الثلاثاء، 26 أغسطس 2025

من كتابنا 108، فادي العلماني (مجموعة قصصية)، الطبعة الثانية 2017

 بلطجي وغانيتان

 

هذا البلطجي هو أكبر بلطجي شهده التاريخ حتى الآن، قوته هائلة وثراؤه فاحش، وإمكاناته لا حصر لها، يستطيع أن يرفع من يشاء وأن يسقط من يشاء وأن يضرب من يشاء وأن يؤدب من يشاء.

بلغ من سطوته أنه يطبع أوراقا يسميها نقودا يعطيها من القيمة ما يشاء ويأخذ بذلك من الثروات مقابلها ما يشاء، فهو يجني بذلك ثمار مجهودات الشعوب وموارد بلادهم!! والويل لمن يفتح فمه، آخر من فعلها زعيم نزيه كان بلطجيا قديما، سلط عليه بعض الصبية التافهين فأسقطوه! وجعل منه عبرة لأمثاله.

ويحتمي بهذا البلطجي الكبير مجموعة من قدامى البلاطجة؛ يحسدونه، ولكنهم لا يستطيعون إلا الاستسلام لسطوته، خاصة بعد أن رأوا مصير زميلهم، من يدري؟ ربما يتمردون عليه يوما ما!

 

هذا البلطجي وقع في غرام غانية شرسة، هذه الغانية تذكره بشبابه، لذلك ولأسباب نفسية وعقائدية ولأسباب أخرى فهو يحبها حبا يفوق الوصف، حبا لم تشهد البشرية له مثيلا، حبا أصابه بالمازوشية، فهو يستمتع بضرباتها وإهاناتها له، ويتمنى أن تزيده منها، وهو في علاقاته مع الآخرين لا يرى الأشياء إلا بعيونها، وهو يعمل ضد مصلحته إذا كان ذلك وسيلة إلى مرضاتها، إن الغرام بها هو اللعنة التي أصابته، ولكنه يتلذذ بها، والنار التي تحرقه، ولكنه لا يودّ الخروج منها.

 

ولكن توجد غانية أخرى تحبه هو نفسه حبا مازوشيا، ثراؤها أسطوري، وهي منقبة بحكم التقاليد، ولذلك لم تكن لتسمح له بالاستمتاع بها إلا سرا، هو لا يطيقها بحكم كرهه للنفاق والجهل والعفن والتخلف، ولكنه لا يرى أي مبرر لكيلا ينتفع بحبها، فهي تعطيه أجر استمتاعه بها، وهي تغدق عليه بلا حساب الأموال التي تدعم ماليته، وهي أكبر سند لأوراقه التي يسيطر بها على العالم، وهي تبيح له بيتها يعبث فيه كما يشاء، أما المقابل فهو لا يكلفه شيئا، إنها تطلب منه من حين لآخر أن يضرب لها من تشعر بالكراهية تجاههم، وهم عادة ممن لا يحبهم هو نفسه أصلا.

 

وهذه الغانية أو بالأحرى العاهرة على علم تام بعلاقة البلطجي بالغانية الشرسة، ولكنها راضية عن هذه العلاقة منذ زمن بعيد، وهي تتبادل الغزل والمنافع مع هذه الغانية وتحقق لها أهدافها بطريقة أو بأخرى، ودائما ما يتبين أنهما يجتمعان على كره نفس الأشخاص.

والبلطجي الأكبر يعلم أن هذه الغانية تملك سلاحًا رهيبا، لا يملكه هو، ولا تملكه الغانية الأولى، وهو في أمسّ الحاجة إلى استعماله ليحقق أشد أحلامه جموحا، هذا السلاح هو دين شيطاني موجه ضد المسلمين وحدهم، وهو متسق تماما مع أحدث أجيال من الحروب، فبه يمكن جعل المسلمين يقتلون أنفسهم بأنفسهم، ويخربون ديارهم وبلادهم بأيديهم، وهو في الوقت ذاته يحافظ على بقاء الغانية، وعلى نفوذ البلطجي وغانيته الأولى الأثيرة.

ولكن طرأ الآن ما يقض مضجع الغانية الثرية، هناك عاهرة أصغر حجمًا، ولكنها أشد شراسة في العهر، وبحكم صغرها لا تعاني من أية مشاكل داخلية، وهي مصممة على أن تحتل المكان الأول في قلب البلطجي الأكبر، والتنافس مستمر.

ولقد استجد الكثير مما يقلق البلطجي العتيد، ويجعله أشد شراسة وتبجحا وشذوذا، فلم يعد العالم مثلما كان عليه عندما كان منفردا بكل شيء فيه، انقلب تدبيره إلى ما يهدد بتدميره، رغم أن ذلك يبدو بعيد المنال إلا أن دوام الحال من المحال، وقد بدت بعض ملامح مستقبل غير مبشر.

لم يعد البلطجي يستجيب لطلبات الغانية اللعوب لضرب أعدائها بنفس الحماسة القديمة، بل وبدأ يبحث عن سبل أخرى غير الضرب البحت ليتفاهم معهم، بل ويطالبها بأن تضربهم هي!!! يا للهول!! ماذا تفعل الغانية؟!

لقد ورَّطها فيما لا قبل لها به.

والأدهى والأمرّ أن هذا البلطجي لشدة انشغاله بشؤون غوانيه أو بالأحرى عواهره عاش في غفلة عن قوى بعيدة تتربص به، ولن ترقب فيه إذا ما تمكنت منه ألِّا ولا ذمة، فهم لم ينسوا ثاراتهم القديمة معه.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق