الأحد، 25 يناير 2015

سورة الحج من 52 إلى 55

الحج 52-55 


قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
إن الآيات توضح تماما أن الإلقاء الشيطاني يترتب عليه إضافات شيطانية تشوب آيات الرسول أو النبي المرسل أي تختلط بالمعطيات والآيات الدينية الحقيقية مما يستدعى فعلا إلهيا لتطهير آيات الرسالة مما شابها ولإعادة إحكامها، وقبل إرسال الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كانت آثار الإلقاءات الشيطانية تختلط بنصوص الرسالات الأصلية بحيث تصبح من أمور دينهم ويتبعها مرضى القلوب والقاسية قلوبهم لتجانسها وتوافقها معهم، ذلك لأن الحق سبحانه لم يتكفل بحفظ تلك الرسالات السابقة لأن الأمر كان مازال في تطور مستمر، ولم تكن البشرية قد تهيأت للرسالة الكاملة، لذلك استحفظ الأحبار والرهبان على الكتب السابقة، وهؤلاء أنفسهم –باعتبارها بشرا غير معصومين من المعاصي والذنوب- قد يكونون آلات الشيطان لتحريف تلك الكتب، فإذا ما بلغ التحريف حدا خطيرا فإن الأمر يستلزم إرسال نبي جديد يكون بمثابة آلة للحق لنسخ الإلقاءات الشيطانية وإحكام الآيات، ومجال الإلقاء هو معطيات الرسالة ومادتها وتأويل نصوصها وليس نفس النبي أو الرسول فإنهم محفوظون عن أمر الله تعالى.
وتوضح الآيات أن آثار الإلقاء الشيطاني تبقى في الرسالة المنسوخة، فإذا كانت تلك الرسالة قد نسخت برسالة أخرى فإن الرسالة القديمة تبقى مختلطة بما تفاقم واستفحل من الإلقاءات الشيطانية وبالتالي يكون الشيطان بنفسه داعيا إليها ليصرف الناس بها عن الرسالة الجديدة، والرسالة الخاتمة التي هي الكتاب العزيز مصونة ومحفوظة من هذا الإلقاء الشيطاني وإلى ذلك الإشارة بقوله سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِه}، ونصت على ذلك آيات قرآنية عديدة، ولما يأس الشيطان من أن يلقى في هذا الكتاب شيئا فإنه ألقى في كل ما هو دونه من مرويات وآثار وتفسيرات وتأويلات، ومن العجب أن يكون تفسيرهم لتلك الآيات بالذات وما حاكوه حولها من أبرز الإلقاءات الشيطانية، ومن أشد تلك الإلقاءات إجراماً وخطورة ومن أسوأها عاقبة ما يلي:
1-           قولهم بالنسخ بمعنى وجود آيات قرءانية بطلت أحكامها.
2-           اختلاقهم مصطلحات من عندهم وزعمهم أنها مصطلحات دينية.
3-           تحريفهم معاني بعض المصطلحات القرءانية.
4-            ما نقلوه من تراث أهل الكتاب وآثارهم.
5-            كل المرويات التي تحاول النيل من قدر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
6-            كل المرويات التي تحاول النيل من قدر الكتاب الذي أرسله به إلى العالمين أو تشكك في الوعد الإلهي بحفظه أو في وصفه له بأنه كتاب عزيز أي لا يمكن أن ينال أحد منه.
7-           ما وضعوه لتدعيم صياغاتهم ذات الصبغة البدوية والقبلية للدين وغيرها من الصياغات التي تحوى كما هائلا من الضلالات.
ومما ضاعف من خطورة الإلقاءات الشيطانية اعتبار المرويات الظنية المقطوعة عن ملابساتها وظروفها آيات تتلي وتفسر.
ويلاحظ أن الآيات تنص على أن ثمة رسلا وثمة أنبياء مرسلين، وهذا يتضمن أيضاً أن ثمة أنبياء غير مرسلين، فالنبي المرسل يأتي مجددا لشرع رسول أتى بكتاب يتضمن تشريعات خاصة بقومه ويأتي في ظل وجود أمة قائمة لها نظامها المستقر، أما الرسول فبالإضافة إلى مهامه النبوية فانه يناط به أيضا تحقيق المقصد الديني الأعظم الثالث وهو إعداد الأمة الخيرة الفائقة.
فلا خوف على الكتاب العزيز من النسخ أو الإلقاءات الشيطانية أما الإلقاءات فيما هو من دونه من تراث فإن تطهير الدين منها منوط بالمجددين الذين يظهرون كلما اشتدت الحاجة إليهم أو كلما أريد إخراج أمة جديدة للناس، أما النبي غير المرسل فهو الذي لم يكلف بمهمة خاصة بالنسبة إلى الناس.
ويلاحظ أنه سبحانه قال: { فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} مما يدل على أن هذا الإحكام يحدث بعد فترة ما وأن إلقاءات الشيطان تبقى ليفتتن بها الذين في قلوبهم مرض والظالمون، أما الذين أوتوا العلم فهم على بينة من أمر الرسالة ويهتدون بفضل ربهم إلى دلالاتها الحقيقية ولن يفتنوا بإلقاءات الشيطان.
إن الإلقاء الشيطاني أدى إلى تحريف معاني المصطلحات عن دلالاتها القرآنية، وبالتالي أصبح تفانى المسلمين في الالتزام بتنفيذ ما ظنوا أنه من الدين ينقلب عليهم، وكمثال علي ذلك هب أن ثمة شيطاناً يريد القضاء علي إنسان ألم به داء عابر، إنه سيحاول مثلاً إقناعه بأن في شرابٍ ما شفاءً له في حين أن هذا الشراب ليس إلا سماً بطيء المفعول مثلاً، وقد يقتنع الإنسان ويواظب علي هذا الشراب متوقعاً الشفاء، فلا تزداد حالته بالطبع إلا سوءا، ولن يغير من الأمر شيء قناعته بأنه يتناول دواءً ناجعا، فإذا كان هذا الإنسان فاسدا مختلا فلن يراجع نفسه أبداً بل سيلقي باللائمة علي أي شيء آخر، وهكذا سيظل رجال الكهنوت يصرخون في الناس مطالبين إياهم بالتمسك بما يظنون أنه الدين حتى ينصلح حالهم دون أن يفطنوا إلي أن ما يطالبونهم بالتمسك به هو الداء الذي يجب عليهم الخلاص منه وأنه بحكم طبيعته لن يجذب أحداً إليه وأن من حاول التمسك به علي مدي القرون لم يجن من وراء ذلك إلا الخسران المبين وأن ما أثبت فشله منذ أن استحدثه السلف لن يجدي نفعاً مع الخلف.
ومن أمثلة التحريفات ما لحق بمعنى التوحيد، فالتوحيد هو شعار الإسلام الأول، وهو يحمِّل الإنسان مسئولية هائلة إذ يعطيه حريته كاملة بتحريره من العبودية إلا لله رب العالمين ويجعله سيدا على الكائنات الأرضية، فلقد حرف البعض مدلولات هذا التوحيد وجعله مرادفا للقول بوحدة الوجود فتميعت المسئولية وضاعت الحدود وأصبح الكفر عين الأيمان والليل عين النهار والهدى عين الضلال ….. الخ، وكذلك تساوت عندهم أديان المغضوب عليهم والضالين بدين الحق، وثمة آخرون اتخذوا مذاهبهم ومشايخهم بل وقبورهم أرباباً من دونه، أما عباد الأسلاف فلقد عبدوا رباً صوروه كما يحلو لهم أو كما صوره بنو إسرائيل من قبل ولا علاقة له بالرحمـن الذي أنزل القرآن، ومن الأمثلة الأخرى ما لحق بمصطلح السنة، فالسنة التي هي بالأصالة لله رب العالمين وتعبر عن القوانين الحاكمة على الكائنات والكيانات والمجتمعات كما تعبر عن القوانين والأوامر والمناهج التي يجب على الإنسان أن يلتزم بها ويعمل بمقتضياتها بمحض اختياره ليفوز بكماله المنشود أصبحت تعنى المرويات الظنية والتي كان التمسك بها سببا في تمزق الأمة وتفرق الدين وتحريفه وانهيار الأمة وسقوطها تحت أقدام أعدائها، ذلك لأن الشيطان ألقى فيها ما ألقى عن طريق عملائه من الكهنوت وأحبار ورهبان أهل الكتاب وزنادقة الفرس وعملاء الطواغيت الأمويين والعباسيين،
من أمثلة التحريفات الأخرى ما لحق بخُلُق الصبر؛ ذلك لأن الصبر يعني متانة البنيان النفسي والقدرة على الصمود ومواجهة التحديات وتحدي الصعاب، والصبر إنما يكون على القيام بالأوامر التكليفية وعلي العمل الشاق وفي السراء والضراء وحين البأس وعلى ما يصيب الإنسان من ابتلاءات فانقلب صبرا على الظلم والجور والفساد والجهل، فتحول بذلك ركن من أركان الدين إلي وسيلة لتقويضه ومن وسيلة لإعداد الإنسان الفائق والأمة الخيرة إلي وسيلة للقضاء علي إنسانية الإنسان بتحويله إلي دابة في قطيع.
ومن أمثلة التحريفات الأخرى ما حدث لمصطلح الفقه والذي هو ملكة قلبية ذهنية مجالها آيات الكتابين المقروء والمشهود وما يسرى فيهما من القوانين والسنن فصار مجاله مجرد ضبط الأشكال الظاهرية للعبادات والمعاملات؛ وبالتالي أُهملت مجالات الفقه الحقيقية والتي هي العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية باعتبار أنه لا يتعلق بها غرض شرعي كما زعموا أو باعتبارها تشغل الإنسان عن العبادة، وأصبح المثل الديني الأعلى هو (الفقيه) بالمعنى المحرف الذي يمكن أن يفتى في نواقض الوضوء والأحكام الخاصة بالحيض والنفاس والفروج… الخ، وبذلك تم إهمال كل المقاصد الدينية العظمي والجوانب العقائدية والأخلاقية والعلمية الواردة في القرآن كما تم إهمال طرق التربية الإسلامية وتزكية النفس،
أما التوكل وهو من الأخلاق الإسلامية الإيجابية العظمى والذي يعنى الثقة الكاملة بالله تعالى وفى أسمائه الحسنى وفى قدرته على الفعل والتأثير فقد صار لا يعنى إلا الانفلات والفوضى وإلقاء تبعة كل شيء على الآخرين والتهرب من تحمل المسئولية وعدم الجدية وعدم التخطيط وعدم الإعداد الجيد للأمور، أما الإيمان بالقدر والذي يعنى الإيمان بأن كل شيء إنما يجرى وفق سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل مما يجعل الإنسان يقتحم المصاعب والأهوال غير هياب فقد انقلب جبرية محضة أو مستترة تبرر للإنسان كسله واستسلامه وعجزه ورضاه بالدون وعشقه للفوضى وإعطاءه الدنيــة من أمره وإهماله لقوانين الله وسننه، كذلك ألقى الشيطان إليهم ما لم يرد له ذكر في الكتاب من الأخلاق مثل الزهد الذي أصبح لا يعنى إلا الرضا بالفقر والجهل والسلبية والإحجام عن المشاركة في أمور الحياة، بينما البديل الإسلامي موجود وهو أن يحرص الإنسان على التمسك بما هو خير وأبقى دون أن ينسى نصيبه من الدنيا أو أن يحرم على نفسه زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق، ومن أبرز إلقاءات الشيطان القول بالنسخ والمرويات التي تشكك في حفظ الكتاب العزيز والتي تنال من قدر النبي أو التي تعلى من قدر أتباعه على حسابه.
فالشيطان يلقى في نصوص وتفاصيل كل رسالة مما أتى قبل الإسلام من رسالات، والآيات تدل على أن ما يلقيه يظل فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، وهذا يدل أيضا على أن ما يلقيه يبقى مختلطاً بالرسالة الأصلية، ويشير الحرف (ثم) إلى أن نسخ الإلقاء الشيطاني وإحكام الآيات يتطلب تجليا جديدا يتم باستخدام تدبير إلهي وآله إلهية، وكان ذلك قبل ختم النبوة يتم بإرسال نبي جديد يطهر الدين مما لحق به من إلقاء شيطاني وتلك كانت الوظيفة الأساسية لأنبياء بنى إسرائيل من بعد موسى عليه السلام، ولقد تعرض ما أتى به عيسي عليه السلام إلى أخطر إلقاء شيطاني على يد بولس حتى استلزم الأمر نسخ آية الكتاب السابق والإتيان برسالة خير منها، ولما كان هذا الكتاب هو الكتاب الخاتم فلقد أحكم تماما وحفظ تماما فلا يمكن أبدا أن يكون محلا لإلقاء شيطاني، لذلك فلقد كان هذا إلالقاء فيما هو دونه من مرويات وآثار وتراث وتفسيرات وبدع، ولذلك يهيئ الله تعالى لتلك الأمة في كل حين من يجدد لها دينها ويطهره قدر ما يستطيع من الإلقاء الشيطاني.
ومن عجائب وغرائب السلف وعبادهم أن يتداولوا فيما بينهم مرويات تشكك في حفظ الكتاب مثل تلك التي تزعم أن داجن الحي أكلت بعض ما دونت فيه الآيات وكذلك مرويات كمروية الغرانيق وأن يحشدوا كل ما لديهم من جهود لاكتشاف طرق تثبت صحتها رغم تعارض مروية كهذه مع ما هو ثابت من خلق الرسول ومع حقائق التاريخ الإسلامي ومع قواعد المنطق، فدل ذلك على جهلهم بقدر من زعموا أنهم يتبعون سنته، وهكذا فإنهم يستخدمون ما يسمونه بالسنة للنيل من قدر من قالوا إنه صاحب السنة، ويجعلون من أمروا باتباعه والتأسي به ومن قالوا بعصمته عرضة للإلقاء الشيطاني، ومن العجب أنهم لا يرون تناقضا في مسلكهم هذا!! ومن الأعجب أن يرموا بشتي التهم كل من يحاول التصدي لأباطيلهم والدفاع عن القرآن والرسول ضد إفكهم ومنها أنه عدو للسنة خالع للربقة مفارق للجماعة.....الخ.
ورغم أن تلك الآيات هي إخبار له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وليست إخباراً عنه فإن معبود السلفيين ابن حجر صحح مروية الغرانيق والتي وضعت بقصد السخرية من الإسلام بحجة تعدد طرق ورودها، وهكذا يصبح لقواعدهم حق التقدم بين يدي الله ورسوله، فيعرضون عن القرآن ويتهجمون على مقام النبوة ويناقضون ما يؤمنون هم به لما لهذا المقام من العصمة لأنه صح لديهم سند أو تعددت طرق مروية، وهذا يكشف حقيقة أمرهم فما إن ترد مروية مرفق بها سند ملفق حتى يقع المحدثون والسدنة في حيص بيص وترتعد فرائصهم وأوصالهم ويعرضون عن الكتاب ويتهجمون على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ويضربون بالمنطق وثوابت الكون والتاريخ عرض الحائط مع أنهم يزعمون أن من قواعدهم أن المروية الصحيحة يجب ألا تعارض نصا صريحا وألا تحتوى على علة قادحة إلى آخر ما يصدِّعون به أدمغة الناس دون أن يلزموا أنفسهم به، والحق هو أن أية مروية تشكك في الكتاب أو تتهجم على مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مثل مروية الغرانيق ومروية السحر يجب تطهير الإسلام منها رغم أنف من صححها ومن أخذ بها من عباد الأسلاف.
---------------
لقد تمني كل رسول أو نبي مرسل الهداية لقومه، وتمني الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ الهداية لأمته وألا يضلوا من بعده وألا يرجعوا بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض وألا يفرقوا دينهم وألا يكونوا شيعا يذوق بعضهم بأس بعض، ولكن الشيطان للإنسان بالمرصاد، فهو يدبر كل ما يستطيع لكي يحبط ما تمناه الرسول أو النبي المرسل مثلما فعل من قبل، فقبل ختم النبوة كان يتم دحض وإحباط كيد الشيطان بأن يرسل الله تعالي نبيا أو رسولا جديد بآيات محكمة تنسخ ما ألقاه الشيطان، أما بالنسبة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فلقد ختمت به النبوة و لكن كان لابد أن تسري علي أمته السنن، لذلك عمل الشيطان علي إحباط ما تمناه بالنسبة إلي أمته وذلك بما يلقيه إلي أهل البغي والمنافقين والمتآمرين والمغفلين والمهرجين، فأولئك بثوا في الدين من كل ما يسئ إليه ويقوض مقاصده وما حال بين المسلمين وبين مواصلة تقدمهم والاحتفاظ بأسباب قوتهم، ولكن الله سبحانه يحكم آياته بتجديد هذا الدين بمن يُعدُّهم ويصنعهم علي عينه من المصلحين والمجددين.
---------------
إن الشيطان الأكبر يستخدم عملاءه من شياطين الإنس والجن ويوحي إليهم زخرف القول غرورا، ولقد فعل ذلك مع كل الأديان السابقة بدءا من ديانة المصريين القدماء وانتهاء برسالة السيد المسيح عليه السلام حتى قضى عليها قضاءا مبرما واقتضى الأمر نسخا إذ لم يكن ثمة مجال لإصلاحها أو تجديدها، أما هذا الدين الخاتم فلقد تكفل الله تعالى بحفظ رسالته وهي القرآن الكريم وأضفي عليه من صفاته العزة والمنعة والهيمنة والإحكام والعلو حتى لا يدنو منه كائن محرف أو مخرب، لذلك لم يتبق للشيطان إلا الإلقاء فيما هو دونه من النصوص الثانوية وأن يوحي إلي أوليائه للإعلاء من شأن هذه النصوص وحتي يتم نسخ الكتاب عملياً بها، وحقائق التاريخ الدامغة تثبت أن عملاء الشيطان وضعوا مئات الألوف من المرويات التي انكشف أمر معظمها كما حرفوا وأدرجوا في المرويات الصحيحة، ولقد كان لدى الشيطان وعملائه من نصوص الديانات المحرفة رصيداً يكفي لإضلال البشرية جمعاء، لذلك استغل الشيطان غفلة البعض وجهل الآخرين وفسق الكهنوت وطغيان المتسلطين على الأمور بالإضافة إلى سوء نية الزنادقة وأهل الكتاب والمنافقين لكي يلقى في الدين كل تراث الغابرين بعد إكسابه قشرة إسلامية، وكانت النتيجة هي تلك الصياغات الكهنوتية المثقلة بالإلقاءات الشيطانية والتي تدفع الناس باسم الدين للقضاء على مقاصد الدين وصد الآخرين عنه.
إن محل الإلقاء الشيطاني ليس هو الرسول أو النبي وإنما ما يصل إلى الناس مما أتى به، فالشيطان يلقى إلى عملائه ما يخلطونه بنصوص الرسالة حتى يلبس على الناس أمر دينهم، والآيات تطمئن الناس على نص الرسالة الأصلي فسيظل الناس يدركون إلى أن تأتيهم الساعة أنه الحق من ربهم وأنه لم يشُبْه أي إلقاء شيطاني في حين أن ما لدى الناس من نصوص ثانوية كالمرويات مثلا قد شابها وأدرج فيها الكثير من الإلقاءات الشيطانية.
---------------
ليس بوسع شيطان أن يلقي علي رسول أو نبي فإنه لا يجرؤ على الاقتراب منهم أصلا، ولا يتلقى إلقاءا شيطانيا إلا من كان لديه استعداد لذلك، فالشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم كما قال تعالي في سورة الشعراء: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(221)تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(222)يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ(223)} (الشعراء)، ورغم ورود هذا النص القرآني وصراحته ووضوحه فإنه وجد من رجال الكهنوت الذين تقدسهم الأمة من صحح مروية الغرانيق، وهذا ما يكشف حقيقة ضلالهم ومدى جنايتهم على تلك الأمة التي ابتليت بهم فما إن ترد مروية منافية للدين والمنطق والحقائق مصحوبة بسند يتضمن مجموعة من الأسماء التي عدلوها هم وفق مقاييسهم البشرية إلا ويخروا على أذقانهم سجدا ويكفروا بالحق من ربهم، والإلقاء الشيطاني يكون باستخدام شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا والإلقاء هو ما يفترونه ويلفقونه من نصوص وأفعال وينسبونها إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وربما قالوا إنها من الوحي الثاني أو هي من مثل القرآن، والشيطان بالطبع لن يظهر للناس بقرونه وذنبه ليلقى إليهم وإنما سيتخفى وراء رجل من الكهنوت مهيب الطلعة كبير العمامة كث اللحية، كذلك قد يظهر أيضاً بصورة جذابة عصرية، ولقد قال الحق سبحانه لرسوله عن المنافقين {وإذا رايتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم} ( المنافقون: 4)، وإذا كان الرسول نفسه من الممكن أن يُعجَب بمظهر أكابر المنافقين فكيف بمن هم دونه من أفراد تلك الأمة الذين ترهبهم الأسماء والأشكال التي تربوا على تقديسها والتسبيح بحمدها، وقد يتحلى كثير من المشتغلين بالأمور الدينية بالإخلاص ولكنه الإخلاص لما تلقوه من أسلافهم من دين وليس للدين الذي أنزله الرحمن الرحيم وألزم به الناس إلي يوم الدين، والإلقاء الشيطاني يترتب عليه أمور محسوسة لا ريب فيها كما حدث مع السامري فلقد كان هو أداة الإلقاء الشيطاني أيام موسى عليه السلام، وكان موسى هو أداة النسخ السريع لما ألقاه الشيطان، والإلقاءات الشيطانية تملأ الكتب التراثية، وهذا الإلقاء فتنة لكل من اقتضى استعداده ذلك، وقبل ختم النبوة كان الأنبياء يسوسون الناس ويرسلون لتجديد شرع الرسول الآتي بالرسالة أصلا والذي هو موسى عليه السلام بالنسبة إلى بنى إسرائيل، فلقد كان هؤلاء الأنبياء آلات الإله لنسخ الإلقاءات الشيطانية ولإحكام الآيات الإلهية واستخراجها من ركام الإلقاءات الشيطانية ولنفض غبارها عنها، أما إذا بلغ التحريف مدى رهيباً بحيث أفسد أمر الأمة وترسخ في نفوس أفرادها وأصبح كل فرد جديد يصنع على عين تلك الإلقاءات وأشربت في قلوبهم فإنه يتم نسخ الرسالة القديمة كلية ويأتي رسول جديد برسالة جديدة إلى أمة جديدة، وقد يقتضى هذا إهلاك الأمة المنحرفة وقد يقتضى الأمر إبقاءها وإنظارها لتكون آلات بيد الشيطان المنظر، وهذا هو ما حدث مع بنى إسرائيل، أما الكتاب العزيز وهو يتضمن الرسالة الخاتمة  فليس بمحل لأي إلقاء شيطاني فهو كما وصفه منزله عزيز أي منيع وهو على حكيم وكريم في كتاب مكنون ومجيد في لوح محفوظ، فكل تلك الصفات تنفي تماما إمكانية أن يناله أدنى تحريف أو نسخ أو إنساء، أما كل ما هو دون ذلك فهو محل ممكن للإلقاءات الشيطانية، ولقد كان القرن الإسلامي الأول متمسكين بكتاب الله لا يبغون عنه حولا ويرفضون أن يكون ثمة كتاب آخر معه، وكانوا حريصين تماماً علي ذلك، وتلك حقيقة تاريخية دامغة لا سبيل إلي التشكيك فيها، ولذلك كانوا خير أمة أخرجت للناس رغم كل ما شجر فيما بينهم، وكان أفضل أعمالهم أن سخَّرهم الله تعالي لتحقيق وعده بحفظ الذكر للناس، لذلك بذَلَ الشيطان وجنوده من المنافقين وأهل الكتاب والزنادقة وطواغيت بنى أمية وزعماء الأعراب كل طاقاتهم لجعل المرويات في مرتبة مساوية للكتاب، بل حاولوا جعل إجماعهم المزعوم كذلك، ولكي يكتسب كل هؤلاء الشرعية اللازمة فلقد استحدثوا واختلقوا مفهوم الصحابة أو حولوه من مصطلح لغوي إلى مصطلح ديني مقدس ليجعلوا للمنافقين نفس المصداقية التي هي للسابقين الأولين، بل أصبحت لهم السيادة والغلبة فأصبح ما يروى عن معاوية يفوق في مصداقيته ما يروى عن الصديق أبى ذر، وأصبح ما يروى عمن تتلمذوا علي أحبار بني إسرائيل وأمثالهم وحيا ثانيا ومثلا للقرآن، ولما كان النص الأصلي للرسالة عزيزا منيعا لا يمكن أن يمس فلقد افتروا المرويات التي تشكك في حفظه وتنال منه والتي تنال من قدر الرسول ذاته وتحاول أن تصوره بصورة