السبت، 17 يناير 2015

الإسلام دين الحق وليس بدولة 2

الإسلام دين الحق وليس بدولة 2

الرسول النبي الذي أرسله ربه رحمة للعالمين لم يبن دولة بالمعنى المعلوم الآن ولا بالمعنى الذي كان معلوماً في عصره، فهو لم يبن إمبراطورية أو مملكة بالمعنى الذي كان معلوما في عصره، ولقد أرسله ربه في أمة كانوا في ضلال مبين حتى يرى كل الناس كيف ارتقى بهم وفجَّر طاقاتهم وجعل منهم خير أمة أخرجت للناس، ولقد كان العرب والأعراب شعبا بدويا شرسا لم يصطبغوا بمجرد إسلامهم بصبغة الإسلام، وإنما كانوا يقترفون المعاصي بل والكبائر، ورأى الناس كيف كان الدين مطبقا عمليا، وكان العصر النبوي –كما جرت السنن- عصرا استثنائيا، لذلك كان وجود أمة خيرة تدير أمور نفسها بنفسها ويكون كل فرد فيها عضوا فيما يُعرف الآن بالجيش والشرطة وقد يكون قاضيا...الخ هذا بالإضافة إلى سعيه لتحصيل رزقه هو أمر استثنائي، ولو وُجدت هذه الأمة التي تنشد المثل الأعلى الديني لما احتاج الأمر لجهاز سلطوي ولكان كل ما يلزمهم ولي أمر يؤدي المهام التي كانت منوطة بالرسول مثل تعليمهم الآيات القرءانية وتزكيتهم، وهي ما يُعرف بالتربية الروحانية، وهذا ما كان الرسل نفسه يتمناه.
ولكن في حالة انحدار الناس عن هذا الوضع المثالي أو اليوتوبيا -حيث يوجد رسول نبي يتلقى الوحي الذي يبيِّن للناس سبل الرشاد وتجب طاعته على الناس كركن ديني من هذه الحيثية- يجب وجود ذلك الجهاز السلطوي المسمى بالدولة، ويلخص هذا الوضع قول الخليفة عثمان: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرءان"، ففي الوضع المثالي بمجرد أن تتلى آيات الله على الناس يرتدعون ويتوبون، بل ويطلب المخطئ معاقبته على خطئه من تلقاء نفسه فيتولى الحاضرون تنفيذ الحكم الإلهي عليه، أما في الحالة العادية؛ حالة غياب الوضع المثالي فلا يزع أكثر الناس إلا السلطان؛ أي لابد من ذلك الجهاز المسمى بالدولة، وكلما كان الناس أقرب إلى المثل الأعلى كلما تقلصت سلطات الدولة، وكلما تدهورت أحوالهم كلما احتاج الأمر إلى جهاز أكثر تسلطا وقمعا، وكلما حدث تقدم حقيقي في بلدٍ ما الآن كلما تقدمت حقوق الفرد وتقلصت سلطة الدولة عليه، أي يتعاظم شأن حقوق الإنسان على حساب سلطة الدولة.
والمطلوب من المجتمع المؤمن وجهاز الدولة القائم أن يلتزم بمنظومات سنن وقيم ومُثُل دين الحق، وعلى كل مكوناته التواصي بذلك، ولا يجوز انتظار أي شيء للقيام بذلك مثل انصلاح أحوال الناس أو ازدياد ثرائهم، فدين الحق أُنزل لإصلاح أحوال ناس متدهورين ولتحسين أحوال الناس كافة، بل إن ذلك منوط بتطبيق دين الحق، وتأجيل العمل بالدين يعني الشك في صلاحيته لكل زمان ومكان وفي عالميته.
وكما سبق القول كان المقصد هو بناء أمة خيرة تحكم نفسها بنفسها بواسطة هيئات من أولي الأمر المؤهلين، وكان من المفترض أن يلتزموا بما أعلنه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من أن الإمام علي هو ولي كل مؤمن، ولكنهم تركوه وباقي أهل البيت مشغولين بتغسيل جثمان الرسول ودفنه، وذهبوا ليتجادلوا بشأن من يتولى السلطة، وليس لهذا القول أية علاقة بالمذاهب، فهو ثابت في كتب السنة التي لم تكتفِ بذكر هذه الواقعة وإنما تشيد بها وتبني على موقفهم المذكور أحكاما، فمن اقترف هذه المخالفات هو مخطئ بلا شك، ومن لا يقر بذلك هو مخطئ أيضا،  ولم يكن الأنصار يفكرون بأكثر من تحديد من يتولى تدبير مدينتهم وتفوق أبو بكر عليهم بتفكيره الأكثر استراتيجية وشمولا، وتصرفات الجميع هي اجتهادات بشرية بلا شك، فهم مبتلون مختبرون كغيرهم.
أما الأنصار فلقد نفَّس بهم الله تعالى عن الرسول كربه، ولهم دين في عنق كل مسلم، ولقد رأوا من أكابر القرشيين أثرة، ومازالوا بهم إلى أن تحققت نبوءة المقداد يوم السقيفة، ولقد نكل بهم جيش يزيد اللعين واستباح مدينتهم وفعل بهم الأفاعيل وأرغمهم على المبايعة على أنهم عبيد ليزيد.
-------
الوضع الأمثل في الإسلام هو وجود أمة تحكم نفسها بنفسها بواسطة أولي أمر حقيقيين مؤهلين منها؛ ولا يتسلط أحد عليها، فلا وجود في الإسلام أبدا لمفهوم حاكم متسلط على الناس، وإنما يوجد حاكم بين الناس، فكل فرد في الأمة حاكم محكوم، آمر مأمور، فخير تجسيد لهذا النظام في العصر الحديث هو نظام الإدارات التكنوقراطية، فكل إدارة لا تتدخل إلا فيما هو في نطاق اختصاصها، والأمة الإسلامية هي أمة دينية أساساً تحمل راية دين الحق، وهي مسئولة عن دعوة الناس إليه، لذلك فولي أمرها في مثل هذه الأمور هو من بلغ ذروة التأهيل في المجال الديني الجوهري، ولو تولى الإمام علي أمر الناس لسار تاريخ الأمة في مسار آخر، ولما تحولت منذ أول لحظة إلى سيف باطش يطيح بكل من جاوره ولا يتوقف إلا عندما يتصدى له سيف أقوى منه.
وأقرب النظم إلى الإسلام بالمعنى الصحيح هو النظام السويسري
ولكن الوضع المذكور والمنشود كان وضعا مثالياً يستلزم وجود نسبة كبيرة من السابقين الأولين أولي الألباب، وحيث أن المسلمين لم ينجحوا في تحقيقه وهم في أحسن حالاتهم فلم يكن من السهل إحياؤه من بعد، ولكنه يبقى أنموذجا ومعيارا لما يجب أن تكون عليه الأمور، وهو أيضاً الوضع الذي تكون عليه الأمة المقدر أن تكون أمة أُخرِجت للناس، ومن الواجب الملزم على كل مجموعة من المسلمين السعي لتكوين هذه الأمة الواحدة.
أما وجود الدولة فهو الأمر الطبيعي نظرا لما يكون عليه الناس في الظروف والأحوال العادية وليس الاستثنائية (مثل العصر النبوي مثلا وعندما يتحتم إخراج أمة للناس)، ونظراً أيضاً لأن كل وطن من الأوطان كان مقدرا أن يتعايش فيه أمم عديدة لا تقر عادة بمبدأ التعايش السلمي إلا مكرهة، ولكن وجود الدولة يكون عادة على حساب كافة مكونات الأمة، ولذلك فالنظام الإسلامي يهدف إلى تقليص سلطة الدولة إلى أدنى حد ممكن، ولكل لذلك ولكون الإسلام ديانة عالمية صالحة لكل زمان ومكان فإنه سكت عن تحديد شكل هذه الدولة، فلم يكن من الممكن أبدا تحنيط ما هو سائل حي متطور.
-------
إن ما حدث في الغدير أمام أكثر من مائة ألف مسلم كان بمثابة إعلان النتيجة العامة للسباق نحو الكمال بين أهل القرن الأول، فكان السابق أو الأول في الترتيب العام هو الإمام علي بحكم تفوقه الجوهري الملحوظ وبحكم إنجازاته المعلومة، فكان من الطبيعي أن يُعين مرجعا لكل المسلمين ليستكمل تعليمهم وتزكيتهم ومساعدتهم على جهاد أنفسهم والشياطين التي تريد أن تضلهم، وغير ذلك من المهام الجوهرية التي كانت منوطة بالرسول، خاصة وأن أكثرهم أسلم في السنة الأخيرة للبعثة ولم يهاجر فلم تتح لهم الفرصة للتعلم والتزكي المباشر على يد الرسول نفسه، واللفظ "مولى" أو "ولي" يعطي هذه المعاني، فهو المربي والمعلم والمزكي اللازم لتحقيق مقاصد الدين، فهو يجمع ما هو منوط الآن بالأستاذ الجامعي بالنسبة لطلبته والمعلم الروحاني بالنسبة لمريديه وولي أمر الأمة بالنسبة للشئون العامة، وهذا لا يعني بالضرورة الحكم السياسي وفق المفهوم الشائع، وهذه نظريتي التي أعتقد أنه لم يسبقني إليها أحد، وكون الرسول لم يؤسس لا مملكة ولا إمبراطورية ولا دولة بأي معنى من المعاني القديمة أو الحديثة فهذا أمر ثابت يدركه كل من تدبر القرءان والسيرة، بل كان مقصده بناء أمة خيرة فائقة تحمل الرسالة من بعده، وهذا من مهامه كرسول والمهام المنوطة بالأمة في القرءان، ولقد بلغ الرسالة وعلَّمهم وأشهدهم على ذلك وتركهم ليواجهوا الابتلاءات والاختبارات من بعده، ولقد أعلمهم بذلك وحذر وأرعد وهدد وتوعد، فهم المسئولون عما حدث من بعده، وهو يُحسب عليهم وليس عليه ولا على الإسلام، ومبايعة الإمام من بعد عثمان كان اجتهادا من بعض الثوار (من المصريين بالذات)، وقبل بذلك هو لإحقاق الحق والعدل ومحاولة إعادة الأمور إلى نصابها. 
-------
لقد كان الإمام علي سابق الأمة وأملها في إصلاح الأمور وإعادتها إلى ما كانت عليه في العصر النبوي، وكان على معرفة تامة بدين الحق؛ ذلك بمعنى أن كل أفعاله وأقواله كانت تعبيرا عن دين الحق وإظهاراً له، ولكن افتتان الناس بالدنيا التي أقبلت عليهم وتنافسهم فيها جعل أنصاره قليلين، وأخذوا يتسربون من حوله واحدا تلو الآخر طمعا في قطعة من دنيا معاوية، ولا يمكن أن ينتصر الدين الحق بدون عدد كافٍ من الأنصار، ولقد نشأ المذهب الأموي لحمل الناس على القبول بالأمر الواقع وتقديس من هووا بالأمة إلى دركه المظلم، والموجود الآن هو مذاهب نشأت مواكبة لاختزال الدين وتحريفه وتهميشه، فهي أداة لترسيخ الجهل والتخلف والاستبداد والنفاق والظلم، فلا يُرجى منها أي خير، فهي لا تصلح إلا لإنتاج من هم كالأنعام بل أضل سبيلا كما هو مشاهد وثابت، إن الإنسان في الغرب لم يسبق الإنسان في العالم المحسوب على الإسلام في المجال المادي فقط كما يتصور البعض وإنما في المجالات الإنسانية والاجتماعية والقيمية أيضا، والإنسان المحسوب على الإسلام يظن أن الشريعة هي مجرد أشكال بعض العقوبات وأن الفضيلة هي المتعلقة فقط بالأمور الجنسية، ويتخلص تاريخ الأمة في التخبط في الدركات المظلمة التي هووا إليها وفي محاولة الخروج منها وفي محاولة البعض الآخر الحيلولة دون ذلك!
-------
الولاية أساساً هي الولاية الدينية الجوهرية التي هي وراثة مهام الرسول العظمى المذكورة في الآية: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}البقرة151، وكان الإمام علي هو سابق الأمة والمؤهل للقيام بهذه الولاية، خاصة وأن الأكثرية لم تسلم إلا في السنة الأخيرة من البعثة ولم يهاجروا، ولم تتح لهم فرصة التعلم والتزكي على يد الرسول نفسه، ولم يتطهروا تماماً من حمية الجاهلية وضلالها المبين، ولكن قريشا أبت عليه هذه المكانة، وظنت أن الأمر أمر تسلط وحكم، فمنعوه منها، فالرسول لم يؤسس دولة وإنما أقام وأعد خير أمة، كان يريد عليها ولياً دينيا وليس حاكما سياسيا بالمعنى المعروف، ولذلك أعلن عليهم أن عليا هو ولي كل مؤمن، وهذا أمر لا ريب فيه ولا علاقة له بمقولات المذاهب، فهذا القول لم يسبقنا إليه أحد، ولقد ترتب على إهمال ذلك اندثار الجانب الوجداني الأخلاقي من الدين وتحول إلى أيديولوجية للفتح والتوسع العسكري والاستيطان، وكان مادة ذلك هم الأعراب الذين لما يؤمنوا ولم يتعلموا ولم يتزكوا على يد الرسول.
-------
كان الرسول ولي أمورهم العسكرية والقضائية بلا شك، ولكنه لم يكن حاكما عليهم، فلم يكن رئيس دولة بأي معنى من المعاني، كان رسولا مربيا معلما مزكيا، ولذلك نزلت الآيات تحثهم على طاعته كواجب ديني، ولو كان حاكما بالمعنى القديم أو الحديث لما كان لهم أن يتخلفوا عنه عند خروجه للقتال ولما تركوه قائما يصلي وانفضوا إلى اللهو والتجارة ولما سخر منه المنافقون ولما تجسسوا عليه......
ولقد أعلن مبكرا جدا أن الإمام عليا هو خليفته في مهامه وولي كل مؤمن، أي ولي أمر الأمة المؤمنة، ثم أكد ذلك في يوم الغدير، وهذه من الحقائق الراسخة، ولكن الناس ظنوا أنه أسس دولة فتنازعوا لتكون دولة بين قبائل قريش!!!
ولا يوجد أدنى شك في أنه كان ينوي كتابة ذلك في وصيته لهم، فلما رأى تنازعهم أيقن أنه قد "سبق القضاء"!! فاستسلم لقضاء الله تعالى!!
قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65
وقد استجاب الله له عندما استعاذ بوجهه من العذاب، ولكنه قال له: "سبق القضاء" عندما استعاذ من إلباسهم شيعا يذوق بعضهم بأس بعض!
ولقد قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2
فالأولوية في التحقق للمقاصد الوجودية، والمؤمن يسعى للقيام بأركان الدين لتحقيق المقاصد الدينية، وهو يعلم أنه لن تتحقق إلا المقاصد الوجودية!
-------
لقد أوصاهم النبي في خطبة حجة الوداع، في السنة التاسعة من الهجرة بأن يتمسكوا بكتاب الله وبألا يرجعوا من بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض.........الخ، ومما ورد فيها:
إنّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمَيّ موضوعٌ، ودماء الجاهلية موضوعةٌ. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت. فقال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات، وقد أعلن الرسول ولاية الإمام عليّ على كل مؤمن بعد ذلك؛ أي الولاية على الأمة المؤمنة كما أسسها، ومضت فترة زمنية قبل أن يمرض المرض الذي انتقل بعده (في السنة 11 من الهجرة)، وقد ترك فيهم كتاب الله مكتوبا ومحفوظا، وكانوا بالطبع متفاوتين في فقهه وإدراك مقاصده، وكان الرسول يعلم أنه ستضربهم فتن كقطع الليل المظلم وتنبأ بذلك وصرح لهم به، وكان يعلم أن الله تعالى لم يجبه إلى طلبه بألا يلبسهم شيعا يذوق بعضهم بأس بعض، وأخبرهم أيضاً بذلك، ولما كان هو رحمة للعالمين فقد أراد –وهو يعاني مرضه- أن يترك لهم وثيقة مكتوبة بمحضر منهم جميعا تمنعهم من الاختلاف فاختلفوا عنده، فصرف النظر عن ذلك، وقد كان هو شهيداً عليهم، ولم يكن جبارا ولا مصيطرا ولا وكيلا، وهكذا جرت السنن ومضت الأمور كما كان مقدرا لها.
-------
مما لا شك فيه أن الأمة التي من مقاصد الدين إعدادها وبناؤها ليست كيانا هلاميا، ولكنه كيان له أسس وبنية، ولقد كان الرسول بلا شك يكوِّن ما هو أشبه بهيئات من أولي الأمر؛ يربيهم ويعلمهم ويستشيرهم، وأشهر هذه الهيئات هيئة كتبة الوحي، وهيئة الحكام (القضاة) الذين تكونت لديهم ملكة الحكم (القضاء) بين الناس وزوجاته المنوط بهم تعليم سائر النساء كل الأمور الخاصة بهن، وكان كل فرد من الأمة لدواعي كثيرة عضوا في أكثر من هيئة من هيئات أولي الأمر هذه، أما تنفيذ أحكام القضاء فكان يقوم به من هو متوفر من الناس عندها، فلم يكن هناك ذلك الجهاز المعروف بالشرطة، وكان للرسول على قومه حق الطاعة الدينية كرسول نبي وكولي أمر أكثر أمورهم، فبحكم كونه رسول الدين العالمي الشامل كان منوطا به تجسيد السنن الدينية النوعية للناس، فهو لم يهدف أبدا إلى بناء ذلك الكيان المعروف بالدولة، ولو استمر ذلك الكيان المثالي المعروف بالأمة لتحقق حلم الفلاسفة بالمدينة الفاضلة، ولكن مثل هذه الأحلام لا يمكن أن تستمر طويلا لأسباب عديدة، على رأسها أن أكثر من أسلموا إنما أسلموا بعد الفتح فلما يدخل الإيمان في قلوبهم ولم يتعلموا شيئا من الرسول مباشرة ولم يتزكوا على يديه، وأولئك كانوا أحوج الناس إلى إمام ديني يعلمهم ويزكيهم.
-------
