيات وبينات وبديهيات ومسلمات Evidences, axioms and postulates في كل مجال من مجالاتها الممكنة.

-------

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ{52}

هذا أمر قرءاني ملزم، فيجب أن يخوض الإنسان غمار الحياة باسم ربه؛ مستعيناً به متوكلاً عليه مفوِّضاً كل الأمور إليه، والتسبيح بالاسم العظيم يعني الوعي واليقين بالحضور الذاتي الإلهي، فمن سبَّح باسم الذات فقد سبح بكل الأسماء والسمات.

والتسبيح بالاسم يستلزم أن يعلم الإنسان أنه ما سبح لربه إلا بربه أو باسمٍ وجودي من أسماء ربه، فإذا سبح فليعلم أنه يسبح باسم ربه وبقوى وإمكانات ربه.

ولكي يتحقق الإنسان بهذه الحالة والمرتبة يلزمه التزكي، وفيه يمكن أن يسبح بلسانه مع استحضار المعاني وتذكر الحضور الذاتي الإلهي والوعي به.

فهذه الآية تتضمن المعاني الآتية:

1.      أن يسعى الإنسان في مساره مستعينا بربه وباسمه العظيم غير المعلوم وباسمه "العظيم" الذي هو من الأسماء الحسنى التسعة والتسعين.

2.      أن ينزه الإنسان ربه باسمه العظيم عن كل ما لديه أو لدى الناس من تصورات عنه، وأن يكون على يقين من أن الله أعظم من كل ما يخطر ببال مخلوق من مخلوقاته.

3.      أن يسبح ربه بلساني الحال والمقال؛ بمعنى أن يسبحه بلسانه مع حضور كل معاني التسبيح في قلبه.

*******