الزعيم البدوي الذي يفتك بالقبائل الأخرى ليسبي لنفسه أفضل نسائها، والتي تجعله عرضة للإلقاء الشيطاني …. الخ، ولكن لما كان النص الأصلي محفوظا من أي تحريف فإن أمثال تلك الإلقاءات لا تستلزم أنبياء جددا لنسخها وإنما يتطلب الأمر مجددين يطهرون الدين من إلقاءات الشياطين، ولذلك مثلا يمكن استنادا إلى شهادة الله تعالى لرسوله بأنه على خلق عظيم أن تطهر كتب السيرة من كل ما نسبه الشياطين إليه مما لا يتفق مع هذا الخلق العظيم، والخلق العظيم هو جماع كل ما نص عليه الكتاب من السمات والصفات الحسنة التي هي مقتضيات الأسماء الحسني والتي يجب أن يتحلى بها الإنسان الرباني الفائق، ومن مقتضياته أن يتوافق الإنسان مع السنن الإلهية وأن يتمسك بمنظومة القيم الرحمانية وأن يلتزم بالأوامر الربانية، ولذلك يجب ألا يلقي الإنسان بالاً لأية مروية تنسب إلي الرسول الكريم مخالفة شيء من ذلك وأن يعتصم بما ذكره الكتاب عنه لا بما نسبه عباد المرويات إليه والذين يحاولون النيل من قدره والقضاء علي دينه بزعم الحفاظ علي سنته، وهم بمسلكهم هذا يضحون بالأمة وبالدين في سبيل الحفاظ علي تراث الأقدمين.

====================


هناك 3 تعليقات:

  1. لا فُض فوك أحسنتم وبوركتم دكتور حسني على هذا البحث القراني العلمي الرائع... سلام لكم يحرسكم الله

    ردحذف
  2. يوم جيد شعبي في المملكة العربية السعودية

    شهادة على كيف حصلت على قرض لشراء منزل من شركة حقيقية وديعة حقيقية دعا شركة القرض ألباكر. أنا سعيد جدا اليوم و الله صلى الله خوسيه لويس قرض الشركة.
    ،
    اسمي عبد الله أنا من مدينة الرياض لقد تم البحث عن شركة قرض حقيقية على مدى 5 أشهر، لشراء منزل
    كل ما حصلت عليه كان حفنة من الحيل الذي جعلني أن أثق بهم وفي النهاية
    من اليوم، أخذوا أموالي دون إعطاء أي شيء في المقابل، كل شيء
    فقدت أملي، وحصلت على الخلط والإحباط، وأنا لم أكن أريد أن يكون أي علاقة مع شركات القروض على شبكة الإنترنت، لذلك ذهبت إلى اقتراض بعض المال من
    صديق، قلت لها كل ما حدث وقالت انها يمكن أن تساعدني، ذلك
    أنها تعرف شركة القرض التي يمكن أن تساعدني مع أي مبلغ من القروض
    التي يحتاجها لي مع معدل فائدة منخفض جدا من 2٪، أنها حصلت للتو
    قرض من لهم، وقالت انها وجهت لي على كيفية التقدم بطلب للحصول على القرض، فعلت
    تماما كما قالت لي، وأنا تقدمت معهم على البريد الإلكتروني: (albakerloanfirm@gmail.com) لم أكن أعتقد ولكن حاولت وأنا
    أعظم مفاجأة حصلت على القرض في غضون 24 ساعة، لم أستطع أن أصدق،
    أنا سعيد وغني مرة أخرى وأنا أشكر الله أن هذا القرض
    شركات مثل هذا لا تزال موجودة على هذه الحيل في جميع أنحاء الأماكن،
    يرجى أنصح الجميع هناك الذين هم في حاجة إلى قرض للذهاب
    (albakerloanfirm@gmail.com) أنها لن تفشل لك، و
    يجب أن تتغير حياتك كما فعلت الألغام. الاتصال بسرعة (albakerloanfirm@gmail.com) اليوم والحصول على القرض الخاص بك منهم، بارك الله شركة ألباكر قرض للحصول على عرض قرض حقيقي.
     تأكد من الاتصال شركة ألبكر قرض للحصول على القرض الخاص بك لأنني حصلت على قرض بلدي بنجاح من هذه الشركة دون إجهاد.

    ردحذف