 كان من الأفضل بالفعل أن يتولى أبو بكر الأمر بالنظر إلى الحالة الحقيقية التي آلت إليها الأمة بعد انتقال الرسول، لقد كان أكثر من أسلموا هم من دخل في دين الله بعد فتح مكة ولم يهاجروا، ومنهم أهل مكة والأعراب، وكان منهم كثيرون من المنافقين، وأكثرهم لم يتلق القدر الكافي من التزكية النبوية، ولو تولى الإمام عليّ وحاول إلزامهم بمثاليات الإسلام لتمردُّوا ولكان أهل مكة أول من يرتدوا ولتبعهم أهل الطائف، ومن المعلوم أن أهل مكة حاولوا التمرد بالفعل لولا الموقف البطولي لسهيل بن عمرو، فعندما توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- همَّ أكثر أهل مكة بالرجوع عن الإسلام حتى خافهم والي مكة آنذاك (عتاب بن أسيد) فقام سهيل بن عمرو وقد كان مقيما بمكة آنذاك، وقال: "يا معشر قريش كنتم آخر من أسلم فلا تكونوا أول من بدَّل وغير"، وقال: "والله إني أعلم أن هذا الدين سيمتد امتداد الشمس من طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم".
فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، وتحققت نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين قال لعمر: "إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه".
 وقد كان لكل بطن من بطونهم ثأره مع الإمام علي، ولم ينسوا ثاراتهم أبدا، ولم يكن أحد ليدري كيف كان من الممكن أن تسير الأمور لو تولى هو أي أمر من أمور المؤمنين في هذه المرحلة.
إن ظروف وأحوال ذلك العصر كانت تقتضي قيام سلطة مركزية حقيقية وليس مجرد أمة، أي كانت تقتضي وجود دولة! ووجود الدولة ليس أصلاً في الإسلام وإنما هو عمل اضطراري لتدهور أحوال الناس.
ومن المعلوم أنه لم يكن من المهام المنوطة بالرسول إقامة دولة، وهو لم يؤسس مملكة ليوليها أو يوصي بها لأحد من بعده، وأنه كان من المحتم ترك الناس ليتدبروا أمورهم بأنفسهم وليحاسبوا على ما اختاروه لأنفسهم.
-------
لم يكن الرسول ملكا ولا إمبراطورا ليورث ذلك لأحد من بعده، ولم يكن منوطاً به تأسيس ما يُعرف الآن بالدولة، فالإسلام دين عالمي صالح لكل زمان ومكان، فهو لم يكن ليجمد ما هو بطبيعته قابل للتغير والتطور.
ولم يكن من مهام الرسول المذكورة في القرءان تأسيس دولة، وإنما كان منوطاً به إعداد وتكوين أمة صالحة حاملة للرسالة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر داعية إلى الله تعالى.
كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يريد أن تستمر الأمور من بعده كما كانت في عصره، أي وجود أمة تحكم نفسها بنفسها ويكون كل فرد فيها آمرا مأمورا ويتولى الإمام علي استكمال مهامه بالنسبة لهم (التعليم والتزكية والقضاء...)، وليس كمتسلط أو حاكم سياسي بأية صور من الصور القديمة أو الحديثة، وقد أعدَّهم لذلك وأعلن لهم ذلك وأشهدهم على أنفسهم، وهو من بعد انتقاله أصبح شهيدا لهم وليس مسئولا عما آلت إليه أمورهم! لقد قام بواجباته بالنسبة لهم وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأشهدهم على ذلك، وهم مسئولون من بعده عما اختاروه لأنفسهم، أما الدعوة إلى الله تعالى فهي ركن ديني ملزم للفرد والأمة.
وقد كان الإمام علي هو سابق الأمة بحكم أنه أسلم قبلهم أجمعين وتربى في بيت النبوة ونشأ مسلما خالصا فضلا عن تفوقه الجوهري، لذلك كان اختياره ليتولى أمر الأمة بالمعنى الإسلامي هو الاختيار الوحيد على المستوى الديني الجوهري وليس بالضرورة على المستوى الواقعي العملي البراجماتي.
وفي الحقيقة لا وجود في الإسلام لمصطلح حاكم بمعنى Ruler ولكن يوجد في الإسلام حاكم بمعنى Judge وغير ذلك من المعاني، والحكم في الإسلام هو بين الناس وليس على الناس، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65
والرسول لم يعمد أبدا إلى دمج الكيانات التي أسلمت في وحدة سياسية وإنما كان يترك كل كيان (قبيلة، مدينة،....) على ما كان عليه ولا يتدخل في شئونهم الخاصة ولا في طبيعة كيانهم السياسي، وكان يكتفي بأن يرسل معلما وقاضيا وجامعا للصدقات إليهم، وكانوا يطيعونه كرسول تجب عليهم طاعته من الناحية الدينية، ولذلك سرعان ما ثاروا عندما طالبهم أبو بكر الذي لم يشاركوا في اختياره بنفس حقوق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، أما أبو بكر فقد رأى لزاماً عليه أن يوحدهم في كيان سياسي واحد شاءوا أم أبوا، وكان في ذلك مجتهدا، وكل اجتهاد بشري له مزاياه وعيوبه، وكان أول المعترضين على قراره بشن حرب شاملة على كل العرب الآخرين هو عمر بن الخطاب الذي كان أشد أنصاره، فلا يجوز اعتبار تصرفه جزءا من الدين ولا أمراً مقدساً.
ولم يكن هناك ردة شاملة أبدا، فالمرتدون معروفون، ولكن أبى أكثر العرب أن يدفعوا الزكاة لأبي بكر لأنفتهم المعروفة ولكونهم لم يعرفوا ما هو المسوغ القانوني أو الشرعي ليفعلوا ذلك، ولقد أعلن الكثيرون منهم تمسكهم بالإسلام ومع ذلك تعرضوا للقتل والتنكيل، كانت هذه حروب تأسيس الدولة الموحدة سياسيا، وهذا قرار استراتيجي له مزاياه وعيوبه كأي قرار بشري.
-------
عندما تولى الإمام علي الأمور كان حزب الحق قد قل عدده، ولم يعد من الممكن التعويل على إيمان الناس وإخلاصهم، وسرعان ما استجاب الناس لمطامعهم الدنيوية وتخلى عنه أبناء عمومته بل تخلى عنه أخوه، لم يعد من الممكن استمرار الخلافة، لم يستطع الناس التحليق في الأعالي طويلا، هووا إلى الحضيض وأخلدوا إلي الأرض.
وحديث العترة صحيح، وكان يعني أساسا المسلمين المعاصرين للعترة المباركة، وهم أهل الكساء، والعرب لم يعملوا به، وكان من المطلوب أن يتعلموا منهم كل ما يتعلق بالقرءان والدين.
أما الآن فذرية العترة أخفياء بين الناس، وعلاماتهم أن معهم علوم القرءان.
والقرءان الكريم هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى، أما ولاية الإمام عليّ فهي أساساً الولاية في الأمور الدينية الجوهرية، فقد كان منوطاً به أن يقوم بمهام الرسول من تعليم الناس وتزكيتهم، خاصة وأن أكثرهم آمنوا بعد الفتح ولم تتح لهم الفرصة ليتعلموا ويتزكوا على يد الرسول، فالمعنيّ بها أساسا هم المسلمون الذين كانوا معاصرين له، ولقد رفضت قريش والعرب هذه الولاية، وهم يتحملون وزر ذلك، أما المعنى العام فهو الولاية على أمر الأمة كما كانت في العهد النبوي وليس على كيان سياسي لم يكن له وجود، فلم يؤسس الرسول مملكة ليستخلف عليها أحداً من بعده، وإنما حقق مقاصد الدين وقام ببناء أمة خيرة صالحة لأن تخرج إلى الناس حاملة رسالة الحق.
-------
حدث الغدير يعني أنه كان على المسلمين أن يعلموا أن الإمام عليا هو سابق الأمة ووريث الرسول في مهامه الجوهرية المذكورة في الآية: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، ذلك لأن أكثرهم لم يسلم إلا قبيل انتقال الرسول ولم تُتَح له الفرصة ليتعلم منه وليتزكى على يديه، فكان عليهم أن يتقبلوا أن يتم ذلك على يد الإمام، ولا شأن لذلك بما تسمونه بالسياسة أبدا، بل إن ذلك كان ظن القرشيين، ولذلك حالوا بينه وبين ذلك، ولذلك ظل المسلمون الجدد على جهلهم بأكثر الإسلام ولم يتلقوا التزكية الكفيلة بتطهيرهم من الجاهلية المتغلغلة في قلوبهم، ولذلك سرعان ما ارتدوا إليها وأكثروا في الأرض الفساد فصُبَّت عليهم سياط العذاب والفتن وتولى أمورهم شرارهم!
-------
الحديث الذي يبين مكانة العترة هو بالنسبة للقرن الإسلامي الأول حثٌّ لهم على أخذ علوم القرءان من عترة النبي ممثلة في الإمام علي والسيدة فاطمة، وهو إعلام لهم بما ورد في يوم الغدير من أن الإمام عليا هو ولي كل مؤمن بمعنى أنه خليفة الرسول في مهامه الجوهرية: تلاوة آيات الكتاب، تعليمهم آياته، تزكيتهم، تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون.
وبالنسبة للقرون التالية فهي ليعلموا عترة النبي الحقيقية فيتلقوا العلم منهم؛ فهم الذين معهم علوم القرءان، ولا يُشترط أن يكونوا ممن لديهم شهادات بأنهم من ذرية أهل البيت، فأكثر هذه الذرية هم الآن مجهولون، ومن اصطفاه الله تعالى ليعلم الناس علوم القرءان سيعلم ذلك في نفسه بالضرورة.
-------
إن الرسول قد أعلن للأمة يوم الغدير بأن الإمام عليا هو ولي كل مؤمن، وأنه بالنسبة إليهم بمكانة نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وكان ذلك إعلانا بأنه أولى الناس بولاية أمر الأمة المؤمنة بالمعنى الذي يقرره دين الحق وليس بالمعنى السياسي الذي تبادر إلى ذهن البعض؛ فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لم يؤسس مملكة ولا دولة بأي معنى من المعاني ليولي عليها حاكما بمعنى (Ruler) ، ولو كان الأمر كذلك لأخذ له البيعة العامة منهم ولما جرؤ أحد على ينكث هذه البيعة، كان الرسول بالطبع يود أن تسير الأمور كما كانت في عهده، وكان ذلك سيكون أفضل على المدى البعيد، ولكنه كان يعلم جيدا طبيعة المهام المنوطة به، ولو تولى الإمام علي لاستمر الأمر على النهج النبوي المحض، بمعنى أن كل قبيلة وكل مدينة في الجزيرة العربية كانت ستظل محتفظة باستقلالها السياسي الذي كانت عليه في العصر النبوي مع إيمانها بأنها عضو في أمة واحدة، ولكن المشكلة هي أن أكثر العرب والأعراب لم يفقهوا أبدا الفرق بين الأمة وبين الدولة (أو الملك كما كانوا يقولون) كما هو حال المحسوبين على الإسلام إلى الآن، ولذلك قال قائلهم "لعبت هاشم بالملك"، ولو تولى الإمام علي لارتدت قريش وثقيف ولانتفض أكثر العرب ولما ثبت معه إلا المهاجرون الأوائل والأنصار، أما التمسك بالمثاليات الإسلامية والإنسانية الرفيعة في التعامل مع العرب والأعراب فقد أثبت أنه لا جدوى منه عندما تولى الإمام علي الخلافة، ولذلك كان أبو بكر الصديق هو رجل الساعة بعد انتقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولم يكن ثمة مفر من أن تسير الأمور كما سارت عليه!
-------
يجب معرفة ما يلي:
  1. إن كل فرد من أفراد القرن الأول كان مسئولا عن عمله، لقد رباهم الرسول وعلمهم كما يربي المعلم تلاميذه ثم يدفعهم إلى معترك الحياة التي هي ابتلاء واختبار مستمر، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، ولقد حذرهم الرسول في خطبة الوداع من أن يرجعوا بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض، وأشهدهم على أنفسهم وشهدوا أنه أدى الرسالة وبلغ الأمانة، فهم يتحملون مسئولية أنفسهم، وأخطاء خالد –مثلا- أثناء معارك تأسيس الدولة والتي عُرِفت بمعارك الردة تحسب عليه وليس على الإسلام، ولقد سكت أبو بكر عنها سكوت رجل الدولة الخبير بالأمور الإستراتيجية الذي يرى أن تلك الأساليب ستردع الأعراب الذي لم يألفوا أبداً الخضوع لسلطة مركزية وأنها ستقي الناس المزيد من الحروب وسفك الدماء، وهذا المسلك لم يكن ليرضي بالطبع من هم أشد حرصا على مثاليات الإسلام ونقائه وقيمه، ولكن لو تولى واحد من هؤلاء الأمر لتغير مجرى التاريخ، وبالطبع لا يمكن القطع بأن الأمور كانت ستسير بطريقة أفضل، ويجب تذكر أن أهل القرن الأول كانوا بشراً غير معصومين من الأخطاء، وهم كانوا يعرفون ذلك جيدا وإلا لما اختلفوا وتقاتلوا فيما بعد، ويجب تذكر دائما أن ممارسات البشر لا تحسب على الإسلام.
  2. إن الرسول لم يؤسس دولة، ولم يكن هذا بمقصده أبدا، بل كان مقصده الذي نجح فيه تأسيس أمة خيِّرة صالحة منوط بها حمل رسالة الإسلام للعالمين، فالرسول لم يكن أبدا حاكما على الناس بالمعنى المعروف الآن وإنما كان ولي أمورهم وحكما بينهم، ولقد نفى القرءان عنه تلك الكلمة بكل لوازمها ومقتضياتها، فلا وجود لمفهوم الحكم على الناس في الإسلام، ولكن يوجد الحكم بين المؤمنين الأكفاء المتساوين الذين يشكلون أمة واحدة تحكم نفسها بنفسها؛ فكل فرد فيها آمر (حاكم) فيما هو مؤهل فيه مأمور (محكوم) فيما هو غير مؤهل فيه، فولاية الأمر مشاع بينهم وليست حكرا على بعضهم، ولقد كان أول من لُقِّب بأمير المؤمنين قائد إحدى السريات، فالأمر هو كل مجال أو تخصص بلغة العصر الحديث، فهناك المجال التنفيذي وهناك المجال العلمي وهناك القضاء وهناك تدوين الأمور ذات الأهمية (كهيئة كتبة الوحي) وهناك الأمور الخاصة بالنساء (زوجات النبي)، وهناك الأمور العسكرية، وهناك مجال تربية وتزكية النفوس أي جوهر الدين، وهناك فنون الإدارة وتصريف الأمور، بل هناك المهام الخاصة التي يكلف بها مجموعة معينة إذ لابد لهم من أمير.....الخ، فالأمير في الإسلام هو من له حق إصدار الأوامر واتخاذ القرارات، وله حق الطاعة على مجموعة من الناس في مجال معين، فهو ليس لقباً قابلاً لأن يورَّث أصلاً بحكم تعريفه، فلا علاقة له بالاصطلاح الأوروبي Prince، وهذه المجالات والأمور قابلة دائما للاتساع، وبالطبع كان هناك من السابقين الأولين من تميَّز في أكثر من مجال كالإمام علي مثلا، فلم تكن ثمة دولة في العصر النبوي وإنما كان هناك أمة حرة تطيع الرسول كواجب ديني وكولي لكافة الأمور وليس كحاكم بالمفهوم الحديث، وبالطبع كان وجود هذا الوضع المثالي رهناً بوجود النبي، وكان أمرا مقضيا أن ينتهي بانتقاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الرفيق الأعلى، ولذلك أخبرهم أنه ستأتي فتن كقطع الليل المظلم، فلقد كانت أمراً لازما لنشأة الدولة بما هو لازم لها من قهر وتسلط وبعد عن مثاليات الدين، ولقد كان أول الفتن فتنة السقيفة والتي تم بسببها استبعاد أهل بيت النبي تماما من الأمر وتهميش دورهم ثم الظلم الفادح التي تعرضت له الصديقة الشهيدة السيدة فاطمة والتي استشهدت في ريعان شبابها بسبب ما تعرضت له من قهر وظلم واقتحام لبيتها، ثم ما صاحب حروب تأسيس الدولة والتي اختلطت بحروب الردة من جرائم يشوب لهولها الولدان، ثم التنافس في الدنيا وتكديس التلال من الذهب والفضة ثم المعاملة الإجرامية التي تعرض لها الفرس وعلى رأسهم الأسرة المالكة التي عُرض نساؤها للبيع كرقيق في سوق المدينة، والتي تركت جراحا لم تندمل إلى الآن في نفوس الفرس بعد أن أدت أيضا إلى مقتل عمر بن الخطاب ومجموعة من المسلمين في المسجد، والأخطر أن بعض رجال الفرس تولوا أمر تحريف الإسلام ووضعوا المرويات التي تسخر منه وتقوض أركانه والتي أصبحت جزءا من السنة التي يعضون عليها بالنواجذ الآن.
-------
إن الإسلام هو دين الحق وليس بدولة، ويستطيع أتباع دين الحق أن يلتزموا به وأن يعملوا بمقتضاه وأن يحققوا مقاصده داخل أي كيان إنساني كبير سواء أكانوا قلة أم كثرة، أما أسلوب إدارة أمور هذا الكيان فهو أمر يتطور مع ظروف كل عصر ومصر، ولا يحق لأتباع دين الحق العدوان فضلاً عن السعي إلى التصادم مع كيان لا يحاول فتنتهم في دينهم، وعلى المستضعفين منهم في كيانٍ ما الهجرة إلي كيان آخر لا يتعرضون فيه للفتنة، والمقصود بالفتنة طبقاً لمصطلحات هذا العصر هو الاضطهاد الديني الذي يتضمن حرمانهم من بعض حقوقهم بسبب دينهم أو اتخاذ ما من شأنه حملهم على ترك دينهم واعتناق دين آخر أو عدم القيام بأركان دينهم، ومن المعلوم أن العلمانية السائدة في الغرب الآن تعتبر مثل هذا الاضطهاد من الجرائم المشينة، وعلى الكيانات المحسوبة ظلماً علي الإسلام أن تتأسى بهم فلا تضطهد أتباع أي دين آخر أو أي مذهب إسلامي آخر، وهذا ما يلزمهم به دين الحق بالأصالة، بل إن من وسائل التقرب إلى الله تعالى أن يبروا من يختلفون عنهم في الدين أو المذهب وأن يقسطوا إليهم.
