الأربعاء، 14 يناير 2015

الحديث

الحديث

الآيات الآتية تبين أن الحديث في الاصطلاح القرآني هو القرآن نفسه:
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا(6)} (الكهف)  *  اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23) (الزمر)  *  تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6) (الجاثية)  *  فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(34) (الطور)  *  أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ(59) (النجم)  *  أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ(81) (الواقعة)  *  فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ(44) (القلم)  *   فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50) (المرسلات) *  أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(185) (الأعراف)   

فالقرءان هو الحديث وهو أحسن الحديث، وبالطبع استعمل القرءان اللفظ "حديث" أيضاً بمعناه اللساني العادي، فالحديث هو من أسماء القرءان كالذكر والكتاب والفرقان والحق والهدى والنور والصدق، لذلك إذا ذكر الحديث أو أحسن الحديث يجب أن ينصرف الذهن إلى كتاب الله تعالى وحده.
أما الآيات الأخرى التي ورد فيها لفظ "الحديث" فهي لم تستعمله إلا في معناه اللغوي المعلوم، قال تعالى:
{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً }النساء42، {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78، {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }النساء140، {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }الأنعام68، {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى }طه9، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }لقمان6، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً }الأحزاب53، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ }الذاريات24، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ }الطور34، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ }التحريم3، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }المرسلات50، {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى }النازعات15، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ }البروج17، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ }الغاشية1.
فلم ترد آية قرءانية واحدة تنسب حديثاً إلى النبي بأي معنى اصطلاحي ديني، بل إن الآية الوحيدة التي نسبت إليه حديثاً جعلت هذا الحديث متعلقاً بشأنٍ خاص أسرَّه إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ فعصت الأمر ونَبَّأَتْ بِهِ، ولقد تكلم الرسول ونطق، وهو لم يكن أبداً ينطق عن الهوى، بل إن من كبائر الإثم أن يرميه أحد بمثل ذلك، ولكن كان كلامه ونطقه في إطار الرسالة التي نزل بها الروح الأمين على قلبه.
أما ما نسبه الناس إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من أقوال دونوها في كتب المرويات في القرنين الثالث والرابع الهجريين فلا يجوز القطع بأنها أحاديث له، فنسبة هذه المرويات إليه محتملة ظنية وليست يقينية قطعية، ولقد حذَّر الله تعالى الناس في القرءان من الكذب والافتراء في أمور الدين، وكذلك حذَّر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ الناس من اقتراف إثم الكذب عليه، ومن حقائق التاريخ الراسخة أن الناس قد كذبوا على الرسول لأسباب عديدة وأنهم وضعوا مئات الألوف من المرويات الباطلة وحرفوا الكثير من المرويات الصحيحة، لذلك فالمؤمن الذي يخشى مغبة الكذب على الرسول ألا يجزم بالصحة المطلقة لما نسبوه إليه، بل يجب أن يكتفي بأقوال مثل: "نسبوا إلى الرسول أنه قال" أو "رووا أن الرسول قال".
وقد رووا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: ( من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار )، وقال: ( من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وهذا القولان متسقان اتساقا تاماً مع القرءان والمنطق، لذلك يجب الأخذ والاحتجاج بهما، فالكذب من الآثام الخطيرة، وهو من المنظومة الشيطانية، والكذب على الرسول هو كذب على من أرسله، فهو من باب افتراء الكذب على الله، فهو من أكبر كبائر الإثم، والحديثان يعبران عن ذلك، ومن ينسبون إلى الرسول بغير حق أقوالا تتضمن حكماً أو أمرا دينيا يكونون قد شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله وجعلوا من أنفسهم أربابا معه، ومن ارتضوا لهم ذلك يكونون قد جعلوا منهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، قال تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون} [الأنعام:21]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُون} [يونس:17]، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[الشورى:21]
وهكذا فإن من زعم أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال شيئا لم يقله أو ساهم بطريقة ما في نقل ذلك للناس وإشاعته بينهم فهو في النار، ولا ينجيهم من هذا التهديد الرهيب أن يعطوا القول المنسوب إليه درجات من الصحة كما يفعل مصحح الاختبارات فيقول هذا الحديث حسن وهذا ضعيف وهذا اشتد ضعفه…. إلخ؛ فإما أن يكون لديه دليل قاطع على صحة القول المنسوب إلى الرسول فيكون حديثا وإلا فلا يسمي القول حديثا، وما درجات الصحة التي يعطونها للمرويات عمليا إلا درجات احتمال صحة سند المروية من وجهة نظرهم المقيدة بإمكاناتهم وظروف عصرهم.
إن كل من يزعم أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال قولا دون أن يكون لديه دليل قاطع هو واقع تحت طائلة هذا الحديث، لذلك فمن الأسلم أن تنسب المروية إلى من رواها.
أما مقياس صحة مضمون ما نسبوه إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فهو اتساقه التام مع دين الحق المستخلص من القرءان وإمكانية اندراجه في إطاره العام.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق