الثلاثاء، 13 يناير 2015

الجنّ

الجـنّ

الجن غير الإنس، وهم مخلوقات أرضية ولكنها مخلوقة من نار السموم، ونار السموم هي من مادة من المواد الخمس الأصلية، وهي المادة التي يُصاغ منها ما يُسمى بالجسم الأثيري للإنسان، هذه المادة هي كذلك بالمفهوم العام للمادة، وذلك بمعنى أنه إذا كان جماع كل العناصر الكيميائية المعلومة هو مادة معينة فإن المادة التي خُلق منها الجن هي مادة مختلفة أقل كثافة بكثير من المادة المعلومة والمألوفة، وهي التي يمكن أن تظهر في صورة نار لمن تيقظت لديهم ملكة الخيال.
لذلك فالجن يعيشون في عالمهم الخاص بأبعاده المختلفة، وهم بذلك أقل تقيداً من الإنسان بالإطار الزمكاني، ولعالمهم تداخل مع العالم الطبيعي المألوف.
ولجسم الجني طبيعته الخاصة وأبعاده الخاصة ومكوناته الخاصة، ولا يستطيع الإنسان في ظروفه العادية رؤية الجني، ولكن بعض من لهم تيقظ لبعض حواسهم النفسية الباطنة يستطيعون إدراكهم بكيفيةٍ ما، وعندها تتولى الحاسة الخيالية لدى الإنسان صياغة صورة للجني مما لديها من صور ومفردات، لذلك يصدق القول هاهنا على هذا الإنسان أنه يرى الجني ولا يراه، فهو يرى صورة له ولا يراه على حقيقته، ولما كان هذا أمرا استثنائياً نادرا فلا يُقاس عليه، أما الجان فهم يرون الإنسان من حيث لا يراهم.
والجان مخلوقون قبل الإنسان، قال تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ }الحجر27
ومن المعلوم أن الموجات الحرارية هي نوع من الموجات الكهرومغناطيسية.
والشيطان هو من الجن الذين تمردوا وعصوا أمر ربهم وطلبوا بمقتضى طبيعتهم أن يكونوا أدوات غواية وإضلال، وهم منظرون بحكم العمل الذي طلبوه وارتضوه لأنفسهم والذي هم أصلا مهيئون له.
والإنسان أوسع مدى بكثير من الجن، وهو بحكم طبيعته يمكن أن ينزل إلى أسفل سافلين، ولكنه يستطيع الصعود في الدرجات إلى أعلى عليين، ولذلك كان من البشر أكابر الأنبياء والمرسلين.
والجن هم كائنات تقابل الإنس وتتقاسم معه العيش على ظهر هذا الكوكب، فالأرض محل تقاطع عالمين مختلفين وإن كانا متداخلين، وهم يختلفون عنه في أن بنيانهم الجسدي مصنوع من مواد (بالمفهوم الواسع للمادة) ألطف بكثير، وهم لذلك أقدر منه على الحركة السريعة وعلى قطع المسافات الكبيرة، كما أنهم بحكم بساطة تركيبهم أطول عمرا وأشد تأثراً بالأمور المعنوية، ففي حين لا تقوى شياطين الجن على سماع آية الكرسي مثلا فإن شياطين الإنس لا يتأثرون من حيث البنيان الظاهري بها، ولذلك يستعمل شياطين الجن شياطين الإنس فيما يعجزون هم عنه، ويُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا.
والجن كائنات لها إرادة واختيار كالإنس، لذلك هم مكلفون مثلهم، لذلك كان منهم الصالحون ومنهم القاسطون، ومن يتمادى منهم في الكفر والعصيان حتى يبلغ حداً معلوما فإنه يصبح من الشياطين ويصبح بذلك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
أما من بلغ مرتبة الشياطين من الإنس في حياته الدنيا فستظل نفسه في العالم البرزخي بعد موته تمارس مقتضيات ذلك وسيكون عونا لشياطين الجن على الإنس يتبادلون التأثير والتأثر ويُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً.
ولما كان الجن أبسط وأسرع تأثرا بنتائج أعمالهم من الإنس فإنهم سرعان ما يرون عاقبة أعمالهم، لذلك فإن تحولهم إلى شياطين يكون أسرع من الإنس، ويبدءون لتوهم في ممارسة مقتضيات تحولاتهم.
ولكن الجن ليسوا خلفاء في الأرض، فهذه المرتبة للإنس لكونه أجمع للحقائق الكائنة في هذا الكوكب.
ولا يكاد يخلو مكان على ظهر هذا الكوكب منهم، وهم يرون الإنسان من حيث لا يراهم، ويعلمون كثيراً من أمور الغيب النسبي التي لا يستطيع الإنسان عادة الاطلاع عليها، وذلك بحكم تكوينهم وتحررهم من كثير من القيود الزمكانية التي تقيِّد الإنسان، لذلك لم يكونوا بحاجة إلى مختزلات المكان التي يحتاجها الإنسان.
وهم ينقسمون إلى قبائل عديدة، تختلف من حيث درجة الرقي والتقدم، وهم يتميزون بعنصرية شديدة في نظرتهم إلى بعضهم البعض، كما أن الفاسقين منهم يكونون أشد وقاحة بكثير من الإنس، ومنهم يتلقى الفاسق الكثير من سلوكياته.
وأكثر الناس تعرضاً لخطر شياطين الجن ومضليهم هو الشخص المفتون بنفسه في الأمور الدينية ومن لا يحتاطون لأنفسهم منهم، لذلك فأكثر ضحاياهم هم المتمسكون بشدة بشكليات الدين دون لبه وجوهره، وأجساد كبار المضلين من أتباع بعض المذاهب العدوانية هي مرتع خصب لشتى أنواع الشياطين، وهم لا يسكنون جسده بالمعنى الدارج وإنما يتسلطون على مراكز التحكم والسيطرة على كيانه اللطيف وهي المعروفة بالعقد.
وهناك الجن الصالح، وبعضهم يقيم مع الإنسان في بيته، وهم يأتمون بالإنسان الصالح ويفرحون به، وهم الذين يحاولون بوسائل لطيفة إيقاظه ليقيم الصلاة التي تعودوا منه أن يقيمها.
-------
هناك من يقول: "ولماذا لا نسمع عن تأثير الجن والشياطين على الناس في الغرب؟" والحق هو أنهم يفعلون بهم هناك كل ما يحلو لهم ويعبثون بهم كما يشاءون، ويسببون لهم الكثير من التعاسة والشقاء والأمراض النفسية بل ويدفعونهم أحياناً إلى الانتحار على سبيل التسلية، ويحدث ذلك دون أدنى مقاومة من الإنس.
-------
ويكاد يجمع كل المجتهدين الجدد على إنكار وجود الجن والقول بأنهم نوع من البشر ويتفننون في تأويل أو بالأحرى تكذيب الآيات التي تتحدث عنهم، وهؤلاء بالطبع يتحملون وزر أنفسهم ووزر من يضلونهم بغير علم.
-------
ولكل إنسان قرين من الجن ينشأ معه ويعلم عنه كل شيء تقريبا، ويمكن أن يتقمص صورته، ولكونه أطول عمرا منه فإنه قد يتراءى –بعد موته- لمن يعرفه، وقد يمكن لمن يستطيع الاتصال به أن يعلم الكثير عنه.
-------
والإنسان الذي لديه تيقظٌ ما لحاسة الخيال (المخيلة) يستطيع أن يستشعر وجود الجن، وهو سيراهم عندها بصورة يركبها له خياله وليس بالصورة الحقيقية، وحيث أن للإنس تسلط على الجن لأنه في الحقيقة أجمع منه فالإنسان يمكنه أن يقيده باستمرار النظر إلى هذه الصورة والتحديق فيها، وعندها سيحاول الجن الهرب بمحاولة صرف نظره عنه بأية طريقة! وحاسة الخيال لدى النساء والأطفال أقوى بكثير منها عند الشباب والرجال، ولذلك يكون منهم من هم أشد إدراكاً للجن وحساسية لهم.
-------
والإنسان محفوظ بحكم تكوينه من الجن، ولكنه بتماديه في التمرد على الأوامر الإلهية يفتح لهم أبواب نفسه ويمكنهم منها، وعندها سيحاولون التأثير على مراكز السيطرة في بنيانه اللطيف المقابل للجهاز العصبي المركزي، والمسماة بالعقد، وهذه هي نفسها المراكز التي بالتأثير الحسن عليها وتنميتها يمكن للإنسان الإتيان ببعض الأمور غير المألوفة.
والإنسان الذي أُغفل قلبه عن ذكر الله وكان أمره فرطا هو الذي يمكِّن الجنَّ القاسط من نفسه سيتبدد إيمانه شيئاً فشيئا، وسيجد نفسه تكره الصالحين الأنقياء بدون أسباب ظاهرة.
والإنسان أجمع للحقائق والمواد من حيث بنيانه من الجن وأبعد مدى لذلك، وأجمع تعني أن الحقائق التي يمكن أن تُفصَّل إليها ماهيته هي أكثر بكثير من حقائق الجن المناظرة حتى إنه يمكن اعتبار حقيقة الجن جزءا من حقيقة الإنسان، ففي الحقيقة الإنسانية ما يناظر كل حقيقة كونية، ولا يعني ذلك أنه لا وجود للجن ككائن مستقل، بل هم موجودون، وهم أكثر بكثير من الإنس عددا وتنوعا، كما أنهم أشد عنصرية فيما بينهم.
-------
أي دراسة إن كانت تنكر وجود الجن ككائنات أرضية لا قيمة لها ومن كتبها إنما يزرع في نفوس الناس الكفر بحقيقة قرءانية ووجودية راسخة. 
-------

قال تعالى:
{وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}الأنعام100.
كان الإنسان البدائي الأقرب إلى الطبيعة أكثر إحساساً بوجود الجن، وكان لا يرتاب أبداً في وجودهم، وذلك كان مما يضاعف من استشعاره لهم، لذلك كان لديه بعض العلم بإمكاناتهم وتأثيراتهم، وكان هناك الكهنة الأقدر على الاتصال بهم بعد أنواع من التريض المعلومة، لكل ذلك غلوا في أمرهم وجعلوهم شركاء لله تعالى في ملكه، واختلقوا له سبحانه بنين وبنات منهم ظناً بأنه مثلهم، وخطورة هذه المعتقدات أنها تتضمن سوء معرفة بالله تعالى وتشبث بالباطل والأمور العدمية، وفي ذلك آثار مدمرة على الكيان الإنساني الجوهري.
-------
قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}الأنعام112
لابد لكل نبي من أعداء من شياطين الإنس والجن، وذلك يرجع إلى حقيقة أن المجموع الكلي لكل ما هو سوى الله تعالى هو الصفر المطلق والعدم المحض، فالحقيقة النبوية بالغة العلو والسمو لابد وأن يقابلها جمع من الكيانات الشيطانية التي تأخذ صورا إنسية وجنية، هؤلاء يتعاونون مع بعضهم البعض لمحاولة تقويض مجهودات النبي أو إحباط أثر الرسالة التي يحملها للناس، وكل ذلك يتم السماح به لأجل تحقيق المقاصد الوجودية العظمى والتي تتضمن ابتلاء الإنسان حتى تستبين مراتبهم وحتى يتحقق الظهور التفصيلي للكمال المطلق.
-------
قال تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179
تبين هذه الآية مدى التشابه بين الجن وبين الإنس، كما تبين أن ما يمكن أن يحيق بالجن العاصي هو ما يحيق بالإنس، فالجني يمكن أن يهمل الاستعانة بملكاته وحواسه في الآيات الدينية ويتمرد على الأوامر الإلهية فيتدهور كيانه الجوهري.
-------

قال تعالى:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }الكهف50
كان إبليس من الجن، وهم كائنات مخيرة، لذلك فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، فهو لم يكن من الملائكة الذين لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، ولم يكن بالطبع من الإنس، فالجن أقدم منهم من حيث الوجود، فالإنسان هو خاتم الكائنات الأرضية وتتويج لها وذروة تطورها، لذلك كان من المنطقي أن يكون آخرها من حيث الظهور، وفي الحقيقة لم تكن حقائقهم إلا تفاصيل لحقيقته الجامعة.
-------
قال تعالى:
{قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} النمل39
هذه الآية تبيِّن شيئاً من القدرات التي يمكن أن يكتسبها بعض الجن، فهو هنا يعرض أمام سليمان قدرته على أن يأتيه بعرش ملكة سبأ قبل أن يقوم من مقامه، ولكن الآية التالية تبين كيف يمكن أن يتفوق الإنسان العالم بالكتاب على عفاريت الجن تفوقاً هائلا: {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }النمل40
فالإنسان أبعد مدى من الجن بكثير، وهو المؤهل للاستخلاف في الأرض بمقتضى حقيقته الجامعة.
والآية تلمح إلى مدى ما هو مكنون في الكتب الإلهية من قوى هائلة لامتناهية، ولكن دورة السيطرة على قوى الطبيعة وتسخيرها بعلوم الكتاب قد انقضت، وبدأت بظهور الإسلام دورة جديدة بعد أن بلغت الإنسانية سنَّ الرشد، وأصبح إدراك العلوم منوطا بقدرات الإنسان الذهنية (العقلية)، وهذا العلم هو القابل للنقل للآخرين وتحقيق طفرات عرفانية على مستوى كل البشرية، وليس على مستوى أفراد معدودين.
-------
 قال تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات56
الجن والإنس هما النوعان المكلفان على ظهر هذه الأرض لامتلاكهما الإرادة الحرة والاختيار، وقد خلقهم الله تعالى ليحقق بهم مقاصده، ولذلك فهم عابدون له من هذه الحيثية، فعبادتهم له هي دورانهم في فلكه وتسبيحهم بحمده، شاءوا أم أبوا، فوجود الجن والإنس لازم لتحقيق المقاصد الوجودية؛ أي للظهور التفصيلي للكمال الإلهي المطلق.
ولكن الإنسان يتفوق على الجان لكونه حاملاً للأمانة ومستخلفاً في الأرض، وليس لدى الجن الاستعداد اللازم لذلك بحكم حقيقتهم.
والآية أيضاً تبين للجن والإنس جوهر المقاصد الدينية، فالإنسان المؤمن يمكن أن يجعل من كل عملٍ يقوم به عبادة لربه.
ولكن ليس لأحد أن يقول –على مذهب وحدة الوجود والأديان- أن الآية تعني أنه حتى الكفار أو المشركين أو عابدي الأصنام عابدون لله تعالى، فالعبرة في أمور العبادة هي ما يقوم به الكيان الجوهري للإنسان المتسم بالإرادة والاختيار، فلا يجوز تمييع الأمور هنا.
-------
قال تعالى:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} الرحمن33
هذه الآية جاءت في سياق آيات تتحدث عن يوم القيامة، وقد بدأ هذا السياق بقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَن}[الرحمن:31]، والتعبير يبين تهديدا رهيبا ووعيدا شديدا لكل من الجن والإنس، وهو يشير إلى أن هذا اليوم هو يوم المؤاخذة والفصل والحساب الثقيل.