والصورة المثلى التي يجب على أتباع دين الحق الالتزام بها والعمل على تحقيقها في كيان يتكون منهم هي ألا يكون فيهم مؤسسات تسلطية بل يجب أن يكون ثمة مؤسسات من أولي الأمر بحيث لا تتدخل مؤسسة في عمل الأخرى، فهذا الكيان يختلف تماماً عن الدولة بمفهومها الحديث، وهو لا يستعير من الدولة شيئاً من المفاهيم والتصورات والنظم إلا للضرورة القصوى، ولمؤسسة أولي أمر معين علي الناس حق الطاعة في مجال اختصاصها، ومن يطع أولي الأمر فإنه يفعل كما يطيع المريض مثلاً طبيبه الذي يثق في علمه ومقدرته ومهارته ودينه وأخلاقه، فهو ينتفع بذلك في حياته الدنيا ويثاب عليه علي المستوى الجوهري الأخروي أيضاً، فله ثواب توقير سنن الله والالتزام بأوامره وأداء حق ما استخلف فيه من جسد، أما من كان أقل إيماناً أو من كان بلا إيمان فهو سيجد نفسه مضطراً للطاعة طلباً للنفع الدنيوي وانسياقاً للتيار العام وانصياعاً للقانون، فلابد من التسليم بإمكانية وجود منافقين في مجتمع ارتضى أن يلتزم بدين الحق، ولقد تضمن القرءان كل ما يلزم للتعامل معهم.
------
لما كان الإسلام ديناً وليس دولة فلا معنى للقول بأن دين الدولة هو الإسلام، فهذا القول متناقض من الناحية الشرعية متهافت متناقض من الناحية المنطقية، فالدولة كيان اعتباري ذو سلطة، فهل المقصود أن تلك السلطة ستعمل ضد من ليس بمسلم؟ إن ذلك يتناقض بالضرورة مع أوامر وقيم الإسلام ذاته وكذلك مع مبدأ المواطنة ومع مواثيق حقوق الإنسان الموقعة من الدولة، ومن المعلوم أن الموجود علي الساحة هو مذاهب إقصائية متناقضة متنافية كل منها يدعي أنه الإسلام الصحيح، فمن الذي سيحدد صورة الإسلام الذي ستأخذ الدولة به؟ وقد يحاول أحد المتكسبين بأحد المذاهب استعداء السلطة أو أجهزة الدولة علي كل من يختلف معه، ولقد حاولت ذلك كل أتباع المذاهب علي مدى التاريخ، ولم يكن ذلك أبداً لصالح الإسلام بل لم ينتفع منه إلا المتكسبون بالدين، ومن المعلوم أن أتباع كل مذهب يعتقدون أنهم الفرقة الناجية وأن من عداهم في النار وأن مجرد اعتناق عقيدة مذهبهم هو بمثابة صك غفران لا يضر معه اقتراف كبائر الإثم، والحق هو أن القول بأن دين الدولة هو الإسلام يتضمن بالضرورة أن ثمة مذهباً يعتبر في نظر الدولة هو الإسلام ويعتبر من يأخذ بغيره ليس بمسلم مما يجعله شاء أم أبى عدواً للدولة، وهذا مما يجعله أقل مرتبة من أهل الكتاب ويبيح للناس الاعتداء علي حقوقه، وعلي مدي التاريخ بل منذ فجر الإسلام ظهرت جماعات متطرفة –مثل الخوارج- استباحت لنفسها دماء من خالفها من خيرة المسلمين بينما احترمت بشدة حقوق أهل الكتاب ولم تجرؤ علي المساس بها، إنه لم ينتفع الإسلام أو المسلمون بشيء من النص في الدستور علي أن الإسلام دين الدولة، إنه إذا كان لابد من النص علي تلك المادة فيجب أن يحدد الحد الأدنى لما هو مقصود بالإسلام، وكبديل آخر يمكن النص علي المبادئ والقوانين الإسلامية الأساسية والرئيسة في الدستور بطريقة قطعية الدلالة وأن يتم الالتزام بمنظومات السنن الشرعية والتشريعية الإسلامية عند سنّ أي قانون.
------
إنه لا يجوز القول بأن الإسلام دولة، فالإسلام هو دين يتضمن منهجاً للحياة وقيماً وأركاناً وسنناً لكافة الكيانات الإنسانية، ولذلك يمكن أن يعتنقه أي فرد أو مجموعة في أي دولة دون أن يكونوا مضطرين للاصطدام بأجهزة تلك الدولة، أما نظم القيام بالأمر فلم يُلزم الإسلام الناس فيها بنمط أو شكل معين، وذلك تصديقاً لعالميته وصلاحيته لكل زمان ومكان، ومن مقاصد الإسلام العظمى إعداد وبناء الأمة الخيرة المسلمة الصالحة وتزويدها بكل ما يلزم للتعايش المثمر البناء مع الآخرين، ومن أركان هذا التعايش وسماته السلام والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
أما الدولة بمفهومها الحديث فهي مختلفة تماماً عما كان يعرف من قبل بالدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية....؛ فهي أمر مستحدث لم يكن معروفاً قبل هذا العصر، ويجب على الجماعة المسلمة التي تشكل جزءاً كبيراً أو صغيراً من شعب تلك الدولة أن تتفهم وأن تتقبل ذلك، وأن تعمل بقيم ومبادئ ومثل الدين عند تعاملها مع وضع حديث كهذا.
أما ما كان يعرف بالدولة الأموية أو الدولة العباسية أو الدولة العثمانية فلقد كانت كيانات ذات طبيعة مختلفة، وهي لم تكن بالطبع كيانات دينية وليس لها أية قداسة والمسلمون ليسوا مطالبين أبداً باستحداث ما يماثلها، ولقد كانت كسائر الكيانات لها ما لها وعليها ما عليها، وما عليها هو أكثر بكثير وأكبر وأخطر مما هو لها، وهي مقارنة بالنظم الغربية الحديثة هي صور مضخمة ومجسمة للجهل والتخلف والهمجية والانحطاط والاستبداد والجور، أما أشد من ابتلي بها ودفع ثمن وجودها وما يزال فهم المسلمون أنفسهم، ولا يستطيع أي منصف أن يحمِّل الغرب وحده مسئولية الكراهية الدفينة والعميقة التي يكنها للإسلام، فلم يظهر المسلمون لهم أنفسهم أبداً كدعاة إلى الخير والحق والرحمة وإنما أظهروا أنفسهم كغزاة فاتحين يهددون القوميات الأوروبية في طفولتها ولا هم لهم إلا الاستيلاء على نسائهم وأطفالهم وأموالهم، إن العرب والعثمانيين من بعدهم لم يتعلموا أبداً أنه لا حاجة أبداً إلى حشد الجيوش لدعوة الناس إلى الإسلام في أوروبا أو في غيرها، ولقد كان يمكن لبعض الدعاة المتمرسين اجتذاب الإنجليز والفايكنج والروس والساكسون إلى الإسلام لأسباب عديدة، هذا في حين أنه لم يكن من الممكن أبداً مهاجمة هؤلاء بجيوش كثيفة، لقد دفع الإسلام والمسلمون والبشرية جمعاء غالياً ثمن رغبة العرب والعثمانيين في التوسع واستيطان أراضي الآخرين والاستيلاء على أموالهم ونسائهم وأطفالهم، وكذلك ثمن جهلهم بأية وسائل سلمية للتعامل مع الناس، ولقد لعب القول بالناسخ والمنسوخ دوراً هائلاً في ترسيخ النزعة القبلية العدوانية لدي العرب والأعراب وتحريف الدين ليتلاءم مع أهوائهم وطباعهم وفي إضفاء الشرعية عليها.
إن الدين هو نهج كامل للحياة، وهو ملزم بقيمه وسننه ومقاصده لكافة الكيانات الإنسانية، ولكن لا يجوز القول بأن الإسلام هو دين ودولة، فهذا القول يتضمن مخالفات شرعية ومنطقية، ولا يجوز المقارنة بين أمرين لهما طبيعتان مختلفتان تماماً مثلما لا يجوز مقارنة ألف كيلوجرام بألف كيلومتر مثلا، والدولة التي هي أمر واقع في هذا العصر هي كيان حديث يختلف تماماً عن الكيانات التي كانت سائدة في العصور القديمة والمظلمة، ولقد زود الإسلام من حيث عالميته وصلاحيته لكل العصور معتنقيه بكل ما يلزم للتعامل مع كل ما يمكن أن يستجد من الكيانات.
------
إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لم يكن عليهم ملكاً ولا جبارا ولا حفيظا ولا وكيلا ولا مصيطرا، وبذلك فقد نفى القرءان عنه كل صفات الحاكم المعروفة، لذلك أمر الله تعالى الناس بطاعته من حيث أنه رسول الله وليس من حيث أنه كان متسلطاً عليهم أو ملكا عليهم، ولم يكن منوطاً بالرسول تحويل الأمة التي رباها وعلمها وأعدها إلي دولة، بل كان من مهامه إعداد أمة خيرة فائقة لا يتسلط عليها فرد أو مجموعة لأي سبب من الأسباب وبحيث تكون ممارسة كافة الأمور بالشورى وليس بالقهر والتسلط والحكم الفوقي، ولقد أرسل الله رسله بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وليس ليعطي لطائفة ما أو لقبيلة ما أو لأسرة ما حق العلو في الأرض ولا ليكسب تسلطها أية شرعية.
------
يرفع بعضهم شعار "الإسلام هو الحل" وهذا الشعار لا يعني عملياً وواقعيا إلا العودة إلى المذاهب التي حلَّت محلّ الإسلام والتي ترتبت على تمزق الأمة ثم أدت إلى ترسيخ ومضاعفة هذا التمزق كما سببت أيضاً انهيار الأمة وبرمجتها على كل ما يمنع نهضتها وتقدمها، فتلك المذاهب هي أصل الداء، ولم يكن الصراع الدامي بين الفرق المختلفة في أفغانستان وكذلك فشل طالبان هناك إلا تجسيداً لذلك، وكل بلد سيختار الاتباع الدقيق لأي مذهب من المذاهب التي حلت محلّ الإسلام إنما يحكم على نفسه بالخراب العاجل أو الآجل، فإذا كان لابد من شعار فليكن: "الاعتصام بحبل الله تعالى هو الحلّ" أو على الأقل: "الإصلاح الديني هو الحلّ".
------
إن مصطلح السلطان في الإسلام يتضمن بصفة أساسية معاني الحجة والبرهان والحق والدليل، فهو لا يعني أبداً أي تسلط غير موضوعي وغير حقاني على الناس، لذلك فأولو الأمر في الإسلام يستمدون حق الطاعة مما لهم ومما لديهم من العلم والتأهيل والخبرة والتمرس بأمرهم، فما لديهم هو الحق والحجة والبرهان على من لهم عليهم حق الطاعة، فأولو الأمر في المجال الإداري هم كأولي الأمر في المجال الطبي، لهم على الناس حق الطاعة بحكم التأهيل الذي حصلوا عليه والكفاءة التي أثبتوها والخبرات التي اكتسبوها ونجاحهم في الاختبارات التي اجتازوها وما هو مشهود لهم به من الإيمان وتحري العدل والبعد عن الظلم، فإذا ما أخل أحدهم بشيء من ذلك أو ثبت فشله فقد انعزل شرعا ويصبح استمراره في وظيفته كبيرة من كبائر الإثم عليه وعلى من سمح له بالاستمرار فيها. 
إنه على كل المسلمين في كل البلدان أن يبحثوا عن العوامل والأمور المشتركة بينهم وهي كثيرة وأن يدعموا ويرسخوا تلك العوامل وأن يتعاونوا تعاوناً صادقاً، ومن الأمور المشتركة ضرورة مواجهة أعداء الإسلام وهم الآن أفراد وهيئات، والمواجهة تكون باتباع أفضل السبل السلمية وليس بالاسترهاب ولا بالترويع ولا بإهدار الدماء ولا بفتاوى القتل.
------------
ليس ثمة ما يلزم أمة إسلامية في بلد ما بالاتحاد السياسي مع الأمم الإسلامية في البلاد الأخرى، بل إن ضرر ذلك الآن أكثر من نفعه لاختلاف درجات التطور والمستوى الثقافي من أمة إلي أخري، ولكن لابد من التعاون في كل الأمور المشتركة وللقيام بالواجبات وأركان الدين المنوطة بالأمة مثل الدعوة إلي سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالقسط والجهاد، والجهاد إنما يكون بالسبل الشرعية السلمية القانونية وليس بالاسترهاب والعمليات الانتحارية.
والأمة السليمة السوية لا تري حرجاً في أن يتولى أمورها التنفيذية أولو أمر منها، وأولو الأمر هاهنا هم المؤهلون بالفعل للقيام بذلك.
ولا وجود الآن للأمة الإسلامية بالمفهوم الوارد في القرءان، وإنما يوجد –باستثناءات قليلة جدا-قطعان بشرية محسوبة على الإسلام لا تتعصب له إلا كتراث ألفوا عليه آباءهم، وهؤلاء قد تم تغذية التعصب الأعمى في نفوس الكثيرين منهم، وهم تمزقهم المذاهب الإقصائية الضالة وتحول بينهم وبين أن يكونوا ولو مجرد بشر أسوياء، أما أكثرهم فهم مشركون ضالون فاسقون لا يتبعون إلا الظن والأهواء ويكذبون بآيات الله ويتخذون كتابه مهجورا، فلا يمكن أن تنتج مجتمعات كهذه أولي أمر حقيقيين وفقاً للمفهوم الإسلامي، لذلك لا مفر من نظام علماني ينتج قائمين بالأمور أكثر إنسانية وتحضرا ويوالون ويتمسكون بالقيم الإنسانية العامة وبحقوق الإنسان ويعملون علي الرقي العام بالناس ومقاومة الجهل والتخلف ويرسخون عوامل التقدم.
------------
إنه نظراً لكون المسلمين قد فرقتهم المذاهب إلى طوائف متنافية متباعدة إقصائية تتربص كل طائفة بالأخرى شراً وتعتبرها أكفر من اليهود والنصارى فإنه لا بديل عن نظام مدني علماني يضمن للجميع الحق في ممارسة دينهم ومذهبهم والجهر بآرائهم، وذلك هو ما يلزم الأقلية المؤمنة ويحميها من بطش أعداء أنفسهم من أهل الشرك والنفاق والفسق والجور.
------------
من الجدير بالذكر أن الأمة الإسلامية قد استمرت دون أن تدري تمارس بعض ما تعلمته في العصر النبوي رغم أنف المتسلطين عليها، ولذلك كانت الأمة تقوم من تلقاء نفسها بكثير من المهام التي هي من المهام المنوطة بالدولة الحديثة، وبذلك تفرغ الخلفاء المتسلطون لجواريهم وغلمانهم ولظلمهم وجورهم وإفسادهم في الأرض وتطفلهم على أمتهم وجلدهم لظهورهم وسفك دمائهم وسرقة ثمار أعمالهم وكرائم أموالهم، ولقد كان قيام الأمة بمعظم المهام المنوطة بالدولة هو الذي حمى الأمة من الانهيار التام.
------------
إن كل ما قام به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان بمقتضى كونه رسولاً نبيا، ولقد كان لذلك مكلفاً بتحقيق مقاصد الدين العظمى بتعليم قومه وتزكيتهم ليجعل منهم بشراً ربانيين فائقين صالحين وليجعل منهم أمة خيرة فائقة، ولقد كان مكلفاً برسالة خاصة إلى قومه وكانوا بموجبها ملزمين بالإيمان به بعد أن أتاهم بالبينات التي لا سبيل إلى جحدها، وكان أيضاً مكلفا بتنفيذ الحكم الصادر على من يأبى الإسلام منهم إذ لابد من القضاء بالقسط بين من آمن بالرسول وبين من كفر به في هذه الحياة الدنيا.
------------
إن كل ما قام به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من أعمال وما صدر عنه من أقوال كان لصالح تبليغ رسالة ربه والدعوة إلى سبيله ولضمان الحفاظ على الرسالة من بعده واستمرار الدعوة إليها، فهو لم يحاول أبداً تأسيس دولة يرأسها هو ويورثها لقريش من بعده، فكل المعارك التي اضطر لخوضها كان لحماية الأمة الوليدة المنوط بها حمل رسالة الحق للعالمين والمنوط بها القضاء على الكفر والكافرين من العرب الذين هم قوم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولقد اقتضت السنن الكونية حتمية الفصل بين من آمن وبين من كفر في الحياة الدنيا.
------------
مقارنة بين النظام الحديث للدول المتقدمة وبين دين الحق من حيث الأسس والمبادئ:
1-                الشعب الذي ينتمي لدولة من الدول الحديثة المتقدمة هو صاحب السيادة ومصدر السلطات والشرعية، وليس لدولة يشكل المسلمون فيها أغلبية الآن ألا تأخذ بهذا المبدأ، ذلك لأن المذاهب التي حلت محل الإسلام ليس لديها ما يصلح بديلا له، وليس للأقلية الإسلامية في بلد غربي أو شرقي أن تقاوم مبدأً كهذا بحجة أن السيادة ينبغي أن تكون للشريعة الإسلامية والتي هي في الحقيقة شريعة مذهب من المذاهب، أما في حالة وجود أمة إسلامية خالصة تؤمن بدين الحق فإن السيادة فيها يجب أن تكون لدين الحق بكل منظومات قيمه وسننه ومقاصده.
2-                استقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية والفصل بينها: وهذا في الواقع تفعيل وتجسيد ما يُلزم الإسلام الناس به من ضرورة وجود هيئات من أولي الأمر ومن ضرورة طاعة كل ولي أمر في مجال تخصصه ومن ضرورة ألا يتدخل غير مختص في أموره، وليس لأي إنسان محاولة تقويض هذا المبدأ، فنظام أولي الأمر الإسلامي يحقق ذلك بطريقة آلية.
3-                احترام حقوق الإنسان: وبالطبع فإن نظم الدولة المتقدمة الحديثة قد تعطي الحرية للإنسان في أن يقترف بعض ما يعتبر –طبقاً لمنظومة القيم والأوامر الإسلامية- من كبائر الإثم على المستوى الفردي، ولكن ليس ثمة ما يلزم المسلم بأن يقترف مثل هذه الآثام، وعليه أن يتجنبها بمحض اختياره وإن لم يعاقبه عليها القانون، وعلى المسلمين سواء أكانوا أقلية أم أكثرية أن يبينوا الأمر للناس باستعمال كافة الحجج والوسائل وإلا فإنهم غير مكلفين بما ليس في وسعهم، وعليهم أن يفيدوا إلى المدى الأقصى بما هو متاح لهم من حقوق وأن يلتزموا بأركان دين الحق التي تلزمهم بتزكية أنفسهم وأبنائهم بحيث لا يقترفون ما يخالف دينهم حباً وإجلالاً لربهم وليس خوفاً من عقوبة دنيوية.
4-                ضمان حريات العقيدة والمذهب والتعبير وحرية وسائل الإعلام: وهذا مبدأ على المسلمين -مهما كانت حالتهم- احترامه والعمل على الإفادة منه، والمسلم الذي يتبع دينه الحق لا يخشى شيئاً، وهو ملزم بأن يقوم بأركان دينه ومنها أن يزكي نفسه وأن يعلم ويزكي من يتولى أمرهم وأن يقيم صلة وثيقة بربه وأن يعلمهم كافة أمور دينهم، ولو فعل لما خشي عليهم بل لارتعد الشيطان نفسه منهم.
5-                التعددية الحزبية: وهذا المبدأ هو إقرار بوجود طوائف ذات مصالح متعارضة وتوجهات مختلفة، وذلك هو الحال بالفعل في كافة الدول، ويجب على المسلمين احترامه والإفادة منه، أما في الأمة الإسلامية الحقيقية الخالصة فإن البديل هو وجود هيئات من أولي الأمر التي يستطيع كل إنسان أن ينضم تلقائيا إلى ما يشاء منها بتلقي التأهيل اللازم وبسلوك طريق معلوم ومرتضى من الجميع، واختلاف هؤلاء فيما بينهم بخصوص المعالجة الأمثل لمشكلة ما يتم بإجراء ما يلزم من دراسات علمية وبالتبادل الحر للآراء وبإعمال الشورى وبالاقتراع إذا لزم الأمر، ويمكن في حالة الضرورة الأخذ العلمي بالرأي المرتضى لدى قطاعات أوسع، ولكن لا يجوز أبداً استفتاء الناس فيما يجهلونه، وعلى كل إنسان يجهل مجالاً ما أن يقر بجهله فيه وأن يشجعه النظام العام على التعلم، وكما لا يجوز لأحد أن يحتقره لجهله فليس لأحد أن يتملق جهله، وليس للجاهل بالأحرى أن يصول على الناس بجهله.
6-                تداول السلطة يتم سلمياً وعن طريق الانتخابات، ويجب على المسلمين احترام هذا المبدأ والإفادة منه، أما في الأمة المسلمة الحقيقية فإن السلطة الحقيقية هي لدين الحق ومنظوماته التشريعية والتنفيذية، وأولو الأمر هم كذلك لأنهم يستمدون سلطاتهم من التزامهم بدين الحق ومن كونهم مؤهلين التأهيل اللازم في أمورهم بما تلقوه من تعليم وبما أثبتوه من أهلية وجدارة وحققوه من إنجازات.
7-                الإقرار للأغلبية بأن تحكم وللأقلية بأن تعارض: ويجب على المسلمين احترام هذا المبدأ والإفادة منه، أما في الأمة المسلمة الحقيقية الخالصة فتدبير وتصريف الأمور وسن القوانين هو لأولي الأمر الحقيقيين، وهم الصفوة من أولي الألباب المؤهلين في كل مجال، ولا يجوز للثرثرة البرلمانية ولا للمهاترات الانتخابية أن تعوق مسيرة الأمة، أما ميزة هذا المبدأ الأساسية وهي جعل الحزبيين رقباء على بعضهم البعض فنظم دين الحق ومنها وجود هيئات أولي الأمر تكفلها وتوفرها.
8-                تشديد الرقابة على الحكام ومنع الناس من اتخاذهم أربابا: وهذا المبدأ يتفق مع دين الحق، أما الأمة فلا وجود فيها أصلاً للمتسلطين ولكن يوجد أولو أمر حقيقيون.
-------
إن الصورة المثلى طبقاً لدين الحق هي وجود أمة بلا دولة أي بلا أجهزة تسلطية يدير أمرها هيئات من أولي الأمر منها، فإن تعذر ذلك فيجب أن يكون لتلك الأجهزة الحد الأدنى من السلطة، فكلما قلت سلطة الأجهزة كلما اقتربت من المثل الإسلامي، وهذا هو ما يعرف الآن بتخفيض تدخل السلطة في أمور الناس إلى أدنى حد ممكن والاقتصاد في التشريع وسن القوانين واختزال دور المؤسسات البيروقراطية.
------------
إن مسئولية الكيان الإنساني المسمى بالدولة هي جماع ما هو محدد في الدساتير الغربية، فما هو محدد هو التجسيد الحي لبعض القيم والمبادئ والمثل الإسلامية، أما الدعوة إلى الإسلام فهي مسئولية الأمة الإسلامية التي هي كيان مدني داخل الدولة، وهي أيضاً تكون مسئولية الدولة إذا كانت تلك الدولة خاصة بالأمة لا يشاركها فيها أمة أخرى، ومن المعلوم أنه في حالة وجود أمة بالمفهوم الإسلامي فإن الكيان المسمى بالدولة لا يعني أكثر من أمة مرتبطة بأرض لها حدودها الجغرافية المعترف بها، فهو لا يعني أية سلطة بالمعنى القديم أو الحديث، ويدير شئون تلك الأمة هيئات من أولي الأمر؛ وهم أناس من الأمة مؤهلون تماماً في المجال الخاص بهم ومتمرسون به، أما السيادة في مثل هذا الكيان فهي لدين الحق بمنظومات قيمه وأوامره وسننه، فكل عنصر من عناصر هذا الكيان يعرف تماماً حقوقه وواجباته فلا يتسلط على الناس متذرعاً بأي أمر غير موضوعي مثل الانتماء إلى أسرة ما أو لأن متسلطاً قبله قد اختاره، وهو يطيع كل ولي أمر في مجال أمره كما أن له حق الطاعة عليهم في مجال أمره هو، وعلى سبيل المثال فالمهندس المدني مثلاً يطيع أوامر الطبيب في مجاله فيلتزم بالعلاج الذي قرره له بينما لا يتدخل هذا الطبيب في كيفية إقامة الأساس لبيته الذي كلف هذا المهندس مثلاً ببنائه، فنظام أولي الأمر يتضمن تلقائياً ما يسمى بالفصل بين السلطات، ولذلك أيضاً فكل فرد إنما يستمد سلطته من كل الأفراد الآخرين ومن النظام العام الذي يجمعهم، وهو مسئول أمامهم كلهم عن أي قرار يتخذه وهو يستمد ولايته في أمره من حسن قيامه بهذا الأمر والتزامه التام بأوامر الدين وقيمه وسننه، فإذا ما انحرف عن الجادة لأي سبب من الأسباب انحرافاً لا يمكن تقويمه فقد عزل نفسه بنفسه إذ لم يعد تعريف ولي الأمر ينطبق عليه، ولكل ذلك فلا وجود في الإسلام لمفهوم الحاكم على الناس وإنما يوجد مفهوم الحكم بين الناس، فالفعل " حكم" لم يأت في القرءان الكريم متعديا أبداً، وإنما جاء لازما، فالحكم إنما يكون بين الناس، ولقد أخطأ من ظن أن الحكم في القرءان لا يعني إلا التقاضي فقط، والحق هو أن الحكم في القرءان هو بين الناس بمعنى أنه شائع بينهم، فكل منهم حاكم في مجال أمره محكوم عليه في كافة الأمور الأخرى، وكل فرد منهم مطالب بأن يقوم بالقسط وأن يحكم بين الناس بالعدل.
ويلاحظ أن جل الأوامر العامة في القرءان وخاصة ما يعرف الآن بالأوامر القانونية موجه للأمة وليس للفرد، وذلك لأن دين الحق يتضمن أنساقاً من القوانين الملزمة لكافة الكيانات الإنسانية بما فيها ما يمكن أن يستجد منها، وقيام الفرد بالأوامر الخاصة به لا يعفي الكيان الأكبر منه من ضرورة القيام بواجباته، والأمة بالمعنى والمفهوم الإسلامي ليست تراثاً أو عقارا وإنما هي التي تدبر أمور نفسها بنفسها وتحكم نفسها بنفسها ولا يتسلط عليها فرد منها أو من غيرها، ولذلك لم يوص الرسول بالأمر لأحد، وهو لم يشأ أن يلزمهم بما يقتضيه الشرع من ضرورة تكوين هيئة من أولي الأمر تصرف أمورهم لعلمه بأنهم بحكم أحوالهم وظروفهم قد لا يلتزمون بذلك مما قد يعرضهم لفتنة ماحقة، لذلك تركهم يخوضون التجربة بكاملها بعد أن قام هو بدوره وأدى الرسالة وعلمهم وزكاهم بقدر ما سمح به الوقت والظروف، لذلك فهم المسئولون تماماً عن اختياراتهم وهم محاسبون عليها.
------------
إن المسلمين في كل دولة سواء أكانوا أقلية أم أغلبية ملزمون بتكوين أمة واحدة، والأمة هي مجتمع مدني يسير أموره أولو أمر منه بما لا يتعارض مع سلطة الدولة، فأولو الأمر هؤلاء يمثلون الأمة لدى الدولة، ولا يجوز في الدول المحسوبة ظلماً على الإسلام التقاعس عن هذا الأمر، ومن المعلوم أن القائمين على الأمور في جل الدويلات المحسوبة على الإسلام لا علاقة لهم بالإسلام كنظام قانوني وسنني وقيمي حاكم على النظم، فهم يجهلون أو يتجاهلون نسق السنن الإسلامية الملزم لهم كقائمين على الأمور، هذا فضلاً عن أنهم لا يستندون إلى أية شرعية وفق أي مقياس أو معيار، وهؤلاء مهما اختلفت اتجاهاتهم وألوانهم لا هم لهم إلا البقاء في السلطة واستغلالها إلى المدى الأقصى، فلا يجوز التعويل على حسن نواياهم، ولكن لا جدوى من العمل على أن يستبدل بهم غيرهم طالما كانوا هم الثمرة الطبيعية لوجود شعب جاهل متخلف يقدس الأخلاق والصفات الشيطانية بينما لا يكف عن التشدق بالأخلاق الدينية.
------------
إن الرسول في حروبه مع الأعراب المشركين كان دائما في موقف الدفاع ضد عناصر همجية لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وليس لهم عهد ولا ميثاق، وكان ملزما بأن يقوم بواجباته لحماية أمته الوليدة ضد أعدائها المتربصين بها، فكلما جاءته الأنباء بتجمعهم للهجوم على المدينة كان من الطبيعي أن يباغتهم في أماكنهم ومكامنهم، وهو لم يرد أبداً أن يوسع سلطاته وإنما كان يحمل رسالة للعالمين هو مكلف بإبلاغها وباتخاذ كل ما يلزم لذلك من أساليب شرعية، ولقد كان مكلفاً أيضاً بالقيام بأركان الدين لتحقيق مقاصد الدين، وبصفة خاصة فلقد كان مكلفا بأن يبلغ قومه بالرسالة وبأن يأتيهم بالبينات وبأن يقيم عليهم الحجج وبأن يتعامل معهم بما يتوافق مع ظروفهم وأحوالهم وبأن يؤدي مهاماً خاصة بهم، ومن ذلك أنه كان مكلفاً بتعليمهم آيات الكتاب وتلاوته عليهم وتزكيتهم، كما كان مكلفاً بأن يجعل منهم أمة صالحة خيرة قوية موحدة يرتبطون مع بعضهم البعض بأخوة الإيمان، وكان مكلفاً أيضاً بتحقيق وتفعيل الحكم الإلهي الخاص بأقوام الرسل، وهو ضرورة القضاء والفصل بين من آمن وبين من كفر في زمن الرسالة، ولما كان استعمال الآيات المادية قد نُسِخ كان عليه أن يقاتل بمن آمن من كفر في حرب مصيرية وُعد فيها بالنصر، فلابد دائماً من انتصار الرسول ومن آمن معه.
------------
قال بعض من زعم أن الرسول قد أسس دولة: "إن كانت وظيفة النبي هي النبوة والرسالة فقط -أي مجرد تبليغ الدين- فالحروب والغزوات التي قام بها لا تدخل ضمن ما حدده له بها وكذلك إعداده الجيوش والقواد لغزو الروم ثم التحرك بهم حتى وصل إلى تبوك وعقْده صلحاً مع زعماء بعض القبائل والمدن، وهل تعيينه معاذا حاكماً على اليمن من أعمال النبوة؟ وهل تعيينه أمراء لجمع الزكاة جبراً من أعمال النبوة؟ وهل غزوة مؤتة المتجهة نحو الروم من أعمال النبوة؟"
ومن العجيب أن هذه الأسئلة بعينها هي التي يرددها أعداء الرسول والإسلام كدلائل على أن الرسول كان مجرد زعيم عربي يريد أن يؤسس دولة تحكمها قريش وأنه اتخذ من الدين وسيلة لتحقيق ذلك، والجواب على كل تلك الأسئلة: إن القيام بكل الأمور المذكورة هو من مقتضيات أداء الرسالة والمهام المنوطة به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كرسول، أما من يقولون إنه أسس دولة ويحسبون أنهم بذلك يحسنون صنعاً فإنما هم يضاهون قول أعداء الرسول والإسلام، إنه يجب العلم بأن الرسول كان مكلفاً بمهام عديدة كرسول وكان مكلفا بتنفيذ وتفعيل أوامر الدين الواردة في الرسالة التي حملها للعالمين، وأن كل ما قام به كان من مقتضيات ذلك، لقد كان مكلفاً بإعداد أمة خيرة صالحة، وهذا ما حققه بالفعل، وهو لم يؤسس دولة وفقاً لأي مفهوم، ولو كان من مهامه تأسيس دولة لوضع لها هيئاتها ولعيَّن لها حكامها ولبيّن أسلوب تداول السلطة فيما بينهم، ولو فعل لما اختلف الناس من بعده ولما اجتمعوا في السقيفة ولما تطاولوا على ابنته وبضعته وحاصروا بيتها وهددوا بحرقه بمن فيه، ولما ضربوا من بعد رقاب بعضهم البعض، لقد أدى كل مهامه بنجاح مطلق ما بقي فيهم فلما توفاه ربه صاروا رهائن أعمالهم وأصبح هو شهيداً عليهم، ولقد حذرهم القرءان من أن ينقلبوا من بعد على أعقابهم، ومع ذلك فلقد انقلب كثير منهم على أعقابهم، ولقد حذرهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من أن ينقلبوا كفاراً يضرب بعضهم رقاب البعض الآخر وحذرهم من فتنة الدنيا، ومع ذلك فسرعان ما ضرب بعضهم رقاب بعض وافتتن أكثرهم بالدنيا، ولو كانوا (صحابة عدولا معصومين) حقاً لما كان لمثل كل هذه التحذيرات من معنى، فتحصيل الحاصل مستحيل، والأمر بتحصيل الحاصل لا معنى له.
وبخصوص الأسئلة المذكورة بعينها يجب العلم بأن الرسول قد أرسل جيشاً للقصاص من القبيلة العربية التي قتلت رسوله وتبجحت بذلك، وما فعلته تلك القبيلة هو عمل إجرامي شائن بأي مقياس قديم أو حديث، ولو أرسلت أمريكا الآن مثلا سفيراً أو مبعوثا إلى إحدى الدول فقتلته السلطة في تلك الدولة لأعلنت عليها الحرب فورا وإلا لسقطت هيبتها ولتطاولت الدول على سفرائها ومبعوثيها، ولا يسكت على أمر كهذا الآن إلا الدول المستضعفة أو التي لا حيلة لها، وبالمثل اقتضي القيام بالرسالة ألا تستهين بالرسالة والرسول قبائل الأعراب التي أسلمت ولما تؤمن، إنه من المعلوم أن الأعراب لا يعبدون إلا القوة، فكان لابد من إرسال الجيش، ولكن الروم تدخلوا لصالح تلك القبيلة بجيش عرمرم، فكانوا بذلك من المعتدين، وكان لزاماً على الرسول وعلى الأمة المؤمنة التصدي للعدوان بمقتضى الأمر: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190، فالأمر كله كان عملا بالرسالة وليس عملا بمقتضيات تكوين دولة، أما كل ما ترتب على غزوة تبوك فكان من مقتضيات القيام بالرسالة ولتأمين الأمة الفتية التي تحمل تلك الرسالة.
أما بالنسبة للدولة الفارسية فقد كان الفرس يضطهدون الطوائف المخالفة لمذهبهم، وكان ثمة قبائل عربية تابعة لهم فى الحيرة وكانوا يحتلون البحرين واليمن، وعندما تلقى كسرى كتابا من الرسول مزقه وأرسل إلى عامله على اليمن يأمره بأن يرسل رجلين قويين من عنده ليأتياه به، وكان هذا منهم تطاولاً لا مبرر له وإعلانا بالعداء والحرب، وهكذا كان ثمة حالة حرب وتربص بين الجانبين، أما عمل معاذ في اليمن فلم يكن الحكم بالمعنى الحديث وإنما الدعوة إلى سبيل الله وتعليم الناس أمور دينهم والقضاء بين الناس وفقاً لأحكام وقوانين الرسالة التي تمرس هو بها وكانوا هم يجهلونها، وكذلك كان في كل قبيلة أو إقليم من يؤدي عملاً مشابها ومن يقوم أيضاً بجمع أموال الزكاة وفقاً للأسس التي تعلموها، أما السلطة التنفيذية فلقد تركها الرسول لمن كانت في يده طالما أسلم، أما تسمية من يقوم بعمل من الأعمال التي كلفهم بها الرسول بالأمير فإنما لأنه كان يأتمر بأمر الرسول وكان له حق الأمر والقيام بالأمر لذلك، ولا علاقة لمصطلح الأمير في عهد الرسول بالمعاني التي استحدثها الناس من بعد والتي أصبحت تعادل (Prince or ruler).
فكل عمل قام به الرسول كان من مقتضيات القيام بمهام الرسالة الخاصة بقومه والخاصة بالعالمين.
------------

لقد أدى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وأشهدهم على ذلك، وفي خطبة الوداع بشر وأنذر وهدد وتوعَّد، وأبرق وأرعد، وهو من بعد انتقاله أصبح شهيدا عليهم، وهم تُركوا ليعمل كلٌّ على شاكلته، فالدنيا دار ابتلاء، فهم مسئولون عن أعمالهم وعن اختياراتهم لأنفسهم، ولم يكن من مهام الرسول أبدا تأسيس دولة يحكمها أهل بيته من بعده، بل إن هذا هو ما رماه به خصومه، وهذا أيضا هو المستحيل بعينه، فسيظل أكثر الناس مشركين وللحق كارهين وسيظلون كالأنعام بل أضل سبيلا وسيظلون يتبعون الظنون.
-------
إنه لا وجود في دين الحق لمفهوم السلطة بالمعني المتعارف عليه، وإنما يتولى أمور الأمة أولو الأمر منها، فشرعيتهم مستمدة من كونهم أولي أمر حقيقيين بالمعنى الشرعي المرتضى ومن انتمائهم إلى الأمة، أما السلطان في الإسلام فيعني الحجة والبرهان، أما التسلط فهو مرتبط بالتسليط، وهذا التسليط مترتب علي خللٍ ما في بنيان الأمة نتيجة عصيان أو تمرد علي الأوامر الدينية، إن مفهوم ولاية الأمر يغني عن مفهوم السلطة، ولأولي الأمر حق الطاعة إذا كانوا هم بالفعل أولي أمر حقيقيين، ولكن يجب العلم بأن القائمين واقعيا علي الأمر ليسوا بالضرورة من أولي الأمر فقد يكونون من المتسلطين عليه، أما الانتماء إلي الأمة فيعني الإيمان بدين الحق والالتزام التام به بكل ما يعنيه ذلك من معنى، أما حاجة الأمة لمن يتسلط عليها فإنما هي لقصور تلك الأمة عن تحقيق مثل الدين العليا وعن الارتقاء إلى المستوى المأمول للأمة في القرءان، أما الأمة التي هوت إلى ما دون مرتبة الأنعام فلابد أن يتسلط عليها شيطان وإن أخذ الشكل الخارجي لإنسان.