والمقصود بيان أن الْجِنِّ وَالْإِنسِ سيكونون محاطاً بهم في هذا اليوم فلن يستطيعوا فرارا، والمشكلة هي أن البعض انتزعها من سياقها ثم حاول تفسيرها فأوقع نفسه في تناقضات مع الحقائق الراسخة فهُرِعوا على التأويل!
-------
يذكر الله تعالى في آيات سورة الجن حديثا عنهم:
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً{8} وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً{9} الجن
ومن الواضح تماما أن هذه الكائنات المسماة بالجن تملك من القدرات من قديم الأزل ما لا يملكه الإنسان، فهي تستطيع التحليق في السماء والوصول إلى ما لم يصل إليه الإنسان، والكلام هاهنا عن السماء ككيان لطيف يقابل الأرض الكثيفة، فهو ليس هذا الغلاف الجوي والحرس هم الملائكة والشهب ليست هي الشهب المادية التي يمكن للجن أن ينفذوا منها، فالشهاب الرصد غير مرئي للإنسان، فهو ليس من العالم المادي الطبيعي، وهو الذي يمكن أن يتعقب الجني وأن يصيبه في مقتل، وإعداد الحرس الشديد والشهب الرصد (بالمعنى المذكور) كان إيذانا ببدء عصر عقلاني جديد بعد أن اكتمل تطور الإنسان على المستوى الجوهري وتهيأ لتمام الاستخلاف في الأرض بإرسال الرسالة التامة وختم النبوة، وهذا حدث جليل على المستوى الكوني كان لابد أن تصحبه تطورات وتغييرات هامة.
إنه نظراً لأن القرآن هو الرسالة الخاتمة والتي لا يمكن تصحيح أي إلقاء فيها لو أمكن حدوثه لكون النبوة قد خُتِمت فإنه كان لابد من حماية تنزيله من تأثير وتدخل المتنصتين والمخربين من الجن والشياطين، لذلك ملئت السماء بحرس شديد وشهب تتجه تلقائياً نحو أي متنصت غير مرغوب فيه، فتلك الشهب هي بمثابة الأسلحة الإشعاعية الموجهة ذاتياً وهى تتعقب المتنصتين طالما رصدتهم ولابد لها من أن تصيبهم وتدمرهم ويصعب على المتنصت الإفلات منها، فالذي استجد ببعثة الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ  هو أن الشهاب الثاقب أصبح كذلك شهاباً رصدا وأن حفظ السماء أصبح الآن أيضاً بملئها بحرس شديد، ومن الجدير بالذكر أن ذلك الأمر قائم وماضٍ إلي قيام الساعة، ذلك لأن إنزال الرسالة الخاتمة كان إيذاناً ببدء عصر الرشد وتمام استخلاف الإنسان في الأرض، ولم يكن مما يناسب ذلك أن يبقي للكهنوت أدني تسلط علي الناس، لذلك كان لابد من القضاء علي مصادر المعلومات الغيبية التي كانوا يسترهبون بها الناس.
فالشهاب الرصد ليس من المادة الطبيعية المألوفة، ولكنه مادي بقدر ما لبنيان الجن وكيانه من مادية، وهو يبحث بنفسه عن الهدف الذي برمج عليه ويترصد حركاته، والمقاعد التي يقعدها الجن للسمع هي نقاط اتصال العوالم المختلفة؛ أي البرازخ، ومنها نقاط اتصال العالم المادي الظاهر بأقرب العوالم اللطيفة إليها، وهى معارج ومنازل الأمر، فهي على طرق الطبقة اللطيفة من السماء والمفضية إلى الأرض أي إلى من يتلقون الأمر من الرسل والملائكة الأرضية والجنود.
-------
الإنسان بالفعل هو الذي حمل الأمانة وليس الجن، فهم غير مؤهلين لذلك! فالإنسان أجمع للحقائق منهم وهو الخليفة المكرم والمفضل، فالإنس غير الجن، حقيقة الجن جزء من حقيقة الإنس.

*******


هناك تعليق واحد:

  1. الجن صنف من البشر سبق خلق آدم بملايين السنين وكانوا سكان الأرض وهم بشر من دم ولحم

    ردحذف