الدولة هي مجموعة من المؤسسات الحديثة اللازمة لإدارة مصالح كل الناس أو المواطنين الذين يعيشون في بلد واحد، وهذه الدولة أي الكيان الاعتباري لا يمكن أن يعتنق دينا أو مذهبا معينا، حتى لو كان دين أو مذهب الأغلبية، ذلك لأنه في هذه الحالة لا يمكن أن يقوم بالقسط ولا أن يحقق العدل ولا أن يؤدي الأمانات إلى أهلها، أي سيعمل ضد دين الحق ومقاصده، وسوف ينحاز لطائفة واحدة ضد كل الآخرين، ويجعل أهل البلاد شيعا كما فعل فرعون من قبل؛ أي سيقسم المجتمع على أساس ديني أو عرقي أو جنسي، وهذه الصيغة قد تجاوزتها البشرية بعد أن دفعت الثمن غاليا في حروب دينية ومذهبية أهلية وإقليمية، وقد أعلن الله تعالى في القرءان أن أتباع الحق قلة، وأن الأكثرية لا يعلمون ولا يفقهون ولا يسمعون ولا يعقلون، فمن يحاول القضاء على الاختلافات بين الناس هو يحاول بالضرورة أن يقضي عليهم، ولما كان ذلك من المستحيل فهو لن يؤدي إلا إلى تخريب البلاد واقتراف المذابح المروعة التي ستجتذب كل وحوش الغاب للتدخل للظفر بجزء من الفريسة، ولقد أعلن الله تعالى أن الفصل في الأمور الدينية سيكون في يوم القيامة، وسمَّاه لذلك بيوم الدين ويوم الفصل، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفورا، وأراد كل منهم فرض ما ألفى عليه آباءه على البشرية جمعاء فجلب الشقاء والدمار على نفسه وعلى غيره وعلى بلاده.

*******
لم يؤسس الرسول دولة ليستخلف عليها أحدا، وهو لم يكن عليهم جبارا ولا مسيطرا ولا وكيلا ولا ملكا ولا إمبراطورا ليعين عليهم حاكما سياسيا، وإنما كان رسولا نبيا وولي أمر الأمة الوليدة، وكانت له مهام مذكورة في القرءان، وأكثر المسلمين (حوالي 117 ألفا من حوالي 120 ألفا) لم يسلموا إلا بعد الفتح ولم يهاجروا ولم يتلقوا ما يلزم من التعليم والتزكية على يد الرسول، ولذلك ولَّى عليها الإمام علي ليقوم بمثل هذه المهام، وليس كحاكم سياسي بالمعنى القديم أو الحديث، والرسول  ليس مسئولا عما سيحدث من بعده، فهو أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة وأصبح كل فرد من بعده مسئولا عن نفسه، ولكنهم لم يرتقوا بصفة عامة إلى ما كان يريده منهم، وبدأ الانحراف حتى أثناء مرضه، والذي حدث في السقيفة هو بداية تحويل الأمة إلى دولة سلطوية مركزية على نمط دول العصور الوسطى، أي لا تتعامل مع الآخرين إلا بالقوة، ولا يتحمل الإسلام وزر أعمال أحد من بعد الرسول.
ولو كان منوطا بالرسول من الناحية الدينية بناء دولة لورد ذلك في القرءان ولوردت نصوص تحدد بدقة شكلها وتنظيمها، فليس الأمر مجرد نص على اسم من سيخلفه، ولو كان ذلك هو الحال لما كان الإسلام دينا عالميا ملزما للناس كافة إلى يوم الدين، فشكل الدولة يتغير بتغير العصر والمصر، الرسول بنى أمة طبقاً للأوامر القرءانية، ولم يؤسس دولة؛ الفرق هائل.
وهو بإعلانه أن الإمام عليا ولي كل مؤمن كان يعلن عليهم من هو سابقهم وأفضلهم وأولى الناس بتعليمهم وتزكيتهم.
=======
يجب التمييز بين الدولة وبين الأمة، الرسول كوَّن وبنى أمة، كان كل فرد فيها يؤدي كل ما يمكنه القيام به من مهام، فكان من الممكن أن يكون أحدهم جنديا في جيشها وقاضيا ومنفذا للأحكام وراعيا لشئون عائلته أو قبيلته وتاجرا ... الخ، وكانوا يتحاكمون إليه في أمورهم أو يتحاكمون إلى من يختاره لذلك، ولم يكن لهذا الكيان السلطوي المسمى بالدولة بكافة صورها القديمة والحديثة أي وجود؛ هذه حقيقة وبديهية، وكان الناس يطيعون الرسول ليس كملك أو سلطان أو خليفة أو إمبراطور بل كنبي مرسل أوجب عليهم الله تعالى في الكتاب العزيز طاعته، ولذلك وردت أوامر عديدة تلزمهم بطاعته، كما وردت آيات عديدة تنفي عنه كل صور التسلط اللازمة للدولة، ذلك كان الأمر في العصر النبوي، ولو كان رئيس دولة بأي معنى من المعاني لأتى نص بذلك ولوجب عليهم طاعته بمقتضى أعراف عصرهم، فكلمة الملك قديما كانت هي القانون.
=======
من قصة "ثورة يناير، 2012" أ. د. حسني المتعافي:
ذات مرة قال يحيى لصاحبه هاني وهو يحاوره: ما هو معنى شعاركم المقدس أن الإسلام دين ودولة، ولماذا ترفعونه؟ أما القول بأن الإسلام دين فهو تحصيل حاصل، وقولكم به كما هو واضح مجرد تمهيد لتخلصوا منه إلى القول بأن الإسلام دولة، ألا ترى تناقضا منطقيا ولغويا في هذا الشعار؟ إنه بلا ريب متناقض في ذاته ومتناقض مع بداية الشعار، فالقول بأن الإسلام دولة لا يصح بأي معنى من معاني الإسلام ولا بأي معنى من معاني الدولة، هل تستطيع مثلا أن تقول إن الإسلام لغة؟ أو هل تستطيع أن تقول إن الفاتيكان هو المسيحية؟ هل تستطيع أن تقول إن الدولة العباسية هي الإسلام؟ إن النرويج على سبيل المثال هي دولة، هل توجد أية علاقة بين الكيان المسمى بالنرويج وبين الإسلام؟ هل من الممكن أن يندرجا تحت فئة (Category) واحدة؟ هل تستطيع أن تقارن بين ألف طن وبين ألف كيلو متر؟
التزم هاني الصمت فاستطرد يحيى: إن الإسلام بنصِّ القرءان هو دين، بل هو الدين، ولذلك يمكن لأي لإنسان في أي دولة أن يعتنقه وأن يعيش وفقاً له دون أن يجد نفسه في صدام مع الدولة التي ينتمي إليها، ولو افترضنا جدلاً ما هو مستحيل وهو أن الإسلام دولة أو أن من أركانه الملزمة إقامة هذا الكيان المسمى بالدولة لكان المسلمون في كل دولة ينتمون إليها ملزمين بالعمل على إقامة دولة داخل الدولة حتى وإن كانوا أقلية وإلا لكانوا آثمين، إن كل من وُلد مسلما يكون بذلك ملزماً بأن يعلن الحرب على الكيان الذي وجد نفسه يعيش فيه في سبيل إقامة هذا الكيان المسمى بالدولة مثلما هو ملزم بإقامة الصلاة مثلا وإلا لاعتبر عاصيا، بمعنى أكثر صراحة أنتم تلزمون كل من وُلد مسلما بالسعي للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها، فهل من الممكن أن يكون الدين الخاتم هكذا؟ هل من الممكن أن تمضي الحياة البشرية هكذا؟ هل من الممكن أن يكلف الله عباده بالمستحيل؟ ألم يعلن في كتابه العزيز أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها؟ وهل كل إنسان ولد مسلما قد ضمن الجنة؟ إنكم تستبطنون بذلك الإيمان بأن من وُلِد مسلماً ينتمي إلى نوعية خاصة من البشر لا تتغير أبدا، أليس هذا المولود مسلماً معرضاً للابتلاء والتغير؟ أليس مطالباً بأن يتزكى وبأن يكون مؤمنا حقا؟ أين سيجد الوقت والمجهود اللازم لذلك إذا أصبح كل همه إما التدبير للاستيلاء على السلطة أو للاحتفاظ بها أو لاستعادتها؟
أما آن لكم أن تدركوا أن الإسلام دين؟ وأنه كدين يتضمن أنساقاً من القوانين ملزمة لكل كيان ممكن ابتداءً من الفرد ومروراً بالأسرة وانتهاءً بالأمة، وأن الفرد ليس مطالباً بالنسق الملزم للأمة، وأن المجتمع المسلم مطالب أولاً بإنشاء ذلك الكيان المسمى بالأمة، وأنه ثمة أوامر وتعليمات وسنن تنظم العلاقة بين الفرد وبين الأمة يترتب عليها حقوق لكل طرف تجاه الآخر وواجبات عليه تجاهه؟
قال هاني: إننا نسعى لإلزام الناس بحكم الإسلام، أليس من حقنا بل ومن واجبنا إلزامهم بذلك لمصلحتهم؟ وكيف يمكن أن يتم ذلك دون الاستحواز على السلطة متمثلة في الدولة؟
كان هذا الكلام غريبا على يحيى، صاح فيه: ومن ذا الذي عيَّنكم أوصياء على الدين أو على الناس؟ هل تعتقد حقاً أن من حقك أنت أن تلزمني أنا بشيء من أمور الدين لمجرد أنك انتميت للجماعة كما أراد لك والدك؟ هل تظنون أن الله سبحانه عضو في جماعتكم؟ أم هل تظنون أنه موظف لديكم؟ أم هل أعطاكم شيئاً من سلطاته؟ أم هل اتخذتم عنده عهدا فلن يخلف عهده معكم؟ استشعر هاني الحرج من منطق يحيى الغلاب ومن أسلوبه القوي، تجنب النظر إلى يحيى، أحس في نفسه بالصغار، نظر إلى الأرض، واصل يحيى هجومه قائلا: وهل يأتي الالتزام من الخارج أم من أعماق النفس؟ أليس الإلزام هو الإكراه المنهي عنه في القرءان؟ هل يمكن أن تتقرب إلى الله بمخالفة أوامره وسننه؟ وهل ستستطيعون حقا إلزام الناس بشيء؟ إنكم بحكم الأمر الواقع لو توليتم السلطة ستتصرفون كالليبراليين أو حتى كالعلمانيين إن كنتم إنسانيين صالحين، أما البديل فهو وجود شرطة دينية وقهر وانتهاك لما هو متعارف عليه عالمياً الآن من حقوق الإنسان.
ولكن لقد انقضى الزمن الذي تستطيعون فيه جلد من لا يذهب إلى المسجد بالسياط أو قمع الآراء المخالفة لتوجهاتكم، والمشكلة الأخطر أنكم أنتم بشر مثل سائر البشر؛ لم تتلقوا التزكية اللازمة للرقي الباطني النفسي، وحتى لو تلقي بعضكم قدراً عشوائيا منها فستظلون بشراً خطائين، والمشكلة أن أعداء الإسلام والمتربصين به سيحمِّلون الإسلام مسئولية أخطائكم ووزر أعمالكم كما يحملونه مسئولية الإرهاب وترويع الناس الآن، وسيصدون الناس بذلك عن سبيل الله تعالى، وأنا كل ما يعنيني هو الإسلام، ولا أريد أن يناله أدنى أذى بسببكم ولا أن يُصَدّ الناس عن سبيله.
واعلم أن الإسلام لم يعيِّن فرقة أو جماعة لتتحدث إلى الناس باسمه، وكل فرقة مسئولة عن تصرفاتها ولا يجوز أن تحسب على الإسلام، ومن يطلقون على جماعتهم اسماً إسلامياً يعرضون أنفسهم للحساب المضاعف والمشدد يوم القيامة إذ سينظر الكثيرون بالفعل إلى هذه الجماعة كممثل للإسلام، وسيحمِّل الناس الإسلام وزر قصور هذه الجماعة وفشلها، هذا بالإضافة إلى أن أعضاء هذه الجماعة سيقعون في شبهة اقتراف خطيئة التكسب بالدين.
ومن المعلوم بالضرورة أن الإنسان لن يكتسب أية قداسة أو عصمة من الخطأ ولن يضمن الجنة لمجرد انضمامه إلى إحدى الجماعات التي ترفع شعاراً دينيا، بل إن ذلك سيعرضه للحساب الشديد يوم القيامة إذ ستصبح كل أفعاله وخطاياه محسوبة على الإسلام، وسيستغلها ألد أعداء الإسلام للطعن في الإسلام.
أما الظن بأنه باستيلائكم على السلطة ستتمكنون من إصلاح أمور الناس فذلك وهم ومجازفة، وأنتم بذلك تستفزون كل السلطات القائمة ضد الدين وتعطونهم الحجة للتملص منه ولتجفيف منابعه.
=======
الدولة شر لابد منه، وهذا ما حدث من بعد انتقال النبي، فلم يكن من الممكن أن يستمروا على المستوى الذي أوصلهم هو إليه، وقد كان وجوده بينهم رحمة لهم وسببا لتأليف قلوبهم، فوجود الدولة هو أمر اضطراري عندما تتدهور أحوال الأمة ويضعف عند الأغلبية الوازع الديني ويصبح من اللازم ردع من لا يقيمون وزناً للدين أو القانون بقوة السلطان، وهم أكثر الناس.

*******




هناك 4 تعليقات:

  1. الإسلام والمفاهيم المعاصرة

    ردحذف
  2. يوم جيد شعبي في المملكة العربية السعودية

    شهادة على كيف حصلت على قرض لشراء منزل من شركة حقيقية وديعة حقيقية دعا شركة القرض ألباكر. أنا سعيد جدا اليوم و الله صلى الله خوسيه لويس قرض الشركة.
    ،
    اسمي عبد الله أنا من مدينة الرياض لقد تم البحث عن شركة قرض حقيقية على مدى 5 أشهر، لشراء منزل
    كل ما حصلت عليه كان حفنة من الحيل الذي جعلني أن أثق بهم وفي النهاية
    من اليوم، أخذوا أموالي دون إعطاء أي شيء في المقابل، كل شيء
    فقدت أملي، وحصلت على الخلط والإحباط، وأنا لم أكن أريد أن يكون أي علاقة مع شركات القروض على شبكة الإنترنت، لذلك ذهبت إلى اقتراض بعض المال من
    صديق، قلت لها كل ما حدث وقالت انها يمكن أن تساعدني، ذلك
    أنها تعرف شركة القرض التي يمكن أن تساعدني مع أي مبلغ من القروض
    التي يحتاجها لي مع معدل فائدة منخفض جدا من 2٪، أنها حصلت للتو
    قرض من لهم، وقالت انها وجهت لي على كيفية التقدم بطلب للحصول على القرض، فعلت
    تماما كما قالت لي، وأنا تقدمت معهم على البريد الإلكتروني: (albakerloanfirm@gmail.com) لم أكن أعتقد ولكن حاولت وأنا
    أعظم مفاجأة حصلت على القرض في غضون 24 ساعة، لم أستطع أن أصدق،
    أنا سعيد وغني مرة أخرى وأنا أشكر الله أن هذا القرض
    شركات مثل هذا لا تزال موجودة على هذه الحيل في جميع أنحاء الأماكن،
    يرجى أنصح الجميع هناك الذين هم في حاجة إلى قرض للذهاب
    (albakerloanfirm@gmail.com) أنها لن تفشل لك، و
    يجب أن تتغير حياتك كما فعلت الألغام. الاتصال بسرعة (albakerloanfirm@gmail.com) اليوم والحصول على القرض الخاص بك منهم، بارك الله شركة ألباكر قرض للحصول على عرض قرض حقيقي.
     تأكد من الاتصال شركة ألبكر قرض للحصول على القرض الخاص بك لأنني حصلت على قرض بلدي بنجاح من هذه الشركة دون إجهاد.

    ردحذف
  3. هل تحتاج إلى مقرض حقيقي ثم اتصل بالسيدة كايلا ، لقد حصلت على قرضي منه وتم اختباره وتواصل مع المقرض عبر البريد الإلكتروني على (financierlibertycapitals@gmail.com)

    ردحذف
  4. مرحبًا ،

    هل تحتاج إلى قرض مريح لإرضائك؟ نقدم قرضًا بسعر فائدة معقول بنسبة 3٪ للمقترضين المحليين والدوليين. نحن معتمدون وموثوقون وموثوقون وفعالون وسريعون وديناميكيون ونعمل معًا. نقدم قرضًا طويل الأجل من 1 إلى 50 عامًا على الأكثر.

    هل تحتاج إلى قرض مباشر وسهل وبأسعار معقولة لدفع الدين ، أو بدء عمل تجاري أو لسبب آخر؟ إذا كان الأمر كذلك ، يرجى الاتصال بنا لطلب القرض الخاص بك.

    هذا العرض للأشخاص الجادين.

    مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني على: accessloanfirm2030@gmail.com

    WhatsApp: +79258159150

    نحن معتمدون ،
    موثوقة وموثوقة وفعالة وسريعة وديناميكية.

    تحياتي الحارة،
    السيد سكوت
    accessloanfirm2030@gmail.com



    3٪ عرض قرض بسيط وبأسعار معقولة

    ردحذف